عرف خورخي لويس بورخس العرب قبل أن يعرفوه. واستوعب العديد من آثارهم الأدبية والفلسفية والشعرية قبل أن يتمكنوا هم من تعريب أثر واحد من آثاره. فالاهتمام به عربياً لم يبدأ إلا مطلع الثمانينات راجع "الوسط" عدد 251. وكتاب عيسى مخلوف "الأحلام المشرقية - بورخس في متاهات ألف ليلة وليلة" "دار النهار"، بيروت، محاولة جادة تتيح للقارئ العربي امتلاك بعض المفاتيح التي تخوله الولوج إلى عالم بورخس، والتعرف إليه كاتباً "كوسموبوليتيّاً"، وجسراً متيناً بين الشرق والغرب. يكشف لنا الشاعر اللبناني أن صاحب "كتاب الرمل" أتى طفلاً على روائع أدبيّة مثل "ألف ليلة وليلة" و"دون كيخوته" لشرفانتس... حتّى غدت "ذكريات طفولته هي ذكريات الكتب التي قرأها". وهذه القراءات الثرية دفعته إلى "التطلع إلى مكتبة كونية عالمية، متخيلة ومبتكرة". وانعكست هذه الرؤية على جلّ ما كتبه. ففي قصة "مكتبة بابل"، يصف بورخس مكتبة لا نهائية مثل "ألف ليلة وليلة". وفي موسوعة "كتاب الرمل" يتخيل كتاباً لا تحصى صفحاته، يحتوي على الكتب كلّها. كما افتتن بورخس أيضاً ب "المتاهة"، وله كتاب بعنوان "المتاهات". وفكرة "المتاهة" هذه متصلة خصوصاً بقراءاته المتعددة لكتاب "ألف ليلة وليلة"، هذا النصّ الذي لا ينتهي برأيه، "لكثرة الحكايات والأحلام والكوابيس المتداخلة كخيوط العنكبوت". وغرف الكاتب الأرجنتيني الكبير من مناهل ومصادر أخرى تتصل بالنوادر والاساطير والخرافات التي اطلع عليها في الآثار العربية والفارسية المترجمة إلى اللغات التي يتقنها إلى جانب لغته الام، مثل الفرنسية والانكليزية والالمانية. كتاب "الأحلام المشرقية" يقرأ بمتعة شديدة، بسبب لغته المشرقة وأسلوبه الجذّاب. ويتضمّن تعريباً - عن اللغة الامّ - لبعض القصائد والقصص المستوحاة من التراث العربي الاسلامي.