نسيم حامد الملاكم البريطاني اليمني الأصل "ظاهرة" بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد، فمنذ زمن طويل لم تشهد حلبات الملاكمة بطلاً من هذا المعدن، وملاكماً من هذا الطراز، وهو في كل مباراة يخوضها يعزز الاعتقاد بأنه دخل "نادي الكبار" في الملاكمة من الباب الملكي، بأدائه الراقص وقبضته الفولاذية، وبأن الذين يشبهونه بمحمد علي كلاي - وأوجه الشبه بينهما كثيرة - سيكتشفون أن نسيم حامد لا يشبه أحداً سواه. ومع أن النقاد يجمعون على حتمية انتصاره في كل لقاء يشارك فيه، فانهم يختلفون على تحديد الجولة التي سيسقط فيها خصمه بالضربة القاضية، ولا يلبثون أن يتساءلوا على أثر ذلك: من الضحية اللاحقة؟ والمباراة الأخيرة التي خاضها نسيم حامد دفاعاً عن لقبه العالمي لوزن فوق الديك المجلس العالمي للملاكمة W.B.C ضد متحديه بطل العالم السابق الكولومبي خوان بولو بيريز في قاعة ألبرت هول في لندن، هذه المباراة لم تخرج عن سياق المباريات الخاطفة التي أصبحت من سماته المميزة وعلاماته الفارقة اذ جرت في اطار "المناخ الحامدي" الذي يشهد تقلبات حادة تتراوح بين النسائم المنعشة والأعاصير المدمرة. دخل "الأمير" نسيم حامد قاعة ألبرت هول بكل تؤدة مترنحاً على إيقاعات موسيقية صاخبة واكبتها هتافات الجماهير الهستيرية المدوية وعندما بلغ الحلبة قفز قفزته البهلوانية المعهودة وحيَّى الجماهير التي هاجت وماجت مطلقة لحناجرها وأكفها الأعنة. وعندما أعلن الحكم بدء المباراة مارس نسيم حامد رقصة الموت محاولاً استدراج متحديه الى المجازفة والوقوع في الفخ على اعتبار أن تدلي قبضتيه الى ما تحت الحزام يغري الغريم بالهجوم، ومع أن الكولومبي يملك رصيداً من الخبرة قوامه خمسون مباراة دولية، فإن خبرته لم تجده نفعاً في مواجهة نسيم حامد الذي كان يرقص كالفراشة ويلسع كالدبور مسدداً لكمات موجعة من زوايا صعبة وضيقة، وانتهت الجولة الأولى من دون أن تشهد ما ينذر بأن النهاية وشيكة. وفي الجولة الثانية بدا واضحاً ان "الأمير اليمني" قرر أن يحسم الأمر وأن يضع حداً لهجمات الملاكم الكولومبي. وفي ردة فعل غير متوقعة عطل هجوماً لبيريز وانقض عليه مسدداً الى وجهه لكمة بيسراه أوقعته أرضاً، وعندما نهض لاستكمال اللعب أمطره نسيم حامد وابلاً من اللكمات قضت على آماله في الدقيقة الثانية من الجولة الثانية في مباراة لم تستغرق أكثر من خمس دقائق قدم فيها اليمني عرضاً رائعاً في الملاكمة عيبه الوحيد أنه حرم مشجعيه وعشاق الفن النبيل من اطالة المتعة، اذ جاءت المباراة على غرار سابقاتها أشبه ببرقية عاجلة بلغ الايجاز فيها حد الاختزال. وقد علّق نسيم حامد على فوزه قائلاً: "كنت أتمنى على بيريز أن ينهض بعد سقوطه للمرة الثانية كي يكمل المباراة، لأنني كنت أعدّ له وجبة دسمة من اللكمات، علماً أن ما تلقاه من لكمات كان من قبيل المقبلات". أما جون مونتانو رئيس المنظمة العالمية للملاكمة W.B.O فقال إثر انتهاء المباراة: "هذا الشاب هو "ظاهرة العصر" في الملاكمة. انه سريع جداً وقوي جداً ولا أعتقد أن أحداً يمكن أن يقف في وجهه. صحيح ان ناركو انطونيو باريرا ملاكم خارق، وصحيح ان المباراة بينهما ستكون مباراة قمة بكل المقاييس، الا انني أصر على اعتبار نسيم حامد ملاكماً فريداً، ومن النادر أن يجود الزمان بمثله". غير أن بعض النقاد يأخذ على نسيم حامد قلة احترامه لاخصامه عندما يسقطون على الحلبة ما يتنافى مع أخلاقيات الملاكمة التي يطلق عليها اسم الفن النبيل، وقد ذكر حكم الحلبة ميكي فان أنه في نهاية الجولة الأولى دفع نسيم حامد الى زاويته ووبَّخه قائلاً: "إن الحركات الاستعراضية على الحلبة يجب أن تتوقف عندما يقرع الجرس. وأنا لم أستسغ تحريضه بيريز على متابعة المباراة بعد سقوطه للمرة الثانية مع ما يستتبع ذلك من أخطار على صحته وعلى حياته. انني أكره هذا النوع من السلوك". صحيح ان بعض تصرفات نسيم حامد يتسم بالصبيانية والتهريج ولكن يجب ألا يغرب عن بالنا أنه ما زال في الحادية والعشرين من العمر، ولا ريب في أن تقدمه في العمر وخبرة الحلبة كفيلان بتشذيب سلوكه وتهذيب تصرفاته وهو سيتخلص تدريجاً من هذه الشوائب التي لا تنتقص من مواهبه الفنية في الملاكمة وإن كانت تسيء الى صورة البطل من الناحية الشخصية. هذا، ومن المتوقع أن يشارك نسيم حامد في المباراة الأولى التي سيخوضها مايك تايسون إثر خروجه من السجن في التاسع عشر من شهر آب اغسطس المقبل.