حفل الاسبوعان الماضيان على صعيد الملاكمة بأحداث دراماتيكية ومثيرة من شأنها ان تزيد المهووسين برياضة "الفن النبيل" هوساً، وان تزيد المصرّين على وقف هذه "الرياضة الوحشية" اصراراً. وسأكتفي بأربع عيّنات مما وقع على حلبات الملاكمة وخارجها واترك للقراء ان يكوّنوا انطباعاً عن هذه الرياضة التي يختلط فيها الفن بالشجاعة والخطر والموت والصفقات المشبوهة. الوجه المأسوي ستبقى المباراة التي خاضها الملاكم الاميركي جيرالد ماكليلان والملاكم البريطاني نايجل بن على حلبة لندن واحدة من اعظم المباريات التي شهدتها حلبات الملاكمة واكثرها اثارة في التاريخ وقد نقل في نهايتها الفائز والخاسر في سيارتي اسعاف الى المستشفى كأنما قدر هذه الرياضة ان توفّر المتعة القاتلة للمشاهدين وللابطال وان تكون المأساة فيها هي الوجه الآخر للاثارة… عُرف الملاكم مالكيلان بقوة قبضته وبسرعة اجهازه على منافسه بحيث بلغ مجموع الوقت الذي قضاه على الحلبة طوال 22 شهراً دافع خلالها ثلاث مرات عن لقبه العالمي في وزن المتوسط 210 ثواني وكاد يكرر الامر مع نايجل بن اذ طرحه ارضاً بعد اربعين ثانية من بدء المباراة اثر وابل من اللكمات. لكن نايجل نهض من كبوته ودافع بشجاعة خارقة عن نفسه محاولاً ان يحوّل مسار المباراة لمصلحته، وقد نجح البطلان في الجولات اللاحقة التي تبادلا فيها اللكمات المدمرة بوفرة وبسرعة مذهلة ان يوفرا للمشاهدين مباراة نادرة من حيث الاثارة والاداء الفني. وفي الجولة الثامنة سقط نايجل بن ارضاً للمرة الثانية وكاد الحكم الفرنسي ان يوقف المباراة لكن نايجل استأنف اللعب الذي استمر سجالاً بين البطلين وقد بدت عليهما امارات الارهاق والاعياء لأنهما استنفدا طاقاتهما وتجاوزا حدود قدراتهما الى ان سدد نايجل بن لكمة بيمناه الى فك ماكليلان في الجولة العاشرة جعلته ينتزع الفوز في هذه المباراة بالضربة القاضية. والتتمة يعرفها الجميع… شعر ماكليلان بدوار هائل فنقل فوراً الى المستشفى الملكي في لندن وأُخضع لجراحة في الدماغ ولا يزال حتى الآن في حال غيبوبة، ولا يزال وضعه الصحي دقيقاً كما تفيد تقارير الاطباء كأنه يخوض في لاوعيه أشرس معاركه من اجل البقاء. اما نايجل بن فقد نُقل بدوره الى المستشفى ذاته بعدما أُغمي عليه في غرفة الملابس لكنه غادر المستشفى بعد منتصف تلك الليلة الرائعة والمشؤومة على حدّ سواء. الوجه الآخر وفي اتلانتيك سيتي دخل الاميركي بيرنيل ويتاكر تاريخ الملاكمة من باب آخر اذ احرز لقبه العالمي الرابع في اربعة اوزان مختلفة اثر فوزه بالنقاط على الارجنتيني خوليو سيزار فاسكيز الذي كان يدافع عن لقبه في وزن فوق المتوسط للمرة الثانية عشرة، وبذلك حفر ويتاكر اسمه في السجل الذهبي الى جانب ثلاثة ملاكمين سبقوه الى الفوز بأربعة ألقاب في اربعة اوزان مختلفة هم شوغار راي ليونار وروبيرتو دوران وتوماس هيرنز، وهو سيسعى جاهداً الى اقتفاء خطى ليونار وهيرنز اللذين احرز كل منهما خمسة القاب. وتجدر الاشارة الى ان ويتاكر الذي سقط ارضاً في الجولة الرابعة استطاع ان يفرض ايقاعه على غريمه لاحقاً وان ينهي المباراة نهاية سعيدة فأضاف اللقب العالمي في وزن فوق المتوسط الى القابه السابقة في وزن الوسط ووزن الخفيف وفوق الخفيف. مهزلة الالقاب وفي اتلانتيك سيتي ايضاً قررت الجمعية العالمية للملاكمة تجريد البطل العجوز جورج فورمان من لقبه العالمي للوزن الثقيل لأنه رفض ان يدافع عن لقبه ضد متحديه طوني تاكر مفضلاً مقابلة الالماني اكسيل شولتس وهكذا اصبح للوزن الثقيل ثلاثة ابطال عالميين هم: جورج فورمان الاتحاد العالمي للملاكمة I.B.F واوليفر مالكول المجلس العالمي للملاكمة W.B.C وهيربي هايد المنظمة العالمية للملاكمة W.B.O اما لقب الجمعية العالمية للملاكمة W.B.A فانه شاغر حالياً بانتظار ما سيسفر عنه اللقاء بين طوني تايكر وبروس سيلدون. وهذا التشرذم في توزيع الالقاب يعتبر مهزلة ويعزز الفكرة القائلة بأن رياضة الملاكمة باتت تخضع لسلطات المافيات التي تعقد صفقات مشبوهة على حساب "الفن النبيل" غير آبهة لما يتركه هذا التشرذم من انعكاسات سلبية على حاضر الملاكمة ومستقبلها. الديك اليمني ووسط هذه الاجواء التي تبشر بالتفاؤل حيناً وتدفع الى القنوط حيناً آخر يواصل الملاكم البريطاني اليمني الاصل نسيم حامد مشواره الى القمة بثقة ونجاح. فقد دافع عن لقبه العالمي لوزن الديك الجمعية العالمية للملاكمة بكل جدارة ولم يترك لمتحديه الارجنتيني سيرجيو لينيدو خلال جولتين فرصة التقاط انفاسه فسقط بالضربة القاضية، وهكذا اضاف نسيم حامد الى سجله الحافل بالانتصالات انجازاً جديداً رسّخ اقدامه كواحد من افضل ابطال الملاكمة في العالم.