الملاكم اليمني الأصل نسيم حامد لم يفاجئ أحداً ليل السبت في 30/9/95 حين انتزع لقب بطولة العالم لوزن الريشة تصنيف المنظمة العالمية للملاكمة من حامله السابق البريطاني ستيف روبنسن الذي خسر بالضربة القاضية في عرض اخاذ في ملعب في مدينة كارديف البريطانية يتسع ل 16 ألف متفرج. غير أن البطل الشاب 21 عاماً، الذي أنهى 17 مباراة - من أصل 20 - خاضها بالضربة القاضية في الجولة الأولى أو الثانية، بقي هذه المرة على الحلبة وقتاً أطول اذ أوقف الحكم المباراة في الجولة الثامنة بعدما سقط روبنسن مرات عدة بوجهه المضرج بالدماء. ولعل أحد أسباب هذا التأخر بالفوز هي براعة الخصم الذي استطاع ان يدافع بشجاعة عن نفسه حتى الجولة الخامسة حين سقط للمرة الأولى بفعل يمينية طويلة عاجله بها البطل اليمني. لكن جرأة روبنسن لم تسعفه تماماً، وهو أخفق في صد هجمات نسيم حامد الذي انقض عليه كالاعصار مبرهناً مرة أخرى أنه سيد الحلبة. أسلوب جديد ويقول مراقبون ان البطل اليمني أدخل بعض التجديدات على أسلوبه، ولم يشأ الاجهاز على خصمه في بداية المباراة كما اعتاد ان يفعل في مرات سابقة. ويبدو هذا الرأي مقنعاً باعتبار ان هذه كانت أولى المباريات التي خاضها في وزن الريشة، ما يعني أنه تجنب التسرع ولعب بترو يضمن له الفوز في نزال استهل به مبارياته في الوزن الجديد. وهو أثبت لاولئك النقاد، الذين شككوا في الماضي بقدرته على تحمل مباراة طويلة، انه يعرف كيف يتحكم بأدائه ويواصل تقديم عرض مثير على مدى جولات عدة كاد يحافظ فيها كلها على قوته. ومن جهة أخرى، أتاح بقاء حامد على الحلبة كل هذا الوقت فرصة التمتع بأسلوبه الجديد الذي يذكر بمحمد علي. فهو لجأ للمرة الأولى الى الدفاع بجسمه الذي لم يكف عن الرقص والدوران حول الخصم أو الاندفاع نحوه تارة والتراجع تارة أخرى فيما انهمرت اللكمات على روبنسن. وبفضل حركات نسيم السريعة ولكماته الخاطفة وجد الملاكم البريطاني نفسه عاجزاً حتى عن لمسه، وبدت ضرباته الموجهة الى خصمه كأنها خفافيش تقترب من هدفها لكنها تخطئه دوماً. وبدا حامد أحياناً ساخراً من خصمه لا يحمله محمل الجد، فهو يكشف له جسمه ليغريه بالانقضاض عليه ثم لا يلبث ان يتراجع أو ينثني بخفة متفادياً ضربة روبنسن من دون أن "يعاقبه" عليها. وفي الجولة الرابعة، صار واضحاً ان الغاية التي رمى اليها حامد تحققت اذ لاحت علائم الانهاك الجسدي والنفسي على الملاكم البريطاني بعدما أخفقت ضرباته في النيل من خصمه اليمني صاحب القامة السمراء. وبينما أخذ روبنسن يتراجع تدريجاً، كان حامد يتابع تقديم عرضه البارع بهدوء وثقة دلت عليها الابتسامة التي لم تفارق وجهه طوال المباراة. وهو، على الأغلب، شرع بالعد العكسي في الجولة الخامسة حين انهارت دفاعات خصمه المنهك فسقط تحت ضربات متحديه اليمنية - اليسارية مرتين والدم يسيل من فمه. ولم يكن البطل السابق أوفر حظاً في الجولة السادسة، فالابتسامة اتسعت على ثغر الملاكم اليمني الذي ضاعت هجماته ووجه اليه مزيداً من الضربات التي تفنن في تنويعها. وعلى رغم عجزه عن ايقاف تشكيلة اللكمات التي لم تكف عن التنكيل به، صمد الملاكم البريطاني ودفعته شجاعته الى تسديد ضربة تجنبها متحديه بمهارته المألوفة تاركاً خصمه يهوي على الحبال من عزم اللكمة التي خابت. وقتذاك أخذت ضجة الجمهور الويلزي "المناهض" لحامد، تخبو فالجميع لاحظوا أن نهاية بطلهم الويلزي باتت وشيكة خصوصاً ان الدم صار يسيل من أنفه ومن جرح في جبهته. وكان الجمهور على حق، اذ انهال نسيم حامد على خصمه بسيل من الضربات بدأها بخطافة يسارية طرحت روبنسن أرضاً في زاوية الحلبة. وعندما بذل هذا مجهوداً كبيراً للوقوف على قدميه المتهالكتين، كان الأوان فات فالبورتوريكي، الذي حكّم 57 مباراة دولية من قبل، قرر ايقاف المباراة واعطاء لقب البطولة للملاكم الأجدر به. ويذكر أن روبنسن، الذي جاهد بشجاعة استحق ثناء حامد وتقدير الجمهور، هزم ثمانية ملاكمين دفاعاً عن اللقب الذي ناله في نيسان ابريل 1993. مغرور؟ أخذ معلقون على الملاكم اليمني "تعذيبه" روبنسن، و"الغرور" الذي لازمه دوماً حيث بدا هذه المرة متباهياً في نهاية المباراة وأعلن انه "كنت الأقوى والأسرع والأفضل، وأنا الآن البطل أيضاً". الا ان هؤلاء النقاد أجمعوا انه قادر فعلاً على تحقيق رغبته التي لخصها ب "عنجهية" قائلاً: "أريد الآن أن أبرهن أني أفضل ملاكم في العالم". وتوقع مراقبون أن يرتقي سلم المجد بسرعة وهو يحصد البطولات العالمية أثناء انتقاله من وزن الى آخر. لكنه سينهمك الآن بالدفاع عن لقبه الجديد في مباريات عدة ستبدأ خلال كانون الأول ديسمبر المقبل في بريطانيا قبل أن يواجه أحد متحديه في لوس انجيليس.