كشف رئيس مجلس علماء الهند السيد محمد الموسوي في مقابلة خاصة مع "الوسط" ان هدم مسجد بابري في أيوديا شمال الهند الشهر الماضي "كان بإيعاز وتشجيع من الاسرائيليين كي يكون هدمه مقدمة لهدم المسجد الاقصى". وأكد أن هدم المتطرفين الهندوس لهذا المسجد التاريخي "عمل انتقامي يهدف الى كسر شوكة المسلمين في الهند وفتح الباب امام هدم مساجد اخرى هناك". ودعا الموسوي الدول العربية والاسلامية الى اتخاذ موقف حازم ضد تطرف الهندوس محذراً من ان يؤدي وصولهم الى السلطة في الهند الى "ايجاد اسرائيل كبيرة على شبه القارة الهندية تشكل كماشة ضخمة لخنق العالم العربي والاسلامي". "الوسط" التقت الموسوي في لندن بعدما منعته السلطات الهندية من العودة الى الهند خلال الاشهر القليلة الماضية وحاورته عن قضية مسجد بابري وأوضاع المسلمين في الهند. والسؤال الأول الذي يتبادر الى الاذهان هو: لماذا اختار الهند؟ وكيف يكون رئيس مجلس علماء الهند عربياً ومقيماً في لندن، وليس في نيودلهي أو بومباي؟ اجاب الموسوي : "ذهبت الى الهند لأن عدداً كبيراً من المسلمين يعيشون فيها ويفتقرون الى الرعاية الكافية. وأسست مجلس علماء الهند هناك عام 1981 وكان برنامجي يهدف الى انهاض حال ملايين المسلمين ورفع مستواهم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وتربوياً ودينياً. لذلك انشأنا 1400 مدرسة لتعليم الاطفال المسلمين الدين والقرآن، خصوصاً ان التعليم الرسمي الهندي لا يشمل الدين لأن الهند دولة علمانية. ولدينا نحو 1300 مركز في انحاء البلاد، وتضم مستشفيات، ودور أيتام، وحوزات علمية، ومدارس، وجمعيات للشباب، وروابط نسائية وغيرها". وأضاف: "ما زلت رئيساً لمجلس علماء الهند منذ تأسيسه، وأقمت في الهند منذ تلك الفترة. لكن القوى المعادية للمسلمين في الهند تآمرت ضدنا، وضغط المتطرفون الهندوس من حزب "باراتيا جاناتا" - الذي يسيطر على ولاية اوتار براديش - على الحكومة الهندية لابقائي خارج البلاد. وقالوا ان وجودي هناك يسبب خطراً على الهندوس لأن المسلمين يطيعوني طاعة عمياء. اضافة الى ذلك، ضغطت حكومة صدام حسين على الحكومة الهندية لابعادي بعدما نظمنا احتجاجات عامة ضد قتل العلماء المسلمين في العراق او الاعتداء على المراكز الاسلامية المقدسة في النجف الاشرف وكربلاء وغيرها من المدن العراقية. وقدنا في نيسان ابريل عام 1991 تظاهرة كبرى ضد النظام العراقي شارك فيها نحو مليون و300 ألف مسلم تجمعوا في نيودلهي بعدما جاؤوا اليها من معظم انحاء الهند. وكانت هذه اكبر تظاهرة في تاريخ مسلمي الهند، مما ازعج النظام العراقي. وأدى ضغط الهندوس المتطرفين السياسي وتلويح النظام العراقي بممارسة ضغوطات اقتصادية على الهند الى منعي من دخول الهند في الفترة الاخيرة. ولكن نحن ما زلنا على اتصال بمراكزنا هناك، خصوصاً مركزنا الرئيسي في بومباي. ونسعى الى العودة الى هناك قريباً باذن الله". ما هي الخلفية التاريخية والسياسية والدينية لعملية هدم مسجد باربري ليل 6 - 7 كانون الأول ديسمبر الماضي؟ تاريخ مسجد بابري أنشئ مسجد بابري عام 1528 في منطقة أيوديا الواقعة في ولاية اوتار براديش الهندية، وبناه ميرباقي اصفهاني، احد قادة الملك المغولي ظهير الدين بابر، ولذلك سمي المسجد باسم الملك. وهو مسجد مركزي تابع لمدينة "فيض آباد" التي كانت مركز الحكم الاسلامي في تلك المنطقة آنذاك. ويزعم المتطرفون الهندوس ان مسجد بابري بني على أنقاض معبد "راما"، وأن "راما" ولد في ذلك المكان. لكن السيد الموسوي يرد على هذه المزاعم ويقول: "ألف أشهر المؤرخين الهندوس واسمه تولسي داس كتاباً عن تاريخ الهند عام 1575، ولم يذكر شيئاً عن وجود معبد هندوسي قديم مكان مسجد بابري. وكتاب داس هذا مرجع اساسي في تاريخ الهندوس. ان مسألة وجود معبد "راما" طرحت للمرة الاولى بعد الثورة الهندية الكبرى عام 1857 ولكنها لم تنجح في تحقيق مكاسب للهندوس. وهي قنبلة موقوتة يثيرها اعداء المسلمين كلما ارادوا تحقيق مكاسب سياسية. وطرحت هذه المسألة مرة ثانية ايام تقسيم الهند، وقتل آنذاك مئات الألوف من المسلمين، ولكن الهندوس لم يقدموا أي دليل يثبت صدق مزاعمهم. وبعد خسارة المتطرفين الهندوس في انتخابات عام 1984 وحصولهم على مقعدين فقط من اصل 545 مقعداً في البرلمان الهندي، قرروا رفع شعار هدم مسجد بابري وبناء معبد عليه بحجة ان "راما" ولد هناك. وهذه المزاعم ينفيها عدد كبير من مفكري الهندوس المعتدلين. لكن المتطرفين ارادوا كسباً سياسياً وحركوا الشارع الهندي، واشتعل القتال الطائفي نتيجة ذلك. وحصلوا بعد ذلك على 125 مقعداً في البرلمان". ويضيف: "حاولنا مراراً حل النزاع، وجمعنا القيادات الهندوسية الروحية وتحاورنا معها وتوصلنا الى شبه اتفاق. ولكن ذلك الاتفاق احتاج الى دعم سياسي من قبل الحكومة الهندية كي يصبح قابلاً للتنفيذ، ولسوء الحظ لم تتخذ الحكومات الهندية المتعاقبة اية اجراءات عملية لدعم توجهنا هذا. وكان رؤساء الوزراء من أيام راجيف غاندي حتى نارسيمها راو يؤيدون ظاهرياً جهودي لحل النزاع اثناء اجتماعاتي معهم، لكنهم يتراجعون دائماً في اللحظة الاخيرة عندما يصل الامر الى التنفيذ. وهنا أود ان اقول اني لم اجد أي رئيس وزراء هندي مقتنع بادعاءات الهندوس. وأذكر ان راجيف غاندي الراحل زارني ذات مرة وقال لي: "أعرف انه ليس هناك معبد للهندوس في منطقة المسجد. ووجود اعمدة قديمة في بناء المسجد لا يعني انها كانت جزءاً من معبد قديم". وأضاف ان عائلته اشترت اعمدة تاريخية من اماكن مختلفة ووضعتها في منزله للزينة. وسألني راجيف غاندي: "هل سيأتون لهدم بيتنا بحجة انه بني على انقاض معبد؟". ان الهندوس المثقفين لا يصدقون ادعاءات الاحزاب المتطرفة مثل حزب "باراتيا جاناتا" ومن لف لفه. لكن المتطرفين استطاعوا استثارة العاطفة العمياء لدى بعض ابناء بلدهم، وساعدهم على ذلك الفقر والجهل المتفشي بين الناس". مساجد الهند في خطر أما بالنسبة الى ما حصل يوم هدم مسجد بابري فيوضح السيد الموسوي أن "الشرطة الهندية اطلقت النار على الذين احتجوا من المسلمين ولم توجه رصاصها الى الجناة، ولقد سألت ممثل رئيس الوزراء الهندي، وزير المواصلات، الذي اتصل بي هاتفياً بعد الحادث وقلت له: "أليس هناك اسلوب آخر لتفريق المتظاهرين المسلمين؟". ان المتطرفين الهندوس تجمعوا ذلك اليوم خلافاً لأوامر المحكمة العليا والحكومة الهندية وبرغم نداءات البرلمان الهندي، وخالفوا قرارات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في البلاد وداسوا القانون بأقدامهم. لكن الشرطة تقف دائماًَ الى جانب الهندوس. ان هدم مسجد بابري عمل انتقامي يهدف الى كسر شوكة المسلمين في الهند ويفتح الباب امام هدم مساجد اخرى هناك. وهناك قائمة بثلاثة آلاف مسجد تاريخي آخر يريد الهندوس المتطرفون هدمها لسحق الشخصية الاسلامية في الهند". ماذا عن الاسلام في الهند؟ وكيف يتعايش المسلمون مع غيرهم في ذلك المزيج الغريب المتنوع من الديانات واللهجات والاتنيات التي يتألف منها المجتمع الهندي؟ يقول الموسوي ان "الاسلام دخل الهند في العشرة الثانية من الهجرة اي منذ فجر التاريخ الاسلامي. وكان المسلمون هناك افراداً وجماعات آنذاك. لكن الوجود الظاهر للاسلام في الهند بدأ بعد الفتح الاسلامي، وكان لهجرة آل الرسول صلعم وسلالات السادة بني هاشم الى الهند والسند الدور الاهم في نشر الاسلام هناك. فلم ينتشر الاسلام في الهند بواسطة الحكومات المسلمة بل من خلال شخصيات اسلامية. وانتشرت هذه الشخصيات الاسلامية العربية في الهند ويصل عددها اليوم الى نحو عشرة ملايين شخص. ومن اشهر عائلاتها رضوي، وزيدي، ونقوي، وعابدي. وعلى سبيل المثال، بنى السادة النقويون مسجداً على الساحل في ولاية غجارات الهندية يعود تاريخه الى الف ومئة عام. وهو ما زال قائماً حتى اليوم ويشهد على الوجود التاريخي للاسلام في الهند". المسلمون مضطهدون وعن عدد المسلمين في الهند وانتشارهم الجغرافي في البلاد يؤكد السيد الموسوي ان "عددهم في الهند لا يقل عن 200 مليون نسمة، اي نحو ربع عدد السكان الاجمالي. وعلى رغم ان الحكومة الهندية تحاول اظهار عدد المسلمين بأنه اقل من ذلك بكثير، فان مصادر مطلعة في دائرة الاحصاء المركزي في العاصمة دلهي أكدت لنا قبل ثلاث سنوات ان هناك 220 مليون مسلم في الهند. والمسلمون منتشرون في جميع ولايات الهند، لكنهم متركزون في ولايات اوتار براديش، وبيهار، وراجستان، واندرا براديش، وماهرا جراترا، والبنغال الغربي، وغجارات، وكشمير، وتاميل نادو، اضافة الى كيرالا في جنوبالهند". اما بالنسبة الى وضع المسلمين السياسي والاقتصادي في الهند فيقول الموسوي "انهم يعيشون حال اضطهاد سياسي ولا يتمتعون بحقوقهم في الشكل المطلوب. ولا ينال المسلمون حقهم في الوظائف المهمة في الحكومة والجيش والشرطة على رغم ان من المفترض ان تكون حصة المسلمين فيها مساوية لنسبتهم في السكان. ولكن ما يحصلون عليه في الواقع هو أقل من عشر ما يستحقونه. ولعل عدم اتفاق القيادات الاسلامية في الهند على خط سياسي واحد، وضعف المستوى الثقافي بين المسلمين، والفقر المتفشي في صفوفهم وندرة القادة المخلصين والقادرين، هو ما يسبب تشرذم المسلمين هناك. اضافة الى ذلك فان عدم مبالاة الدول الاسلامية حيال مسلمي الهند سبب مهم من اسباب ضعفهم وتفرقهم. الى ذلك، يعاني المسلمون من حرب اقتصادية ضدهم لأن اعداءهم لا يريدون لهم التوصل الى مستوى اقتصادي فاعل". ويؤكد الموسوي ان المتطرفين الهندوس "يحاولون محاربة التجار المسلمين بكل الوسائل الممكنة خصوصاً بواسطة الدعوة الى اضرابات في مصانع المسلمين. وعند حصول أية اضطرابات تحرق متاجر المسلمين أولاً. كذلك لا يعطى المسلم الهندي القروض والتسهيلات في المصارف الهندية الرئيسية بالسهولة نفسها التي يحصل عليها غيره من الهندوس والسيخ". لكن كيف تكون التفرقة الطائفية في الهند اكبر بلد ديموقراطي في العالم والتي قامت على شعارات المهاتما غاندي الداعية الى المساواة بين الاديان؟ يقول السيد الموسوي انه "برغم ان الهند الحديثة قامت على اساس شعارات حرية الاديان وعدم التزام الدولة بدعم دين اكثر من سواه، لكن واقع الحال غير ذلك تماماً. وأكبر دليل على انحياز الحكومة الهندية الى جانب الهندوس ان 95 في المئة من القتلى الذين يسقطون في أية اضطرابات طائفية هم دائماً من المسلمين". العلاقة بين الهندوس والمسلمين لم تكن سيئة تاريخياً، وأثناء الفترات التي حكم فيها المسلمون الهند كانوا متسامحين وحاولوا اعطاء الهندوس حقهم. وغالباً ما كان السلطان أو الملك مسلماً ورئيس وزرائه هندوسياً في تلك الفترة. لكن الصراع الدموي بين المسلمين والهندوس نشأ بشكل بارز بعد الاحتلال الأوروبي للهند، وأذكى البريطانيون نار التفرقة بينهم لالهائهم عن محاربة المستعمر. وأثناء الانتفاضة الكبرى ضد الانكليز التي جرت عام 1857، وكان للمسلمين دور بارز فيها، عمد البريطانيون الى تبني خطط تهدف الى تغذية الصراع الطائفي في الهند وحركوا قضية مسجد بابري منذ تلك الفترة". الى ذلك يؤكد السيد الموسوي ان "العلاقة بين المسلمين وأكثرية الهندوس المعتدلين جيدة، وهي سيئة جداً فقط مع الهندوس المتطرفين. وبرغم ان السيخ كانوا تاريخياً السباقين في ارتكاب المجازر ضد المسلمين ولكنهم على علاقات جيدة معهم اليوم بسبب موقفهم السياسي المعارض للهندوس. ونحن ندعو الى الوئام الطائفي وأسسنا مجلساً للأديان اسمه مجلس التلاقي. وعملنا ضمن هذا المجلس الذي ما زلت رئيساً له حتى الآن على تهدئة الصراعات الطائفية، ولدينا برنامج لمحاربة التعصب الطائفي المتطرف". دور اسرائيل اما عن العلاقة بين دولتي الهند وباكستان وتأثيرها على اوضاع المسلمين الهنود فيقول الموسوي ان العلاقات بين الدولتين "سيئة ونحن نود ان تتحسن لمصلحة المسلمين في شبه القارة الهندية لأن أي توتر بينهما يدفع ثمنه المسلمون في الهند. ونحن نرى ان طرح قضية مسجد بابري من قبل الحكومة الباكستانية يؤثر عليها سلباً ولا ينفع المسلمين. وقد وجهنا نداءات الى المسلمين في الهند وباكستان وبنغلادش بعد هدم مسجد بابري وطلبنا منهم ضبط النفس وعدم الهجوم على المراكز الدينية الهندوسية لأن ذلك يضر بالهدف الاسلامي". وعن وضع المسلمين في إقليم كشمير اشار السيد الموسوي ان "مشكلة كشمير يستغلها الهندوس المتطرفون لضرب المسلمين في الداخل. وأدى هدم مسجد بابري الى زيادة الشعور بالغضب والسخط والظلم بين المسلمين في تلك المنطقة. ونحن كنا وما زلنا نطالب باعطاء اهالي كشمير حقوقهم الشرعية وإيقاف العنف هناك بكل الوسائل الممكنة. ونرجو ان تصل هذه المشكلة المعقدة الى حل في أقرب وقت ممكن لأن الابرياء وحدهم يدفعون الثمن هناك". ماذا عن مستقبل التعايش الديني في الهند؟ وكيف ستكون علاقة المسلمين هناك مع المتطرفين الهندوس خصوصاً في ظل الحديث عن دعم وتشجيع اسرائيل المستمر لهم؟ يقول الموسوي ان "الهند مقبلة على مرحلة من التطرف الشديد المدعوم من قبل اسرائيل. ان هدم مسجد البابري كان بايعاز وتشجيع من اسرائيل، خصوصاً ان منظمتي "بناة المعبد" و"الهيكل" الاسرائيليتين شجعتا العناصر الهندوسية المتطرفة على هدم مسجد بابري كي يكون ذلك مقدمة لهدم المسجد الاقصى. ويدرب الصهاينة مقاتلي الهندوس المتطرفين على حرب العصابات بشكل منظم وهم يحملون السلاح لقتل المسلمين. ان الاحزاب الهندوسية المتطرفة وعلى رأسها حزب "باراتيا جاناتا" تحاول تقسيم البلاد، وفي حال وصلت هذه الاحزاب الى السلطة فهذا يعني ايجاد اسرائيل كبيرة في شبه القارة الهندية تشكل كمّاشة ضخمة لخنق العالم العربي والاسلامي". نحن لا يخيفنا تطرف الهندوس هذا برغم اننا نخشى سفك الدم. الوجود الاسلامي في الهند قوي والعقيدة راسخة في قلوب الناس. لكن يجب على العالم الاسلامي اتخاذ اجراءات حازمة ضد التطرف الهندوسي، خصوصاً ان زعماء الهندوس المتطرفين يتفاخرون علينا بعلاقاتهم مع اسرائيل ويزورونها باستمرار. ونأمل ان تضغط الدول العربية والاسلامية على الحكومة الهندية لحماية المسلمين ومساجدهم ومنشآتهم الدينية".