التعاون الهندي الاسرائيلي ليس جديداً وان اتسم الآن بالعلنية، فهو قديم وبعضه ظل محاطاً بالسرية حتى انشاء العلاقات الديبلوماسية الكاملة بين نيودلهي وتل ابيب في عام 1992. وقد اعتاد الديبلوماسيون الهنود ان ينفوا ان هذا التعاون يشمل المجال الامني او المجال العسكري، وحدث ان الهند اعتذرت عن عدم قبول عروض اسرائيلية لمساعدتها في مواجهة المقاومة الكشميرية التي تريد فصل اقليم كشمير عن الهند. ولكن ليست هذه هي كل الحقيقة لان التعاون الخفي، وان كان محدوداً، كان قائماً. وكان هناك دوماً من ينادي بتعاون وثيق بين الهند واسرائيل بغض النظر عن المصالح الهندية العريضة في العالم العربي وسياسة عدم الانحياز التي كانت ركناً اساسياً في سياسة الهند الخارجية والموقف الهندي الواضح في تأييد حقوق الشعب الفلسطيني وحق الدول العربية التي احتلت اراضيها في عدوان عام 1967 في استعادة هذه الاراضي كاملة. كان هاجس فقدان اقليم كشمير ولا يزال يسيطر على سياسيي الهند من مختلف الوان الطيف السياسي، وفي عهد اليمين الهندي الحاكم لم تعد توجد عوائق سياسية او اخلاقية تحول دون التعاون مع اسرائيل حتى في المجال النووي لان البلدين وفقا لايديولوجية هذا الحزب يقفان في خندق واحد ضد "الإرهاب الإسلامي". كانت انديرا غاندي قلقة من الثورة الايرانية وازداد قلقها عندما بدأ المقاتلون الافغان يحرزون نجاحات ضد السوفيات في افغانستان، وقد دفعها ذلك الى الاقتراب اكثر من السوفيات والاعتراض بشكل اقوى على الوجود العسكري الاميركي في قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، ولكن انديرا غاندي لم تسمح لهذين الحدثين ان يؤثرا على علاقات الهند بايران او بالدول العربية التي كانت تؤيد المقاتلين الافغان، لانها كانت تعي ان لكل طرف مصالحه المشروعة التي تحتم عليه اتباع سياسة خارجية معينة قد لا تعجب اطرافاً اخرى، ولذلك لم يتأثر التعاون الهندي - العربي وظلت الهند على تأييدها للعرب، وقد بلغ الامر بالسيد راجيف غاندي ان يعلن وهو في زيارة لدمشق ان حرية الشعوب تظل ناقصة اذا لم يحقق الشعب الفلسطيني طموحاته وتستعيد الشعوب العربية اراضيها المحتلة. اما في عهد حزب الشعب الهندي بي جي بي فعلى رغم استفادة هذا الحزب الكبيرة حتى قبل وصوله الى الحكم من اموال بعض افراد الجالية الهندية في الخليج التي ساعدته على نشاطاته السياسية وغير السياسية، كهدم مسجد بابري في 6/12/1992، فانه يبدو انه لم يعد يأبه كثيراً بمصالح الهند مع العرب. ان المصلحة الهندية هي في قيام علاقات خالية من الشوائب والمشكلات مع المنطقة العربية وبالذات منطقة الخليج العربي التي يعمل فيها اكثر من مليوني هندي في مختلف المجالات. وكثيراً ما عبر العرب عن سرورهم لرفض الهند عروضاً اسرائيلية لصيانة وتطوير الطائرات الحربية الهندية السوفياتية الصنع او لرفض الهند عرضاً اسرائيلياً ببيع الهند طائرة تطير من دون طيار او انشاء سور مراقبة الكتروني لمنع تسلل المقاتلين الكشميريين الى داخل كشمير. ولكن، يبدو ان الجدار الذي كان يحول دون هذا التعاون بدأ يتفتت، وان تحولاً خطيراً تشهده العلاقات العربية - الهندية، وقد ساعد على هذا التحول في سياسة الهند الخارجية عهد حكومة اليمين المتشدد الحالية التي تندفع نحو مزيد من التعاون مع اسرائيل تحقيقاً لعلاقة حب قديمة نمت سراً وعلناً بين الحركة الصهيونية واسرائيل واليمين الهندي بشقيه، حزب الشعب الهندي بي جي بي ومنظمة في اتش بي VHB وحققت نقاط التقاء بين الطرفين. اسرائيل ترى في العرب العدو الاساسي، وهذان التنظيمان يريان ان مسلمي الهند يحبون باكستان اكثر من وطنهم الهند وان ولاءهم لباكستان اكثر من ولائهم للهند، وان باكستان مولود غير شرعي تم بمؤامرة بريطانية قبل حزب المؤتمر والمهاتما غاندي الذي اغتيل في كانون الثاني يناير 1948 على يد متطرف من اعضاء التنظيم المتطرف الثالث المسمى اختصاراً: آر اس اس RSS. وهذه التنظيمات الثلاثة تجمعها، وان بصورة متفاوتة، كراهية لكل ما يمت للاسلام بصلة في الهند، بمعنى انها تريد تاريخاً وحضارة هندوسية خالصة خالية من وجود حضاري اسلامي لا يزال بارزاً للعيان حتى الآن في معظم انحاء الهند يعبر عن عظمة الدولة المغولية التي حكمت الهند اربعة قرون. هذه الحضارة يريد اليمين الهندي ازالتها من الواقع ومن كتب التاريخ اذا امكن وكتابة تاريخ هندي جديد، يركز فقط على ما يراه سلبياً وقبيحاً طوال فترة حكم المغول، والاكثر من ذلك ان هذه القوى تتمنى ان تشرق الشمس ذات يوم وقد خلت من ابناء الهند المسلمين وان تعود شبه القارة الهندية موحدة كما كانت حتى عام 1947، إضافة الى ان تكون النيبال وميناهار بورما سابقاً جزءاً من هذا الكيان، ولا مانع من ان تنضم اندونيسيا اليه اذا ارادت. لان الحضارة الهندوسية فيها لا تزال قائمة، والاسلام في نظرها طارئ ينبغي ان يتوارى. وليست حملة هذه القوى على مسجد البابري خافية اذ شاركت في الاعداد والتنفيذ في هدمه، واستمرت حملتها على مساجد تاريخية اخرى تعد على اصابع اليد تزعم انها بنيت على انقاض معابد هندوسية كما حال مسجد البابري. اليمين رؤوف بالمعابد الهندوسية فعندما بدأ التفكير ببناء مترو تحت الارض في نيودلهي نادى بألا يهدم معبد هندوسي بسبب هذا العمل. واذا اسرائيل تقف ضد العرب والكثيرون في الهند ومنهم بعض النخبة لا يفرقون بين العرب والاتراك والايرانيين فان استهداف العرب بالضرر هدف سهل، فبعض اقطاب هذه القوى اليمنية يتباهى بقدرة اسرائيل على الانتصار وحدها ضد كل اعدائها، والعرب كما يقول البعض منهم، يعتبرون باكستان شقيقة والهند صديقة فقط، وحتى هذه الصداقة مشكوك فيها من وجهة نظرهم وهم في الواقع غير حريصين عليها. النظام الهندي الحالي الذي اعلن وزير داخليته عن ترحيب بلاده بالتعاون النووي مع اسرائيل سار بعيداً في هذا الطريق، الذي سيضر بعلاقات الهند قطعاً مع الدول العربية. وليتذكر السيد إل كي ادفاني بأن من تعاون مع اسرائيل في الماضي في تطوير قدراتها النووية كان يستحي ويخشى ان يعلن عن ذلك، اما ان يعلن وزير داخلية دولة صديقة لها مصالح عريضة في الوطن العربي عن ذلك، وهو يعلم ان في ذلك اضعافاً للامن القومي العربي، وان اسرائيل لا تزال تحتل اراضي عربية ويطلب منها المجتمع الدولي التوقيع على اتفاقية الحظر الشامل للانتشار النووي والسماح لمنظمة الطاقة النووية بالتفتيش على منشأتها النووية، ...فذلك يعني ان الهند لا تريد ان تكون منطقة الشرق الاوسط خالية من الاسلحة النووية وانها تؤيد ان تنفرد اسرائيل بامتلاك هذا السلاح، بكل ما يعنيه ذلك من اضرار وتهديد للامن العربي. وهذا قد يكون اول تعارض جوهري واختلاف في السياسات الخارجية والمصالح لكل من الهند والدول العربية، وهو تعارض واختلاف قد يتسع مستقبلاً ليضم مجالات ومناطق عدة. وفي هذا الصدد على الهند ان تتذكر انها مع مصر عضوان في مجموعة الخمس عشرة وان مصر ترى انها المعنية بالدرجة الاولى بالتهديد النووي الاسرائيلي وان تعاوناً نووياً اسرائيلياً هندياً سيقابل بالاعتراض من مصر ومعها كل الدول العربية. والسيد ادفاني يتذكر ايضاً كم اثارت بعض الاصوات في حزبه قبل ان يصل الى الحكم المخاوف عن مخاطر امتلاك المملكة العربية السعودية لصواريخ سيلك وورم الصينية التي زعم ان مداها البالغ الفي كلم يهدد مدينة بومباي. ليس هناك من حجة مقنعة تبرر هذا التحالف الهندي - الاسرائيلي، وبالقطع فان غالبية الشعب الهندي لا تؤيد سياسة حزب البي جي بي المعادية للعرب ولأمنهم، كما ان الربط بين "الارهاب الاسلامي" الذي يهدد كلاً من الهند واسرائيل لا ساس له من الصحة، الا اذ اعتبرت الهند الرسمية ان 200 مليون مسلم ضمن قوى الارهاب هذه. ان في تصريح وزير الداخلية الهندي قفزة على الجغرافيا وتجاهلاً للمصالح الهندية، لكن تصريح السيد ادفاني ليس شاذاً اذا ما تذكرنا ان السيد شمعون بيريز اهداه نصيحة ثمينة اثناء زيارته لنيودلهي في ايار مايو 1992 لم يجد احداً غيره يهديها له، هذه النصيحة هي ان تحذو الهند حذو اسرائيل في اتباع سياسة التغيير الديموغرافي والتطهير العرقي في كشمير كما فعلت اسرائيل في فلسطين، وبذلك تتحول الغالبية المسلمة هناك الى اقلية. وبعد زيارة ادفاني لاسرائيل لا شك انه سيتعلم الكثير، ولكن ليس كل ما يتعلمه مفيداً للهند في علاقاتها مع العرب. * كاتب وديبلوماسي يمني، رئيس بعثة جامعة الدول العربية في لندن.