سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أكاديمي وباحث إسلامي يؤكد أن"مسلسل عمر"خرج من دون أخطاء ... وينقض الفكر الليبرالي من جذوره . سعد بن مطر : نتائج التحولات العربية برهنت على قوة "إسلاميي السعودية" !
{ أكد أستاذ السياسة الشرعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور سعد بن مطر العتيبي، أن التحولات التي حدثت في المنطقة العربية مثّلت أشبه ما يكون بنتائج المباراة بين الإسلاميين والليبراليين في السعودية منذ عهد الصحوة الإسلامية حتى ما أعقب أحداث 11 أيلول سبتمبر من سجال ساخن كان العتيبي بين صقوره. وكان من اللافت في حواره مع"الحياة"، اعتباره مسلسل"عمر"مشروعاً مناقضاً من كل جذوره للفكر الليبرالي، الذي قيل إنه أنتجه وجيّره لمصلحته، وهو بذلك يقدم شهادة تزكية ثمينة للمجموعة التي أنتجت العمل التاريخي الضخم، مؤكداً أن العمل خرج من دون أخطاء أو أخطاء قليلة في أسوأ الأحوال، بفضل مشاركة اللجنة الشرعية التي كان أحد أعضائها. وفي اتجاه آخر، يشير العتيبي وهو الاختصاصي في السياسة الشرعية إلى أن نظام"الحسبة"في السعودية لا يمنع من إنكار المنكر من جانب أشخاص غير منتسبين إلى الجهاز الرسمي! وبدلاً من اعتبار ذلك ثغرة سلبية، رأى أن الخلل في وجهة أخرى هو قلة فقه بعض المحتسبين المتطوعين، لكنه عاد وأكد أن أولئك قلة! ولدى سؤاله عما إذا كان وهو القبلي مع"كفاءة النسب"، نفى ذلك، وبرر دفاعه عن هذا الإجراء في المحاكم السعودية بأنه من باب درء المفاسد، التي يتوقع حدوثها عند تجاهل واقع كهذا، ولا يعني ذلك أن المبدأ نفسه شرعي... وفي ما يأتي نص الحوار. سنبدأ من آخر المواضيع التي أثارت علاقتك بها جدلاً، وهو مسلسل"عمر"، لماذا كنت شريكاً فيه وأنت تعتبره في الوقت نفسه عملاً غير مشروع؟ - أولاً: الواقع أنني لم أكن شريكاً في المسلسل، والذي شاركت فيه هو مراجعة النصّ التاريخي قبل عامين، فالذي عُرض على اللجنة هو النصّ التاريخي، وليس المسلسل، وبينهما فروق فقهية وفنية يعرفها المختصّون. ثانياً: لم يصدر مني - شخصياً - أية فتوى تجيز تجسيد الصحابة، رضوان الله، عليهم كما زعم بعض النّاس ممن لا يتثبّتون أو ممن يفترون،، بل لم أكن أرى ذلك لأسباب عدة. ثالثاً: سبق أن بيّنت بتفصيلٍ سبب مشاركتي في لجنة المراجعة، في توضيح بعنوان"توضيح بشأن العضوية في لجنة مراجعة النص التاريخي لمسلسل الفاروق عمر رضي الله عنه"، ونشر قبل شهر رمضان 1433ه في عدد من وسائل الإعلام المتنوعة، كبعض الصحف والمواقع والرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي. ويمكن مراجعتها في موقعي الشخصي أيضاً لمن شاء، وقرأه عدد من مشايخي وزملائي وعدد من المتخصصين، ومنهم من أبدى تأييده التام لما جاء في التوضيح من تأصيل وتطبيق، وهم الأكثر بحمد الله، ومنهم من أبدى تفهمه للتأصيل الشرعي، وإن كان لديه تحفظ على التطبيق، وأحترمهم وأقدّر وجهة نظرهم، فالمسألة محلّ اجتهاد. والذي بنيت عليه القرار أن المشاركة في مراجعة هذا النصّ التاريخي هي من مسائل السياسة الشرعية، التي تتطلّب الموازنة الشرعية وفق قواعد المصالح والمفاسد، ويمكن تقريب ذلك لغير المختصين من خلال النقاط الآتية: لو كان تنفيذ المسلسل محلّ ظنّ أو مجرد احتمال، أو كان العدد المتوقع لمشاهديه قليلاً، لما شاركت في مراجعة النصّ، ولكنني كنت على علمٍ بأنَّ المسلسل كان في طريقه للتنفيذ حقيقة لا احتمالاً، وهذا ما أثبته الواقع. وأنَّ العدد المتوقع لمشاهديه في الجملة يقُدّر بمئات الملايين ما بين مسلم وكافر، وهذا يتطلب الإسهام في تصحيح النصّ وتخليصه مما قد يتضمنه من تشويه للحقائق أو إدخال للدسائس التي تتضمنها بعض الكتب التاريخية. ويظهر أثر ذلك إذا تصوّرنا ما لو أنَّ النص التاريخي لم يراجع من اللجنة، إذ تم التحفّظ من كلٍّ من أعضاء اللجنة على ما لا يرى مشروعيته، وإن لم يكن من عمل اللجنة، وبيّن ذلك في حينه، في جوّ علمي دعوي احتسابي أخوي، من دون مجاملة لأحدٍ، سعياً لتقليل المفاسد ما أمكن، وقد استُبعدت بحمد الله أجزاء عدة من النصّ التاريخي، لاسيما تلك التي اتفقت اللجنة على استبعادها. إنَّ المشاركة في تصحيح النصّ التاريخي تأكّدت بالنسبة لي بسبب اختياري فيه، واتخذت قرار المشاركة في مراجعة النصّ بعد استخارة واستشارة لعدد من المشايخ الفضلاء، وبعضهم أعضاء في المجمع الفقهي، لاسيما أنَّها فرصة أتيحت للجنة المراجعة، للتقويم والإصلاح وتخفيف المفاسد ما أمكن. خصوصاً أنَّ العمل يحمل بطبيعته رسالة إسلامية دعوية شاملة لعدد من مناحي الحياة، في ظلّ الاغترار بالمبادئ المنحرفة من شرائح عدة في مجتمعاتنا الإسلامية، وتشويه لمبادئنا في المجتمعات الأخرى. والخلاصة أنَّ المشاركة في اللجنة مبنيّة على قاعدة من قواعد السياسة الشرعية، وهي قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، وبين المفاسد ذاتها، إذْ كانت الغاية أن يخرج العمل - إذا خرج كما كان متوقعاً ? من دون أو بأقلّ أخطاء تاريخية، تشوّه سيرة الفاروق والصحابة الكرام، رضوان الله عليهم، أو تنتقص منه بوجه خاصّ، وبقية الصحابة عموماً، ما أمكن ذلك. ويبقى التقصير في ذلك في المسلسل مسؤولية من يقع منه التقصير، من دون من اجتهد في تلافيه. المسلسل يناقض الليبرالية! بما أنك أحد الذين وقفوا على كواليس فكرة المسلسل وميلاده الأول، فهل كان دقيقاً ما قيل عن أنه تم تجييره للفكر الليبرالي، عبر انتقائه لمواقف تسير في الفلك نفسه، مثل دور المرأة في ذلك العصر؟ - أثر المرأة ليس غريباً في الحياة الإسلامية في عصر النبوة وعصر الخلافة الراشدة، لكن الضجيج الليبرالي العربي في شأن المرأة يكاد ينحصر في مظاهر الفساد وما يوصل إليه، واهتمام المترفين بعيداً عن المتطلبات الحقيقية للمرأة من حقوق مشروعة وواجبات شرعية. وربما كان الحامل على ما قيل في السؤال هو إخراج المرأة في مشاهد من المسلسلv ذاته، بشكل لا يُجسّد بل ولا يَحكي واقعها الإسلامي الثابت حديثياً وتاريخياً في ذلك العصر النموذجي في قيمه ورشده. وعلى كلٍ فما قيل من تجيير المسلسل للفكر الليبرالي ليس صحيحاً، لأنه في فكرته وواقعه يناقض الفكر الليبرالي من جذوره، وكذلك ما قيل من تجييره في موضوع المرأة ليس دقيقاً من وجهة نظري على الأقلّ، لأسباب عدة ذكرتها، لبعض الشرعيين الفضلاء. عندما تكون هناك مخالفة ما، يتحدث بعض الصالحين عن فكرتي الاحتساب والمقاطعة، ولكن لك في بعض الآراء قولاً ترى فيه أن سلاح المقاطعة الذي يلوح به المتدينون"لا يفيد"، فهل أنت بذلك تهون من تأثيره، أم لا ترى مشروعية الاجتهادات الفردية في هذا السياق بشكل عام؟ - أولاً: أتحفظ على وصف"المتدينين"، فمجتمعاتنا متدينة بطبيعتها في مجموعها، وإن اختلفت درجات المحافظة فيها، ولذلك يشارك في المقاطعة ويدعو إليها عموم النّاس، ولو لم يبد عليهم شيء من مظاهرهم التدين المشهورة. ثانياً: ليس الأمر كذلك، فما أعنيه أنَّ المقاطعة لا تكون في كلّ شيء، لأنها تتحول أحياناً إلى وسيلة هروب، وإخلاء المجال للعابثين، أو حرمان الجادين من المنافع التي قد تفوت بالمقاطعة. ولذلك ينبغي ألا تصدر فتوى أو توجيه بالمقاطعة من أهل العلم إلا بعد درس كاف للمصالح والمفاسد، لأنَّ الفتوى تحمل معنى الإلزام الشرعي، وهذا له آثاره شرعاً. أمّا المقاطعة الشعبية التي تنطلق من الجماهير لا من العلماء، ولا يترتب عليها إضرار بالمصلحة العامة، فهذا تعبير شعبي قد يؤثّر في موضوعه إيجابياً، ولا يتحمّل العلماء وطلبة العلم أية مسؤولية في حال فشله، ومن ثمّ يُترك للشعوب لتعبّر من خلاله. اتهمت في أحد بياناتك بعض الشرعيين بأنهم يقعون في إشكالات تعوق الفهم، عندما يتحدثون عن أشياء لا يفقهونها، الجديد في الأمر أن هذه تهمة كانت خاصة بمن يسمون الليبراليين، فهل أصابوا طلبة العلم بالعدوى، أم أن الجميع ينطلق من ثقافة اجتماعية سمتها الحديث في ما لا تفقه؟ - كلا، لم أتهم بعض الشرعيين الذين يراد بهم عادة طلبة العلم. وإنَّما جاء ذكر هذه الإشكالية في سياق الحديث عن بعض المندفعين في الاحتساب من دون علم أو رجوعٍ لأهل العلم، أو بعض من يقلّدون غيرَهم من دون دقة فهم، وإن كانت هذه الفئة قلّة بين المحتسبين بحمد الله. النظام لا يمنح احتساب الأفراد! في جانب الاحتساب، إضافة إلى جهاز"الهيئة"المعتمد من الدولة، هنالك شريحة من الشبان المتحمسين، أخذت على عهدها الاحتساب بصورة يراها البعض غير قانونية، فهل ترى أن نظام الاحتساب يحتاج إلى تطوير ومراجعة ليستوعب الجميع، أم أن الذي يجري الآن هو الطبيعي؟ - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شريعة وشعيرة ربانيّة، بل هي من أهم وظائف الدولة الإسلامية، ولذلك نصَّ عليها النظام الأساسي للحكم في المملكة، وهذه الشعيرة أوسع من جهاز متخصص في بعض المجالات، وهذا صريح في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه...". ولهذا كان الاحتساب من واجبات المجتمع المسلم كلّه بمؤسساته وأفراده، رعاة ورعيّة، كلّ بحسبه. ونظام الاحتساب لا يمنع قيام الآخرين من غير منسوبيه بالاحتساب في حدود المشروع. والمشكلة في ما أراه تظهر في ضعف فقه الاحتساب عند بعض من يقومون ببعض الأعمال الاحتسابية، وتقليص أو تخلي جهاز الحسبة عن بعض وظائفه النظامية، مع تجاوز الجهات المنظّمة لبعض المناشط والفعاليات للأنظمة المرعية. وعلى كلٍّ فمن يحكم بصحة الأعمال الاحتسابية من عدمها هم علماء الشريعة، وعلى رأسهم المشايخ الفضلاء في هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء. هناك من يراهن على أن"الهيئة"في تجربتها السعودية مؤثرة في حماية المجتمع من فساد كبير، إلا أن هناك من يعتبرها غير قابلة للبقاء في صورتها الحالية، ولا بد كي تواكب العصر أن تتحول إلى"شرطة آداب"لا تختلف عن بقية أجهزة الدولة الأمنية، فكلها تتكئ إلى مرجعية شرعية؟ - أمَّا تأثيرها الإيجابي فيثبته الواقع وتصريحات كبار المسؤولين ولغة الأرقام وجماهير النّاس. والحسبة جهاز اختصّ به النظام الإسلامي على مرّ التاريخ قبل ظهور ما يعرف بشرطة الآداب بقرون، وكانت وظائفه واختصاصاته أوسع بكثير من وظائف واختصاصات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أنظمتنا اليوم، فكان عمله يشمل أموراً عدة، منها على سبيل المثال التحقيق والادعاء، والرقابة البلدية، ومراقبة المواصفات والمقاييس، ومكافحة الغش التجاري. والملاحظ أنّ جهاز الحسبة لدينا في المملكة اليوم يختصّ بأمور أوسع من مهام شرطة الآداب الموجودة في دول أخرى، فهو يغطي قضايا تتعلق بالعقيدة كالسحر والشعوذة وكذلك محاربة الأفكار المنحرفة، كما يغطي القضايا الأخلاقية في صور متعددة، ولذلك فرسالته تتطلب شروطاً وتأهيلاً شرعياً لا يوجد في عموم رجال الشرطة بالضرورة. لهذا يخشون من التجربة السعودية بعد الربيع العربي ووصول التيارات الإسلامية إلى الحكم، لا نراهم يستلهمون شيئاً من التجربة السعودية في الحكم بالشريعة، وهي الوحيدة في ما مضى، لماذا برأيك؟ هل الإشكال في التجربة نفسها، أم أن التيارات الإسلامية تسمي العلمانية بغير اسمها كما تتهم من البعض؟ - الذي وصل للحكم في بلاد الثورات ليس مجرد تيارات، وإنما تنظيمات سياسية ذات قواعد عريضة، فهي منتخبة شعبياً، والواقع أنَّها تتبنى المشروع الإسلامي بشكل عام، والتجربة في المشروع الإسلامي تتجلى في الآليات والأدوات أكثر، والأدوات والآليات تختلف من بلد إلى آخر، لاسيما حين يكون الفاصل الزمني في تلك البلدان يتطلب تدرجاً تجاوزته التجربة السعودية منذ عقود أو لم تكن بحاجة إلى التدرج فيه لتزامنه مع النشأة. ومع ذلك فلا أشك في أن التجربة في المملكة حاضرة بشكل أو آخر، ويظهر ذلك على نحو معلن أحياناً في برامج ومشاريع ما يعرف بالأحزاب السلفية المعتدلة التي تستنير بآراء علمائها في بلدانها وتفيد بشكل وآخر من العلماء في المملكة. وهنا ينبغي ألا ننسى ما تتعرّض له التجربة السعودية من تشويه متنوّع، وربط لها بمصطلح الوهابية الذي له دلالاته المحرّفة من أيام المستعمر الإنكليزي في الهند، ما يجعل التصريح بها إعلامياً محلّ إثارة لحملات إعلامية من خصومها في بلاد الثورات العربية. وفي ظني أنَّ الإفادة من إيجابيات التجربة السعودية ستظهر أكثر في المستقبل، من خلال التواصل والتعاون الرسمي بين المؤسسات الرسمية المختصة في تلك البلدان مع نظيرتها في المملكة. في مقالة لك حاولت أن تثبت أن فكرة فصل الدين عن السياسة غير ممكنة حتى عملياً في البلدان الإسلامية، وأن للإسلام نظاماً شاملاً للحكم، يهيمن على السياسي وكذلك الديني، إذا كان الأمر كذلك، فلماذا الخوف من النظام الإسلامي؟ - ولذلك فلا تفريق في السياسة الشرعية بين ديني وسياسي، فالسياسة الشرعية من الدين، ولذلك وصفت بالشرعية، أمَّا سبب الخوف فهو نتيجة مخلفات الاحتلال الأجنبي في العالم الإسلامي والعربي وما صاحبه أو تبعه من استلاب فكري، سواء كان ممثلاً في أشخاص ورموز فكرية، أو مؤسسات رسمية علمانية، أو شبه رسمية، أو غير رسمية ممولة أجنبياً، أو مستقلة أحياناً. هناك من يرى أن أكثر من خوف الناس من الحكم الإسلامي هم المنتسبون للتيار الإسلامي نفسه، بسبب أفكارهم التي توصف بالمتحجرة أحياناً، فهل تسويق التجربة الإسلامية في الحكم والاقتصاد والاجتماع كان بليداً وغير متناسب مع حجم التجربة، أم أين الخلل؟ - أتحفّظ على عبارة"خوف النّاس"، ولو قُلتَ"تخويف النّاس"لكان ذلك أدق، فكم وُظّفت الأخطاء والتجاوزات في التخويف من غير موضوعية، فهناك فرق بين الحكم الإسلامي والتطبيقات الخاطئة من بعض النّاس. ولذلك لا يصح أن تُتخذ قرارات عامة ومواقف تعميمية، بسبب دخلاء واختراق أجنبي أو بسبب قلّة هنا أو هناك أخطأت الطريق أو أخطأت التطبيق. لاسيما حين يكون تصرفهم ردّ فعلٍ لتصرف متشددين مناهضين لكلّ ما هو إسلامي. تركيا نموذج في التدرج لا العلمانية في وقت أبدى الكثيرون حتى من العلماء وطلبة العلم إعجابهم بنموذج الحكم في تركيا على أيدي الإسلاميين، هل يعني ذلك أن العلمانية ليست نقيضة الشريعة كما قال أردوغان، وأن العبرة في تطبيق المبادئ الكلية، بغض النظر عن الشعار المنهجي، أم ماذا؟ - الإعجاب كان بآلية الإصلاح التي سلكها إسلاميو تركيا في الأسلمة عبر مؤسسات المجتمع المدني وتميزها وفق استراتيجية سلمية تدرجية، لا إعجاباً بنظام الحكم العلماني الذي يسعى الإسلاميون إلى تقليصه شيئاً فشيئاً بحسب الإمكان. فالمؤسف أن بعض محاولات الأسلمة لأنظمة الحكم في عالمنا الإسلامي اتخذت من الأعمال القتالية"لا جهاد المحتل"أو العنف وسيلة للتغيير، بينما كانت الطرق السلمية المتاحة هي السبيل الصحيح الذي تقتضيه السياسة الشرعية في تلك الأحوال. أكثر ما ترتكز عليه كتاباتك هو"السياسة الشرعية"، ماذا يضيف الاعتناء بهذه المفردة، حتى تقول إنه مجال يعاني من"مكر الأعداء وعجز العلماء وجهل الأبناء"؟ - نعم، أهتمّ كثيراً بإبراز هذا العلم قدر استطاعتي، وأُقدّم فيه دورات تطوعية داخل العالم الإسلامي وخارجه متى أُتيحت لي الفرصة، لأنَّه يقدم الحلول الشرعية، بالوسائل المشروعة، سواء كانت وسائل أصلية أو استثنائية. فهو يوفّر الجهود ويحفظ النفوس والأموال والأعراض، ويكشف خصائص النظم الإسلامية لعموم الأمة بل وللعالم، ويقطع الطريق على حمَلة الخرقة الحمراء أو ومن يقتاتون من"إسلام فوبيا"، ويحفظ الهوية وييسر التعايش السلمي الصحيح بين المسلمين وغيرهم في بلاد الأقليات. إذا كان العلماء أنفسهم عاجزين عن فهم السياسة الشرعية، كيف يمكنهم حمل الناس على مفاهيمها المشوشة حتى في أذهانهم؟ - وُجد من علماء العصر من كانت لديهم قدرة ولهم عناية بالسياسة الشرعية ولا يزالون، لكن تم التخلص من كثير منهم، وإقصاء آخرين بوسائل متنوعة، ومن ثمّ ظهر العجز الذي نتج منه ضعف العناية بهذا العلم، فالعجز ليس لعدم قدرة العلماء على الإبداع فيه، لكنَّ كثيرين لم يولوه عناية مقاربة لعنايتهم ببعض القضايا التي دونه في الأهمية وعموم النفع. طابور خامس يفسد بين العلماء والحكام! الوعي بفقه السياسة الشرعية، هل يمكن أن يحل بعض الإشكالات المتأصلة بين الفقهاء والسياسيين، إذ يتردد أن العلاقة بين الفريقين قليلاً ما تستقيم إلا على حساب أحد الطرفين، أم أنه فقه وجد أصلاً ليسحب به الفقيه البساط من تحت السياسي؟ - من المقرّر في علم السياسة الشرعية أنَّ السياسي يجب أن يكون فقيهاً أو أن يستعين بالفقيه لكي تكون سياسته سياسة شرعية فلا يخالف الشرع، ولا يجوز له الانعزال عن الفقه الشرعي، إذا أراد تطبيق نظام إسلامي حقاً. ولذلك كان المعنى الصحيح عند المحققين من علماء الأمة أن"أولي الأمر"هم العلماء المبينِّون والأمراءُ المدبّرون المنفّذون، ولو سلم الطرفان من طرف ثالث وطابور خامس يفسد بينهم لكانت اللحمة هي السائدة، ولكانت الأمة أقوى منعة، والشعوب أكثر أماناً وأرقى تنمية. يقول العلماء إن"السلفية منهج"وليست تياراً، ولكن الذي يجري أن السلفيين أصبحوا أحزاباً ظاهرة في بلدان شتى، وهمساً في السعودية، حتى تساءل أحد المحسوبين على الإسلاميين،"هل هذا وقت السلفية"؟ ما ذا ترى أنت؟ - لا شك في أن السلفية منهج وليست حزباً أو جماعة أو مجموعة، فضلاً عن أن تُحصر في أفراد هنا أو هناك، فمن اتبع منهج السلف فهو متبع للسلف، الذين هم الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضوان الله عليهم. وكذا من تبعهم بإحسان كالأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، ومن خالفه فهو مخالف لمنهجهم بقدر مخالفته. وكتبت عن هذا الموضوع من قبل لمن شاء الرجوع إليه. الاحتجاج ب"الخلاف"منكر! الاحتجاج بالخلاف ديانة، هذا كان عنواناً لأحد آرائك، ولكن عدداً من طلبة العلم اعتادوا على الانتصار وأحياناً تفسيق المخالف، لآراء تخالف الراجح عند علمائهم، مثل تغطية الوجه وتقصير اللحى في وقت مضى، والآن قيادة المرأة السيارة، والدراما ونحوها، فهل هذا مناقض للديانة؟ - أظن الجملة غير تامّة، فلم أقل الاحتجاج بالخلاف ديانة، بل أنكرت ذلك وبيّنت إنكار العلماء له وتشديدهم فيه، وكتبت مقالة مستقلة في بيان أنَّ الخلاف بذاته ليست حجّة باتفاق العلماء، وإنَّما الحجّة في الدليل الشرعي. وعلى كلٍّ، فهناك فرق بين عدم جواز الاحتجاج بالخلاف، وقاعدة لا إنكار في مسائل الخلاف، فالاحتجاج بالخلاف منكر، بمعنى أنه لا يجوز الاستناد إلى الخلاف في التخفف من الأحكام أو التشديد فيها من غير حجّة شرعية. أمَّا عدم الإنكار في مسائل الخلاف، فيعنون به أنَّه لا تجريم للعلماء في مسائل الخلاف التي يقع الخلاف فيها بينهم بناء على نظرهم في الأدلة، وكذا لا تجريم لمن قلّدهم من دون اتباعٍ للهوى، فإذا رأى العالم رأياً بناء على اجتهاد ونظر شرعي، فليس لعالم آخر فضلاً عن غيره أن يجرّمه بسبب رأيه الذي اجتهد فيه، وإن كان له أن يناقشه ويبين له ما يراه من دون تجريم. التحولات العربية"النتيجة"! كنت واحداً من صقور المعركة الشهيرة بين الليبراليين والإسلاميين في السعودية، حتى كتبت ذات مرة"الليبراليون وتحطيم الرموز العلمية"، ومنذ وقت بعيد بدأت هذه المبارزات ومعظم المجتمع يتفرج عليها، متى تحسم؟ وكم النتيجة في نظرك بين الفريقين حتى الآن؟ - لا أتذكر هذه العبارة ولا مناسبتها الآن، ولم أدخل في معركة بين ليبراليين وإسلاميين، فضلاً عن صقور وحمائم، وغاية ما هناك أن لي مشاركات إعلامية متنوعة، أنقد فيها الأفكار البائسة الدخيلة والتجاوزات الصريحة للأحكام الشرعية والأنظمة المرعية، في إطار الحراك الإعلامي الموجود بغض النظر عن الأوصاف، وقلت غير مرّة إنني ممن يعتقدون - وهم كثر - أنه لا يوجد لدينا في المملكة من يمكن أن يَصدُق عليهم وصف الليبراليين حقا، حتى وإن ادّعى بعضهم ذلك، لأسباب تتعلق بالبحث عن هوية خاصّة أو البحث عن رعاة أحياناً! وإن وُجد وصفهم من خصومهم بالليبراليين تجوّزا أحياناً، وعلى كلٍّ فجملة الحراك في هذا كانت فرصة للمثقفين الوطنيين من الإسلاميين وغيرهم، لكشف مآخذ الفكر الليبرالي ومناقضاته للإسلام على مستوى عالمنا العربي بل والإسلامي، كنوع من الوقاية والتوعية المجتمعية، وهو ما ظهرت بعض آثاره في نتائج التحولات في بلاد الثورات العربية. زكيت يوماً ما كتيباً حول"التفلت من ظاهرة الالتزام"، وهي حال تشهدها السعودية منذ ركود ما سمي بالصحوة الإسلامية قبل نهاية الألفية الميلادية الماضية، هل هي أيضاً من صنع الليبراليين، أم من أخطاء التيار الديني المسكوت عنها؟ - لا أرى أنَّ الصحوة ركدت، وإنَّما تطورت بتنوع نشاطاتها وتعدد مجالاتها، وما يصفه بعض النّاس بالركود ربما كان بالنسبة لتوصيفات محليّة معينة، وفي حقبة زمنية ركّزت على جوانب محدّدة، وكان التميز الشكلي فيها ظاهراً. ولذلك لم يسلم ذلك التميز الشكلي من أفراد ركبوا الموجة حينها، وإن لم يكونوا من أهلها، وهو ما كشفته الأحداث المتنوعة التي حصل بها نوع تمحيص رباني ظهر فيه الأصيل من الدخيل، وكتبت في الصحوة مقالات يمكن الرجوع إليها لمن شاء المزيد من التوضيح، منها ما يتعلق بها ذاتها، ومنها ما يتعلق بتغلغلها في نفوس عموم المسلمين على مستوى العالم الإسلامي ومسلمي الأقليات، وإن كان ظاهر بعض المسلمين لا يوحي بذلك من حيث قوة التزام السنّة. وحثي على قراءة كتاب الدكتور محمد موسى الشريف، جاء في إطار الحثّ على التزكية والترقي في مدارج الإيمان، وبيان أنَّ المؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وأنَّ تزكية النفوس من أهم الأمور التي ينبغي أن يحافظ عليها المسلم المعتزّ بإسلامه، ليهتم بتعاهدها في ظل عناية كثير من النّاس بالمجالات العلمية والمناشط الدعوية المتنوعة على حساب الترقي الإيماني بالتربية والتزكية. ضد"كفاءة النسب"وإن كنت قبلياً! تبدو وكأنك في إحدى رؤاك الفكرية، تبرر مبدأ"كفاءة النسب"، هل أخذتك"عزة القبلية"بالإثم، أم أن هذا رأيك الشرعي المجرد؟ - معاذ الله! ولو عدّتَ إلى المقالة التي تشير إليها وقرأتها كاملة، لاتضح لك أنني قرّرت بالأدلة الشرعية نفي كون الكفاءة في النسب شرطاً شرعياً للزواج، ثم شرحت السبب الحقيقي لاعتبار بعض القضاة له واقعاً لا شرعاً، دفعاً للمفاسد التي تترتب على ذلك في حالات معينة يدرسها القاضي في ملف القضية، وما قد يترتب عليها من سفك دماء بريئة أحياناً، فيضطر لتقديم درء المفاسد على جلب المصالح، وهذا يؤكّد أهمية النضج المجتمعي لتجاوز كثير من الترسبات الاجتماعية التي لا يسندها الدليل الشرعي. مشاركة النساء في المنتديات.. تأصيل وضبط في سؤال للدكتور سعد حول ماذا ترى في مشاركة النساء الرجال والعكس في النقاشات والحوارات في المنتديات؟ وما هي الحدود والضوابط التي يجب الانتباه إليها؟ يجيب بقوله:"هذه المسألة من المسائل النازلة، التي أظن إشكالها الأكبر في تطبيقها لا في تنظيرها، إذ إن لها في الشرع أدلة تؤصلها وتضبطها، ولها من تطبيقات سلفنا أمثلة تكشف جوانب مهمة تتعلق بها. ولعلي أكتفي في بيان حكمها وضوابطها، بالإحالة إلى مقالة قيمة للشيخ الدكتور علي الصياح وفقه الله! ومما جاء فيها: "التعقيب بين الجنسين الأصل فيه الجواز بالضوابط الشرعية التي دل عليها الكتاب والسنة ومنها: أ- عدم اللين في الكلام سواء في القول أو الكتابة قال تعالى: فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض. ومن ذلك النكت والمزاح. والمدح والثناء المتضمن نوعاً من الميول - وكل أعرف بنفسه - وكذلك العبارات المائعة مثل"اشتقنا لك"،"تأخرت علينا"، وهذا كله مما يمجه عقلاء الرجال! ب- أن يكون بقدر الحاجة. فلا تستطرد في السواليف والكلام وكأنها مع أنثى. ج- عدم ذكر الأمور الخاصة التي يستحى من ذكرها وتخالف الآداب العامة، والذوق السليم. وهنا لا بد أن تطرح الأخت الكريمة على نفسها سؤالين قبل المشاركة: س1/ هل يرضى زوجي أو أبي أو أخي بهذا الطرح؟ بمعنى آخر لو كان بجانبك زوجك أو أبوك هل تجرؤين على كتابة هذا؟ س2/هل أرضى أن تطرح امرأة أجنبية على زوجي مثل هذا الكلام؟ يعني هل ترضين أن امرأة أجنبية تقول لزوجك مثلاً"اشتقنا لك"ونحوها؟ هذا السؤالان سيكون لهما أثر كبير على جيدة الطرح! وإذا رأت طالبة العلم ميلاً قلبياً. بدأ ينمو في قلبها لأحد. فلتتذكر أن الله يراها ومعها. وأن هذا باب فتنة. فلتعالج وضعها بسرعة قبل استفحال المرض، بحيث إما أن تترك الكتابة، فالسلامة لا يعدلها شيء، أو تترك التعقيب على شخصية معينة تخشى من هذا الميول القلبي الذي ربما تبتلى به، أو غير ذلك مما هي أعرف به. وأذكّر أن الدخول في العاطفة سهل جداً. ولكن الخروج منه صعب جداً إلا ما رحم ربي! ويضيف أستاذ السياسة الشرعية:"وهذا تأصيل مختصر يكفي من الناحية النظرية. لكن الإشكالات تقع في التطبيق كثيراً، وذلك نتيجة لاجتهادات في التطبيق تؤدي إلى عدم التزام بالضوابط لأسباب قد لا تكون مقصودة لكل من الجنسين المتحاورين، لكنها تتسبب في حصول المفاسد". سيرة ذاتية... سعد بن مطر العتيبي الشهادات - الكلية أو المعهد: المعهد العالي للقضاء - القسم: السياسة الشرعية - التخصص العام: السياسة الشرعية - التخصص الدقيق: العلاقات الدولية - الرتبة العلمية: أستاذ مساعد - العمل في الجامعة : عضو هيئة تدريس - دكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التخصصات والعمل - فقه السياسة الشرعية في علم السير مقارناً بالقانون الدولي - رئيس وحدة الجودة والاعتماد الأكاديمي 12/07/1429 - وكيل قسم السياسة الشرعية 02/02/1418