الذهب يتكبد خسائر فادحة مع ارتفاع الدولار ومخاطر الأصول    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    ارتفاع عدد ركاب النقل العام بالحافلات بنسبة 176% لعام 2023    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عددا من قرى الشعراوية شمال طولكرم    أمطار رعدية متوسطة إلى غزيرة على عدد من المناطق    الجسر الجوي الإغاثي السعودي إلى لبنان يتواصل بمغادرة الطائرة الإغاثية ال 20    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    الإعلام السعودي.. أدوار متقدمة    المريد ماذا يريد؟    234.92 مليار ريال قيمة ترسية المشاريع    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    ترمب.. ولاية ثانية مختلفة    إيلون ماسك: خطط خارقة للمستقبل    طرح سوق الحراج بالدمام للاستثمار بالمشاركة في الدخل    الاتحاد يصطدم بالعروبة.. والشباب يتحدى الخلود    هل يظهر سعود للمرة الثالثة في «الدوري الأوروبي» ؟    الإصابات تضرب مفاصل «الفرسان» قبل مواجهة ضمك    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    القبض على مخالفين ومقيم روجوا 8.6 كيلو كوكايين في جدة    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    قصص مرعبة بسبب المقالي الهوائية تثير قلق بريطانيا    «البيئة» تحذّر من بيع مخططات على الأراضي الزراعية    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    السينما السعودية.. شغف الماضي وأفق المستقبل    اللسان العربي في خطر    البنوك المركزية بين الاستقلالية والتدخل الحكومي    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    الجلوس المطوّل.. خطر جديد على صحة جيل الألفية    القابلة الأجنبية في برامج الواقع العربية    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    درّاجات إسعافية تُنقذ حياة سبعيني    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الإصابة تغيب نيمار شهرين    التعاون يتغلب على ألتين أسير    العين الإماراتي يقيل كريسبو    الدراما والواقع    يتحدث بطلاقة    «الجناح السعودي في اليونسكو» يتيح للعالم فرصة التعرف على ثقافة الإبل    ليل عروس الشمال    التعاطي مع الواقع    «متمم» يناقش التحوُّط المالي في المنشآت التجارية    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    وزير الحرس يحضر عرضًا عسكريًا لأنظمة وأسلحة وزارة الدفاع الكورية    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    محافظ الطائف يعقد اجتماع مجلس اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم    أمير تبوك يستقبل القنصل الإندونيسي    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة مضاوي بنت تركي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طارق رمضان: انشغلنا ب «الحرام والحلال» عن صياغة رؤية للمستقبل في المجتمعات!
نشر في الحياة يوم 26 - 04 - 2011

لعله من القليل النادر الذي تمتلئ القاعات في العواصم الأوروبية، إذا جاء ليلقي محاضرة فيها، ولا يقتصر جمهوره على المسلمين المقيمين في الغرب، بل يحظى بالاهتمام نفسه من المثقفين الأوروبيين الذين يدركون من الوهلة الأولى أنهم أمام شخص، يمسك بكل مفاتيح الثقافة الأوروبية.يتكلم عن الإسلام بلغة مفهومة بالنسبة إليهم، ليس لأنه يتحدث عن إسلام غربي، كما يزعم ناقدوه، بل لأنه قادر على اكتشاف نقاط التقاطع الكثيرة بين الإسلام وبين الفكر الغربي، ويجد فيهما كثيراً من القيم المشتركة، مثل احترام حقوق الإنسان، ودولة القانون، وفصل السلطات.
منعته الولايات المتحدة من دخول أراضيها، ومن تسلم وظيفته كأستاذ في جامعة نوتردام بولاية إنديانا، رغم حصوله على تأشيرة دخول مسبقة، والسبب أنه تبرع بمبلغ 900 دولار لمؤسسات إنسانية فلسطينية، قيل إنها على علاقة بحركة حماس. ولا ترحب الصين بدخوله أراضيها، بسبب دعمه الزعيم الروحي لإقليم التبت، الدالاي لاما.
وتعرَّض للفصل من عمله كأستاذ زائر في جامعة روتردام الهولندية، بسبب قيامه في الوقت نفسه بتقديم برنامج للحوار من العاصمة البريطانية لندن على قناة (بريس تي في) الإيرانية.
وهو كذلك ممنوع من دخول بعض الدول العربية بسبب آرائه التي يعتبرها البعض خارجة عن الإجماع الإسلامي، وشديدة النقد للأنظمة الحاكمة فيها.
الحديث هنا عن طارق رمضان، البالغ من العمر 48 عاماً، الرجل المنخفض الصوت، الخفيف اللحية، السويسري المولد والجنسية، حفيد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وابن سعيد رمضان، الذي كان زوج ابنة البنا (أم أيمن)، والمتحدث باسمه في أنحاء مصر وهو لم يبلغ ال 16 من عمره، الذي اضطر إلى مغادرة مصر في عام 1954، وتأسيس المركز الإسلامي في العاصمة السويسرية جنيف في عام 1961، والاستقرار هناك، حتى توفي في عام 1995.
يعمل البروفيسور طارق رمضان أستاذاً للدراسات الإسلامية المعاصرة في كلية سانت أنطوني بجامعة أكسفورد البريطانية، واحتل في عام 2008 المرتبة الثامنة في قائمة أعظم مفكري العالم، في استفتاء أجرته صحيفتان أميركية وإنكليزية.
لكن كثيرين يشعرون بالريبة تجاهه، يتهمه بعض المسلمين بالتنازل عن كثير من الثوابت الإسلامية من أجل أن يحظى بالقبول لدى الغربيين، ويعتبره كثير من الأوروبيين إسلامياً متشدداً متخفياً في مظهر المفكر العصري المجدد، وهو يقول عن نفسه إنه (سلفي إصلاحي) ... فإلى تفاصيل الحوار.
كيف تقرأ تسارع الأحداث في المنطقة العربية الآن؟
- أنا أرى أن المسألة تتعلق بشعوب تريد الحرية والديموقراطية، وهذا أمر واضح، ولا أرى أن الأمر يتعلق فقط بالإسلاميين، لكنه ذو علاقة بالإسلام. هذا ما أقوله هنا في المجتمعات الغربية، أقول لهم لا تقولوا إن هذه الأحداث من فعل الإسلاميين وحدهم، ولا تقولوا أيضاً إن الإسلام ليست له علاقة بالأحداث.
طبعاً المبادئ الإسلامية موجودة، والشعوب الإسلامية تطالب بمبادئ حقوق الإنسان، وبالحقوق التي نادى بها الإسلام، فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، وبما يخص الحرية، وبما يخص القضاء على الديكتاتورية في العالم العربي.
أي أن الأمر لا يتعلق بتقليد نمط حياة غربي، بل إن من أساس الإسلام أن نعيش في حرية، أليس كذلك؟
- بالضبط، تجد الآن الخطاب الغربي يأتي ويقول إن الخيار الآن بين الديموقراطية والراديكالية الإسلامية والإسلاميين فقط، وأنا أقول لهم إن المبادئ الإسلامية واضحة، والشعوب تطالب بهذه المبادئ على أرض الواقع، ولكن ليس فقط بتقليد النمط الغربي والفهم الغربي، لكن بالعلاقة الواضحة بالمبادئ الإسلامية.
حتى وإن كان بعض الطلاب في جامعة القاهرة مثلاً، قد قاموا أخيراً بتعليق لافتات كتبوا عليها (الدولة الليبرالية دولة ملحدة وبعيدة عن الإسلام)؟
- هذا شيء آخر، طلب الحرية وطلب العدالة وطلب الديموقراطية شيء، والليبرالية شيء آخر، ولا بد أن نسأل أولاً: ماذا تعني الليبرالية؟ هذا مفهوم غربي، ويمكن أن يجري فهمه ضد مبادئ الإسلام، فيما يخص الليبرالية الاقتصادية مثلاً، أو ما يخص بعض الأمور الموجودة في الغرب الآن، لا يمكن أن يكون الأمر أبيض أو أسود.
من المفروض أن نأتي بالمبادئ، ونفهم أن المبادئ الإسلامية لا تتعارض مع مطالب الشعوب العربية الآن، ونحدد الهيكل السياسي، وليكن مثلاً الديموقراطية، ونفكر عن كيفية تحويل المبادئ إلى شكل الدولة في المستقبل، ولا يعني هذا أن الدول العربية، تقلد الدول الغربية، يمكن أن تكون المبادئ هي المبادئ نفسها، لكن التيارات والفهم السياسي يختلف، هذا أمر ممكن.
هل الإسلاميون قادرون على استغلال الحدث، والتفاعل معه كما يجب؟
- هذا من أهم الأسئلة، نجد الآن في مصر وفي تونس الإسلاميين والثورة الشعبية، ولا يسعى الإسلاميون للسيطرة، ولكن لهم دوراً داخل المجتمع، كانوا قوة معارضة من قبل، والآن هم أحد مكونات المجتمعات الإسلامية.
إن ما نريده من الإسلاميين أن يأتوا على الأقل بأفكار واضحة، حول ما يريدونه للمجتمعات العربية الآن، وما إذا كان من الممكن أن يكونوا ضمن الحركة السياسية الحالية، وهو أمر ممكن، ولكن ما زالت هناك علامات استفهام قائمة، وإنني أتساءل عن دور الإسلاميين في المستقبل.
هل يمكن الاستفادة من أفكار الإسلاميين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية، بما أنهم استطاعوا أن يوائموا بين الفكر الغربي والإسلام، أم أننا لسنا في حاجة إلى الاستفادة من تجارب الغرب أو الإسلاميين في الغرب، مثل زعيم حركة النهضة التونسية الإسلامية، راشد الغنوشي وغيره؟
- لا، أرى أننا لسنا في حاجة لذلك، أرى أن هناك في داخل المجتمعات العربية الآن، أفكاراً جديدة، وفهماً جديداً، نابعين من تلك المجتمعات، طبعاً تجربة الإسلاميين في الغرب، وبل وحتى المسلمين العاديين داخل المجتمعات الغربية، يمكن الاستفادة منهم، ولكن لا يشترط ذلك على الإطلاق، لأنه من الممكن أن نجد داخل المجتمعات العربية نموذجاً سياسياً جديداً واضحاً بما يخص المبادئ الإسلامية، وبما يخص النظام السياسي.
اسمح لي أن أطرح سؤالاً، أعتذر عن صياغته بهذا الشكل: بعض الغربيين يعتبركم بمثابة (مارتن لوثر الإسلام)، فهل تعتقد أن العالم الإسلامي، يحتاج إلى شخص يقوم بهذا الدور؟
- (ببعض الحدة) لست مارتن لوثر، كل هذا كلام فارغ، يأتي البعض في الغرب بأفكار، تدل على عدم فهمهم للفكر الإسلامي والطريق الإسلامي، ولذلك يستخدمون مثل هذه المقارنات التي ليس لها أصل، أنا أعتبر أن عبارة كهذه، لا أصل لها.
السؤال الآن هو: ماذا نريد في داخل المجتمعات العربية؟ ليس ما نريده شخصاً أو أشخاصاً عدة ، نريد تياراً من شباب يفهمون الإسلام، ويدركون التحديات المعاصرة، هذا من أهم الأشياء، لا أريد كما يقولون في الغرب (قائداً عنده كاريزما)، ليسير في الأمام وتتبعه الجموع، إن الحاجة إلى فهم عميق، أشد بكثير من الحاجة إلى شخصية قيادية قوية.
العالم العربي والقائد
لكن شخصية قوية مثل حسن البنا أو غيره في العالم العربي، استطاعت أن تحقق الكثير، لأن العالم العربي ما زال يؤمن بنظرية القائد، أليس كذلك؟
- لا، أنا عندي مشكلة مع هذا الطرح، لأن الإمام حسن البنا وآخرين كان عندهم شخصية قوية، وفهم ورؤية مستقبلية، وهذا أمر وارد وصحيح، ونجد حتى الآن شخصية مثل الشيخ يوسف القرضاوي، الذي رجع إلى ميدان التحرير، ليخطب هناك، فوجد الكثيرين يتبعونه، ولكن بالنسبة لي أرى أن العالم العربي الآن يحتاج إلى فهم وتيار منظم، أكثر من حاجته إلى شخصية تقود الشعوب.
أريد ألا يقتصر الأمر على مسألة مشاعر، بل فهم وتركيز ورؤية، ومعرفة بالأولويات، والوقت اللازم لتطبيق هذه الأفكار في المجتمعات العربية. وكل الكلام عن انتظار شخص يقود الأمة، يمثل مشكلة بالنسبة لي، لأننا في القرن الماضي، وجدنا أن هذه الشخصية يمكن أن تسهم في مرحلة تاريخية معينة، ولكن على المدى البعيد لا نريد دوراً أكثر من ذلك.
هل عند طارق رمضان فكرة للنهوض بالعالم الإسلامي؟
- طبعاً عندي. انظر إلى كل أعمالي، لقد بدأت في مجال الفقه، والآن كتبت كتابي الأخير، الذي صدرت له ترجمة باللغة العربية بعنوان: (الإصلاح الجذري: الأخلاقيات الإسلامية والتحرر)، وأنا على علاقة بالشيوخ والمثقفين والأساتذة في داخل العالم العربي، علاوة على أني أقوم بالتدريس في قطر والمغرب، ونفهم الآن أن التحديات ليست في الغرب وحده، وليست في العالم الإسلامي بمفرده، بل هي تحديات مشتركة، فيما يتعلق بالمقاصد، وفيما يتعلق بتطبيق الشريعة، وما إذا كنا نريد فقط الحديث عن الحرام والحلال.
بدون أي رؤية للمستقبل في المجتمعات، أنا طبعاً الآن مع الانتقال من الإصلاح التكيّفي إلى الإصلاح التحولي، هذا ما أريده. أنا أريد أن يحدث ذلك من داخل المجتمعات العربية، والمجتمعات الإسلامية، وأرجو أن يكون واضحاً الآن أنني أحاول أن أفرِّق بين العلماء الذين يعيشون في الغرب، والعلماء الذين يعيشون في البلاد العربية والإسلامية.
هل تؤيد القول إن العالم العربي يحتاج إلى علماء دين يرفضون السلبية، ويتبنون بدلاً من ذلك مفاهيم إسلامية تأخذ بأيدينا إلى العصر الحديث؟
- أنا أطالب بأن يتغير الدور الذي يقوم به من أطلقت عليهم اسم (علماء النصوص)، عليهم أن يأتوا الآن إلى المجالات المختلفة، مثل السياسة، وما يخص البيئة، وما يخص العدالة الاجتماعية، وما يخص العلوم ومن بينها الطب، ويتوصلوا إلى آراء تختلف عما نجده الآن في بعض المجالس الفقهية، لأن بعض العلماء يأتون بالفتاوى، وهم بعيدون كل البعد عن الواقع.
الآن نريد أن نقرب بين الواقع وبين العلم، لا بد أن نجد في هذه المجالس في المستقبل علماء الواقع إلى جانب علماء النصوص، هذان الفريقان لا بد أن يتعاونا سوياً، ويفهما الواقع والتحديات، وتأتي الفتوى من هذه العلاقة، وليس من قراءة النصوص فقط.
في بعض المساجد نسمع خطيب الجمعة، يشدد على أنه لا تفكير مع النص، أي إذا كان هناك نص من الكتاب والسنة، فعلى المسلم أن يقول «سمعنا وأطعنا»، دون أي حق في التفكير. فهل تتفق مع هذه الرؤية؟
- خطأ، خطأ. هذا كلام سطحي. كيف يمكن أن يتوقف العقل، حينما يجد النص؟ النص يحتاج إلى العقل أولاً، هذا من حيث المبدأ، وبعد ذلك حينما يقول الأصوليون (لا اجتهاد مع النص)، فإنهم يتكلمون عن النص القطعي، قطعي الدلالة، وقطعي الثبوت، وهذا يعني في مرحلة معينة، وموقف معين.
ولكن أكثر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، منفتحة على الفهم والتغيير والنقاش، حتى بين العلماء، فكيف نأتي الآن ونقول أشياء، لم يقلها أحد من العلماء، ولم ترِد حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
يعني من حق الإنسان العادي أن يفكر ولا يسلِّم عقله لعالم يفكر له، لأن الكثيرين يقولون إن عالم الدين هو وحده الذي يحق له أن يفكر في النصوص؟
- يمكن أن يفكر كل شخص في النصوص، ولكن حين نأتي لمسائل الحلال والحرام، وبعض الأشياء الأخرى، فإن الأمر يحتاج إلى علم، وعند استنباط أحكام من النص القرآني، لا بد أن نكون على علم بالنص كاملاً، وبالنصوص الأخرى ذات العلاقة بالأمر.
ولا يمكن قراءة آية من القرآن، ثم نحكم ونقول: هذا حلال وهذا حرام، ليس هذا ممكناً، لا بد للشخص العادي أن يرجع إلى العلم أولاً، ولكن لا يمكن أن نطلب منه أن ينسى عقله، ويتوقف عن استعماله، هذا غير ممكن، فبعض الأشياء المتعلقة بالحياة العادية تتيح لكل شخص أن يكون له رأي.
ولكن مسألة الحرام والحلال، لا يمكن أن نتعامل معها انطلاقاً من الاعتقاد بأن الديموقراطية تتيح لكل شخص أن يدلي بدلوه، ويقول هذا هو الإسلام، أنا أرى أن هناك اختلافاً بين الحالين. بعض الميادين تحتاج إلى علماء الواقع مثل الأطباء والمتخصصين في الاقتصاد وغيرهم، ويأتون بفتاوى مشتركة بالتعاون مع علماء النصوص. القراءة التعبدية متاحة للجميع، لكن قراءة استنباط الأحكام، لا يمكن أن نتركها مفتوحة هكذا أمام الجميع، لأنه لا يمكن أن يأتي شخص ويقول قرأت في القرآن، في سورة التوبة: «اقتلوهم حيث ثقفتموهم»، وبالتالي يمكنني أن أقتل لأن هذا مكتوب في النص، فنقول له إن القضية تتعلق هنا بموقف معين في مرحلة معينة، مرتبطة بأسباب النزول، ولا بد أن نفهم الواقع بالدرجة نفسها، ولا نقف عن النص فقط.
هل تقصد أن عالم الدين ينبغي عليه ألا يكتفي بإبلاغي بالفتوى أو بالحكم الشرعي، بل يجب عليه أن يقنعني أيضاً، ولا يقول لي أنت غير قادر على التفكير؟
- تماماً، أنا أتفق مع هذا الكلام، لأنه من البداية، حين تذهب إلى عالم، وتطلب منهم فتوى أو رأياً معيناً، لابد أن يرد عليك، فتطلب منه وتسأله: من أين أتيت بهذا الرأي، وما الدليل؟
يعني أن أي مسلم أو مسلمة لا بد أن يفهم محتوى ومضمون الفتوى، لا بد للمسلم أن يفهم الإسلام، حتى يصل إلى الإيمان، ومن الإيمان فهم الفتاوى والأحكام، وهذا أمر مهم.
طرقات المجتمع الإسلامي
لماذا تسير الليبرالية بخطوات خجولة في طرقات المجتمع الإسلامي؟
- المشكلة بالنسبة إلى الليبرالية، ترتبط بهذا المصطلح، لأن هناك الليبرالية الديموقراطية، والليبرالية الاقتصادية، صحيح أنه من حيث المبادئ الإسلامية، عندنا مشكلة مع رأس المال، وما يسمى الآن بالنيو ليبرالية والمشكلة هنا أن كل مبادئ هذا النظام الليبرالي الجديد، تتعلق بالربا.
ويقوم الاقتصاد الليبرالي على مبادئ غير إسلامية. نسمع الآن كثيراً من النقاش في البلاد الإسلامية عن الأحكام الإسلامية، ولا يكون هناك حديث عن الاقتصاد، أو يكون الحديث منصباً على (الاقتصاد الإسلامي)، ولا أدري ما المقصود بذلك، أنا أعرف المبادئ الإسلامية في الاقتصاد، نرجع إلى المبادئ الإسلامية، وندخل في عالم الاقتصاد، ونبحث ما إذا كان ممكناً أن نقدم شيئاً للمتخصصين في مجال الاقتصاد.
حتى الآن عملنا في هذا المجال سطحي، ولا يمكن أن نأتي بآراء أو حلول إسلامية الآن، أنا لا أجد أنه أمكن التوصل إلى ذلك في هذا المجال. أما ما يخص الديموقراطية، فإننا نجد أن الصعوبات في المجتمعات الإسلامية، ليست لها علاقة بالإسلام، بل هي ذات علاقة بالنظام السياسي السائد هناك، وبسبب الديكتاتورية الموجودة في الدول العربية. لكن حين نأتي إلى تركيا مثلاً، ونجد أنها فتحت الأبواب فيها للديموقراطية الليبرالية هناك، أي أن الانفتاح كان في المجال الاقتصادي، وحين يقول كثير من الناس إن تركيا يمكن أن تكون نموذجاً قابلاً للتطبيق في الدول العربية، فإن عندي بعض التحفظات، لأن الجيش ما زال يلعب دوراً مهماً في المجتمع التركي، وفي السياسة التركية، وهذا أمر بعيد عن النظام الديموقراطي، ولا بد من تغييره وإصلاحه.
أما فيما يخص الاقتصاد ككل، طبعاً هناك تساؤلات الآن، وتركيز كبير على الجانب السياسي، وطالما أن المسلمين يتعرضون للضغوط السياسية، فإنهم غير قادرين على التحدث عن النظام الاقتصادي. فهل سيتم إجبارهم على تقبل النظام الاقتصادي الليبرالي، لكي يتمكنوا من تقديم شيء في المجال السياسي؟ إننا لا نجد اليوم خطاباً واضحاً فيما يتعلق بالآراء الإسلامية في مجال الاقتصاد.
كيف نتخلص من الوصاية على المجتمعات والتسلط على خيارات الأفراد؟ ومن يمارسها أكثر.. اليد الدينية أم السلطوية؟
- فيما يخص الشيوخ والأزهر مثلاً، رأينا في المرحلة الأخيرة أن الصمت كان شيئاً عجيباً، كانت المؤسسات الإسلامية في البلاد الإسلامية ضعيفة الصوت، لم نجد صوتاً واضحاً يتحدث مثلاً عن المبادئ الإسلامية، والعدالة والحرية ورفض الديكتاتورية.
كان من المفروض أن يكون الخطاب المؤسساتي أوضح، ولكن كلنا على علم بأن كثيراً من المؤسسات الإسلامية تحت سيطرة الحكومات، والآن لا بد من تحريرها، بحيث يكون صوت الشيوخ، وصوت المؤسسات الدينية في البلاد الإسلامية، بعيداً عن هيمنة الحكم، وأن تتكلم بصراحة، فيما يتعلق بحرية الشعوب، والاحترام للمبادئ الإسلامية.
هل الفكر الإسلامي عنده مشكلة مع مصطلحات العقلانية والعقلانيين والعقلانية الإسلامية؟
- لا، أنا أرى أن الإسلام والمصادر الإسلامية، ليست عندها مشكلة مع هذا، لكن العقل المسلم المعاصر، لا بد أن يرجع أولاً إلى فهم الألفاظ والمصطلحات الإسلامية بذاتها، فمثلاً حينما نرجع إلى الشريعة والجهاد والعدالة الاجتماعية وحتى السلام، ماذا تعني المعارضة السلمية.
أرى أنه يجب على المثقفين والعلماء أن يرجعوا إلى المبادئ، وأن يقدموا شيئاً لفهم المصطلحات بصورة جيدة، فنجد مثلاً أنه حتى في الغرب يجري استخدام بعض المصطلحات التي نقلها المستشرقون، مثل لا surrender، مع أن كلمة surrender مصطلح علاقة لها بالإسلام، ولكنه يستخدم في الغرب بمعنى الإسلام من الداخل. لذلك فإنه من أهم الأشياء أن نقدم فهماً دقيقاً للمصطلحات، وخطاباً إسلامياً واضحاً، وبعد ذلك يمكن أن نأتي للمصطلحات الغربية، ونسعى لفهمها في إطار التاريخ الغربي، لأن هذه المصطلحات مرتبطة بالإطار التاريخي الذي نشأت فيه، وحين نترجم العلمانية مثلاً، فإنه لا يمكن فهمها من دون الخلفية التاريخية في الغرب، لأن مفهوم العلمانية في الغرب، قريب الصلة بالحرية، على عكس ما نعرفه في البلاد الإسلامية، التي تعني العلمانية فيها الديكتاتورية والضرب والتعذيب. ولكن على رغم تعدد الأديان، فلا بد من فهم الألفاظ والمصطلحات، ومن ثم نأتي إلى الحوار، ونحن متمكنون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.