قضية المبتعثين والوصاية عليهم تدل أننا في فضاء وخواء فكري في الداخل، فهمّنا، خصوصاً من البعض، هو ملاحقة الإحصاءات العجيبة التي لا علاقة لها بالإحصاء العلمي الدقيق، فأحدهم قبل أشهر ذكر لنا من خلال زيارة له إلى بريطانيا أن 80 في المئة من الطلبة السعوديين هناك يتعاطون الخمور، وبعد مناقشته من بعض الكتّاب والمبتعثين في الصحافة المحلية، ومنتديات المبتعثين، تراجع عما قاله، وهذه تحسب له، فثقافة الاعتذار، مع الأسف، معدومة لدينا. الداعية محمد العريفي، يعلن قبل فترة عن استعداده لزيارة المسجد الأقصى، وبعد ذلك يعتزم إلقاء خطبة في إحدى الكنائس بمناسبة عيد الميلاد الأخير، ولم ينفذ من مشاريعه آنفة الذكر شيئاً، وإنما فقط للاستهلاك الإعلامي، وكأنه المقبل الجديد لهذا الفضاء الإعلامي الرحب، فلا يزال فضيلته يعشق الفرقعات الإعلامية، ولن يكون آخرها ما فجره عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، من أن طلابنا المبتعثين للدراسة في الخارج يتعاطون الخمور والحشيش، ونسب العريفي تعليقه هذا لأحد الطلاب الذي راسله وقال فيه:"أنا مبتعث وبجامعتي 35 مبتعثاً... اللي يشربون خمر 20 وبعضهم حشيش"... واقترح العريفي"أن يوضع بالمطارات تحليل للطلاب". أعتقد أن فضيلته يعرف أنه في القرآن الكريم قوله تعالى اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم، ومع ذلك يسمح العريفي لنفسه بالتعميم على المبتعثين، وذلك بناء على ما قاله له أحد الطلاب، مع أنه يجب الأخذ في الحسبان توجه وتفكير وسلوك هذا الطالب، وهل تبرأ الذمة بنقل ما يقوله هذا الطالب، أم أنها مجرد انطباعات سمعها من آخر وآخر ولم يعشها أو يعايشها. هناك تيارات معروفة تقف ضد الابتعاث منذ وقت طويل، وهي تعلن عن ذلك بشكل واضح وعبر وسائل الإعلام، والغريب أن من يقودون تلك الحملات بعضهم خريجو الجامعات الغربية، ولكن يبدو أنهم محصنون ضد الخطايا، ويتمتعون بأرواح النُّساك، لذا لم يقترفوا مثل هذه المآثم إبان دراساتهم في الجامعات الغربية. غريب أن يكون همّنا أخلاقياً في مبتعثينا، وكأنهم خارجون من مجتمع يؤسس للفساد والسلوك الخاطئ، عكس ما يردد البعض أننا مجتمع له خصوصية متجذرة لا يمكن اختراقه بسهولة، لكن ما يطرحه البعض من نسب مرتفعة من تعاطي الكحوليات والحشيش - كما ذكر ذلك الداعية العريفي وأثبت صدقية إحصاءاته - فنحن في ورطة كبيرة ليس لفئة الشباب فقط بل لنا كمجتمع، فنحن ليس كما ندعي مجتمعاً ملائكياً، بل إننا نعيش أزمات سلوكية وثقافية خطرة يجب أن تتصدى لها مراكز الأبحاث الاجتماعية، إن وجدت لدينا، والغريب أن معظم الدراسات الاجتماعية عن منطقتنا تتم في مراكز أبحاث أجنبية، ونحن فقط جاهزون للتشكيك، ونسبة تلك النتائج للمؤامرة لشعوب توجد في كواكب أخرى كل همها نحن الغارقين في التخلف، مع الأسف. هناك بعض النقاط في قضية هذه الاتهامات للمبتعثين والمبتعثات في الدول الغربية، هي صمت وزارة التعليم العالي عن الدفاع عن مبتعثيها وكأن الأمر لا يعنيها، استغرب هذا الصمت من الوزارة، وهي القادرة على تقديم أرقام وحقائق عن طلبتنا في الخارج، ليس من ناحية السلوك الشخصي فحسب، ولكن من ناحية النتائج العلمية التي يحصلون عليها، ومدى انتظامهم والتزامهم بدراساتهم التي قد تعطينا، في حال توفرها، الصورة الحقيقية عن أوضاعهم الدراسية هناك، وكما قرأت من تصريحات لمسؤولي وزارة التعليم العالي، منذ فترة ليست بالبعيدة، أن نسبة الفشل والتسرب من برنامج الابتعاث قليلة جداً، وقد لا تُذكر، هذا بنظري هو المهم، أما أن نكون أوصياء عليهم في دول ابتعاثهم فهذه مهمة من لا يؤدون عملاً في حياتهم، كما أنه على الملحقيات الثقافية ألا تغفل عن دورها في متابعة الطلبة، فهم في عهدتها وبيدها أكثر من ورقة تستطيع أن تلوح بها أمام الطالب ليستقيم إذا وجد عليه ملاحظات. علينا الاهتمام بالقضايا التي تهم المبتعثين أكثر من الفرقعات الإعلامية التي تثار بين فترة وأخرى حول سلوكهم الشخصي، ومن القضايا المهمة تخصصات المبتعثين التي يفترض أن تلبي حاجات سوق العمل داخل الوطن، وألا يعودوا بشهادات تشكل عبئاً على المجتمع... ولكن السؤال الذي سيظل قائماً: لماذا تصمت وزارة التعليم العالي عن التهم التي تثار عن سلوكيات طلابنا في الخارج؟ إنها أحد أمرين، إما أن التهم صحيحة وتعلم الوزارة بذلك وتلتزم الصمت من باب الستر، أو أنها تعلم بأن التهم غير صحيحة ولكنها لا تستطيع مواجهة أصحاب التصريحات لضعفها أمامهم؟ [email protected]