تستغرب المسرحية السعودية الدكتورة ملحة عبدالله من حركة المسرح في السعودية، وتبرهن على أن المسرح هو في حقيقته انعكاس لما يصنعه البشر وما تحياه الشعوب. وترى أن هناك فِرقاً مسرحية واعية، لكنها لا تكفي لتطوير المسرح والنهوض به وتعد ملحة عبدالله من الباحثات في علوم المسرح في الوطن العربي، ولها مؤلفات عدة من أبرزها:"أثر البداوة في المسرح السعودي"وكتاب"أثر الهوية الإسلامية على المسرح". ملحة عبدالله التي كرمها الأديب السعودي عبدالمقصود خوجة في صالونه الأدبي الشهير في جدة"الاثنينية"أخيراً. وكرّمتها من قبل جامعة الأزهر بالقاهرة التقتها"الحياة"ودار نقاش حول الحركة المسرحية العربية ومقومات المسرحي الناجح وجمعية المسرحيين في السعودية. هنا نص الحوار. يجد المتابع لسيرتك الذاتية اهتمامك المبكر بالمسرح، كيف نشأت هذه العلاقة في ظل الظروف الاجتماعية المحافظة في السعودية؟ - علاقتي بالمسرح علاقة رضاعة فكرية بدأت منذ الطفولة، حين كان والدي يعمل في وزارة المعارف وكان هناك نشاط ملحوظ في المسرح الجامعي، فكان يصطحبني معه إلى معهد المعلمين في أبها فأتابع البروفات وأحضر العروض، ثم أعود إلى المنزل أمارس دور الممثل لكي أنقل لوالدتي ما رأيته ولم تره هي. ووجدت من ابي المساندة والدعم، ثم كنت أشترك في العروض المسرحية، حين تقام حفلة مجلس الأمهات في المدرسة الأولى في أبها للبنات، فأقوم بتمثيل بعض الأدوار والخطب الشعرية وكنت حينها أكرم وأحصل على جوائز، فكانت هذه بداية شريان المسرح في دمي إلى أن التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون بالقاهرة قسم النقد والدراما. والحقيقة لم أجد شجاعة في الإقدام على التأليف إلا بعد التخرج، ولو أن هناك بعض المحاولات أثناء الدراسة وبعضها حصل على جوائز من الأكاديمية. ثم توالت المحاولات حتى وصلت إلى ما يقرب من خمسين نصاً مسرحياً، عرض بعضها في العديد من الدول العربية. كيف ترين الحركة المسرحية في السعودية؟ - غريبة الحركة المسرحية في السعودية ومحيرة وكأنها تتحرك تحت الماء، فعلى مستوى التاريخ سنجد أن المسرح السعودي يأخذ مكانه على خريطة المسرح في الوطن العربي، أما على مستوى الممارسة فسنجده يكتفي بفعاليات المهرجانات، وكأنه يوضع في برواز يعلّق على جدار الثقافة لحين الطلب. المسرح ليس كذلك فهو انعكاس لما يصنعه البشر وما تحياه الشعوب وهو حياة أو إعادة حياة لكي تنبض من جديد. وسبق وقلت انه لا مكان للمسرح السعودي بالمعنى المنشود من دون تفرّغ وتمويل، فإذا نظرنا إلى موازنة المسرحية مثلاً في مسرح الدولة بمصر، تصل للمليون وتزيد وتصل للمئة ألف للهواة وتزيد، فكيف يكون لدينا مسرح نصرف عليه من جيوبنا وكيف يقوم عليه أناس غير متخصصين يعملون نصف اليوم الأول في وظائف مغايرة لكسب العيش، وعلى رغم ذلك فحين أشاهد مسرحية في المهرجان التجريبي أكون سعيدة بمستواها. إذاً الأزمة أزمة تفرّغ وتمويل. وما هو رأيك في الفِرَق المسرحية في السعودية؟ - لدينا فرق واعية ولكن ليس هذا كافياً. وماذا عن جمعية المسرحيين السعوديين؟ - سمعت عنها وسررت كثيراً وزاد من سعادتي وجود عنصر نسائى في مجلس إدارتها، ولكن المسرح لا يحتاج إلى تنظير. المسرح لعب وإذا لم يكن على هذا المستوى فسيفقد معناه. لا أريد أن أتحدث عن الجمعية وما نأمل منها فأرهقها وهي في البداية، فنحن ننتظر ولكن العمل سيكون شاقاً وصعباً في ضوء ما ذكرت سابقاً. المسرح دار للهو والترفيه وضياع للوقت والقيم أحيانا! وهل تعوّلين على الجمعية في النهوض بالمسرح السعودي، أم أنها تخضع لظروف المجتمع ووزارة الثقافة من حولها؟ - تخضع لهذا وذاك. تخضعها ظروف اجتماعية تنظر للمسرح على أنه دار للهو والترفيه وضياع للوقت والقيم أحياناً، وهذه أول عقبة أمام الجمعية إن أرادت صنع مسرح جماهيري. ومن هذا المنطلق كان التمويل ضرورة لرأب صدع شباك التذاكر. إذاً على القائمين على المسرح أن يكون هذا القطاع قطاعاً خدمياً ولا يجب الكسب والتربح من ورائه، على رغم ضرورة ارتفاع الموازنة، وهذا في بداية الأمر شيء صعب مع وزارة ترى المسرح مكملاً للواجهة الثقافية فقط. ما مقومات المسرحي الناجح في رأيك؟ - مقومات المسرحي الناجح أولها الخيال الخصب والموهبة، ثم الممارسة الكثيرة والمستمرة على المسرح، ثم رأس المال أي التمويل، والشخصية التي تبهرني حقيقةً هي كل مبدع يعمل في المسرح السعودي، على رغم وعورة الطريق. يعاني المسرحيون السعوديون من عدم وجود خشبة مسرح خاصة بهم لعرض أعمالهم، ألا يجب النظر بجدية لأبي الفنون من وزارة الثقافة والإعلام؟ - المسرح في السعودية يحتاج إلى أبنية مسرحية، وهناك منظومة لا بد من أن تكتمل. فقد عاش المسرح اليوناني أزهى عصوره في مرحلة الاستعراضات"الدثرامب"في الشوارع والميادين، أو عربة" ثيسبس الإيكارى"، وهى العربة المتجولة للممثل الأول ثيثبس، وهي أشكال احتفالية نبع منها المسرح إلى يومنا هذا. هل هناك نقص في كتّاب المسرح في السعودية في رأيك؟ - لا يوجد نقص في الكتّاب المسرحيين، فلدينا كتّاب مثل عبد العزيز السماعيل وراشد الشمراني وإبراهيم الحمدان ومحمد العثيم وغيرهم. كيف يكون هناك نقص وقد عرضت جمعية الثقافة والفنون أكثر من 500 عرض مسرحي، ولكن للأسف هناك نقص في الطباعة، والاحتفاظ بهذه الكتب على شكل مكتبة مسرحية. هل الشخصية المسرحية تبقى حيّة خالدة، أم أنها تموت؟ - الشخصية المسرحية إذا وجدت العناية النقدية، وخضعت للتحليل والتفسير، وإسقاط الضوء عليها، فإنها تحيا وتخلّد، وإن طمرت في التراب وتراخى الحس النقدي، فإنها تموت لذا فإن مهمة الناقد تساوي مهمة المبدع، وعلى العموم فنحن نحيا أزمة نقد متخصص. كُرِّمت في عدد من الدول العربية على جهودك المسرحية، ماذا يعني لك ذلك؟ - كرمت في ثماني دول عربية، ونلت 13 درعاً ووساماً، ولكن تكريم الأزهر لي شيء مختلف، لكونه منارة إسلامية، خصوصاً كلية الدراسات الإسلامية في الأزهر للبنات، وهذا شرف لي ولكل مبدعة سعودية من منارة دينية كهذه. لماذا يكرم المبدعون السعوديون خارج بلدهم، ولا نراهم يكرمون داخله من مؤسسات حكومية وجهات رسمية؟ - هذا سؤال أحيله إليكم. ثم سبق وأن كرمت مرتين حين نلت جائزة"أبها الثقافية"من الأمير خالد الفيصل، ونلت وسام التقدير، وكان تقديراً مضاعفاً، كونه يأتي من أبها، ثم تكريمي أخيراً في صالون الشيخ عبدالمقصود خوجة الأدبي الشهير في جدة"الاثنينية". ماذا أخذ المسرح منك؟ وماذا قدّم لك؟ - المسرح لم يأخذ مني شيئاً، بل أعطاني كل شيء، فبين ثناياه أتنفس. بعد العيش خارج السعودية، ألا يراودك الحنين الى الاستقرار فيها؟ - أينما يزدهر المسرح، ستجدني هناك.