يطلق سكان شمال السعودية على الوفود التي تطلب إعتاق رقبة القاتل اسم"الجاهة"، وهم يضمون عادة شيوخ قبائل وأناس لهم حظوة اجتماعية. ويأخذ تكوين هذا الوفد عادة شهوراً طويلة يبذل خلالها أفراد أسرة القاتل، جهوداً لإقناع أكبر قدر من الوجهاء للتدخل في الشفاعة لدى ذوي القتيل لدفعهم إلى التنازل. ويطلب هؤلاء الذين يراد منهم التدخل في جهود العفو تفاصيل أكبر عن الجريمة، وأحياناً يرفضون التوسط إذا ثبت لديهم أن القضية يشوبها شيء"يخل بالشرف مثل جرائم اللواط أو الزنا أو المخدرات أو شرب المسكرات". وفي حال اتفاقها مع أكبر عدد من الوجهاء تتفق أسرة القاتل معهم على موعد محدد لزيارة منزل أسرة الضحية، التي يعني استقبالها للوفد وجود أمل ولو محدود أنها قد تتنازل حتى لو بعد مرور مدة طويلة. وغالباً ما يرفض أعضاء الوفد فور دخولهم مجلس أسرة القاتل شرب القهوة، ويبدأ أكبر"الوجهاء"قدراً في التحدث من ناحية دينية عن جزاء العافين عن الناس والثناء على أسرة القتيل، ومن ثم يتناوب آخرون من الوفد على إلقاء الكلمات التي لا تخرج بدورها عن جزاء الذي وعد به الله معتقي الأرقاب. وقد يفسح المجال أمام أحد الشعراء الذين يضمهم الوفد لإلقاء قصيدة تناشد أسرة القتيل العفو. وبعد الانتهاء من إلقاء الكلمات يرمي أعضاء الوفد الذين يقدر عددهم أحياناً بالمئات"أشمغتهم وعقلهم"ويطلبون من أسرة القتيل العفو لوجه الله تعالى. وفي حال رفضت عائلة الضحية تلبية مطالبهم، فأنهم يكررون الزيارة التي يحرص عادة أن تضم وجهاء"جدد". وقد يضطر الوفد في حال فشل كل مساعيه إلى نصب خيام أمام منزل أسرة القتيل، بهدف إحراجها لدفعها إلى التنازل. وكانت هناك قضية شهيرة تم تداولها إعلامياً على نطاق واسع قبل نحو عامين، حينما حاولت وفود كبيرة إقناع والد قتيل بالعفو عن قاتل ابنه إلا أنه رفض تلبية طلبها وتمسك برأيه على مدى سنوات. وقبل أسابيع من تنفيذ الحكم غادر منزله إلى مكان مجهول في مدينة أخرى لتفادي إحراج الوجهاء، ولم يعد إلى بيته إلا بعد تنفيذ حكم القصاص في القاتل الذي كان وحيد والده ووالدته المسنين بعد وفاة أخويه. من جهته، قال الإعلامي المتخصص في القضايا الاجتماعية عيد العويش إن هناك عادات يلتزم بها أصحاب"الجاهة"ومنها أن لا يبدأوا في جهودهم إلا بعد مرور عام على صدور حكم القصاص حتى تخف أحزان أسرة القتيل،"ويسمى هذا العام لدى قبائل شمال السعودية بفترة برود الدم". وأضاف أنه خلال فترة العام تجتهد أسرة القاتل لاستقطاب أكبر قدر من شيوخ القبائل والقضاء وعلماء الدين لضمهم إلى وفود الشفاعة. من ناحيته، أوضح الداعية عبدالله العنزي أن الشفاعة من أفضل وسائل التقرب إلى الله، مذكراً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم"من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها". وقال إن"العفو"كان من أبرز الخصال لدى عرب الجاهلية،"وجاء الإسلام ليعزز ويحض على التمسك بهذه الفضيلة". وأكّد أن الشريعة تحرص على القصاص،"إلا أنها تحرص في شكل أكبر على العفو والصفح عن القاتل".