تصدرت "الوجاهة" قائمة الصفات العليا المؤهلة للسيادة في المجتمع العربي في جاهليته وإسلامه، لأن هذا السيد الفاعل يحل قضايا قومه ويقيل عثرات أفراد مجتمعه ذات الإشكاليات الكبرى، ويتحمل جرائرهم، وهذا ما جعلهم يسمونه سيد "معمم" لأنهم يعصبون برأسه كل عظيمة لا يحلها غيره، ومن هنا نجد هذا المعمم الوجيه ذا مواصفات خاصة عالية، وغالبا ما تكون وجاهاته مركزة في العظائم كقضايا الدم والديات وغيرها من الأمور الجليلة التي لا يستطيع إدارة أزماتها إلا أمثاله من السادة الذين تحظى وجاهتهم بقبول اجتماعي، ويكون رفض مساعيهم من قبل من يقصدونه في أضيق الحدود، وربما وصف من يرفض وجاهتهم بقلة المروءة؛ لأنه لم يعط ذوي الهيئات قدرهم الذي يليق بهم. والمتعارف عليه أن هؤلاء السادة لا يسيرون إلا في القضايا التي تليق بمساعيهم، أما إذا كان الدم ناتجا عن قضية مخجلة بحق من يطلب فك قيده، كأن يكون هذا القاتل قد اعتدى على شرف المقتول، أو ما شابه ذلك من سقطات الأفعال ؛ فهم غالبا ما ينزهون أنفسهم عن السعي فيها؛ لأن قيمهم تأبى الدخول في مثل هذه الزوايا ذات البعد الضيق المريب، وأيضا فهم يرون ذلك مدعاة لرفض مساعيهم مستقبلا، وتكرار مثل هذه المداخل يقلل من وجاهتهم. ومن هنا نجد أن الوجاهة ذات قيود وتبعات ثقيلة، ولها شروطها وآليتها، وفي المقابل لها ثقلها الاجتماعي الذي طالما حل أزمات كبرى لا تقف آثارها على حياة الأفراد بل غالبا ما تكون ذات أثر في توجهات جماعة كبيرة، وفي بقائها في ظل المجموع، أو انسحابها من ذلك النسق، وهذا ما جعل المجتمع العربي يحتفي بالوجهاء المؤثرين، وبمساعيهم الحميدة، وقد دندن الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى كثيرا في معلقته حول مآثر هرم بن سنان ورفيقه في وجاهتهم لحل قضية عبس وذبيان وحقنهما لدماء الفريقين: لعمري لنعم السيدان وجدتما على كل حال من سحيل ومبرم تداركتما عبسا وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم ومهما كان الأثر الشعري ذا قيمة كبرى في وصف مكارم أصحاب هذه الوجاهة، ومهما كان دافعه المحفز عليها؛ فإنه يتضاءل حتى الخفوت أمام جلال الآيات القرآنية التي دعت إلى العفو عن الدم، وبينت ثواب العافين، وكذلك أجر الساعين في الخير في مثل هذه الأعمال الإنسانية، يقول سبحانه وتعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)، ففي هذه الآية جاءت الدعوة إلى العفو مبشرة بمكرمتي الدنيا والآخرة، وفي إيجاز حمل أغنى الكلام وأبلغه. وعلى الرغم من المنزلة التي نالتها الوجاهة في جاهلية العرب وإسلامهم إلا أنها في عصرنا هذا قد واجهت عثرات كثيرة جعلتها - أحيانا - لا تؤتي ثمارها كما كانت سابقا، وربما أدت هذه المعوقات التي لم تدرس بعد إلى رفض الوجاهة أحيانا، وأحايين أخرى تقبل هذه الشفاعة، ولكن مقابل مزايدة مالية تصل حد المتاجرة في الدم، ومن هنا يدرك كل من سمع أو قرأ الأرقام الخيالية التي غالى فيها أولياء الدم أن هذه الوجاهة قد طعنت في صميمها؛ فهي إذا كانت قد نجحت في تخليص السجين من القتل بثمن باهظ؛ فإنها في المقابل خسرت قيمتها ذات السمو، وغدت تجارة تخضع للمساومة والمزايدة الفاضحة، وأصبحت أقرب إلى المفاوضة المادية منها إلى الوجاهة، وكأن بعض الوجهاء المعاصرين رضي لنفسه أن يكون وسيطا ماليا يجيد مجادلة ولي الدم في الإقناع بقبول الثراء الفاحش الذي سيقبضه ثمنا لقريبه المقتول، في مقابل أن يتسول ولي السجين فاعلي الخير عند أبواب المساجد، أو يحزم حقائبه للاستنجاد بعصبته لسداد الدية التي تحولت من مائة ألف ريال إلى صلح بملايين الريالات!! ولهذا تتوالى الأسئلة بحثا عن علة هذا التحول اللا قيمي في مسار هذه الوجاهة، فأين مكمن الخلل؟ هل السبب يرجع إلى تصدر بعض الدخلاء لهذه الوجاهة ممن لم يكن مؤهلا لها،ولم تنطبق عليه ضوابطها الصارمة قيميا واجتماعيا؛ ولذلك جاءت هذه الإخفاقات المتوالية؟ أم أن هناك طغيانا ماديا بدأ يجتاح القيم العربية، وأن هناك من يجاهر بشكل مفضوح في البحث عن مكاسب مادية دون مبالاة بتقييم الآخرين له في ظل تحقق مطامعه الشخصية ؟ أم أن السبب يعود للإلحاح القاهر والضغوط التي يمارسها بعض المتصدرين للوجاهة على أولياء المقتول غير واعين بحساسية الموقف، ولا ملمين بما يحتاجه هذا المقام، لكون بعضهم - وهم قلة - دخلاء على هذه الوجاهة، ولذلك فهم لا يفرقون كثيرا بين شفاعة مراهق هشم زجاج سيارة فجروا مشالحهم وراء قضيته - على هوانها - وبين معتد هشم جمجة رجل حرم الله قتله ؟ وفي المقابل لماذا نجحت بعض وساطات هذا العصر دون ثمن مدفوع؟ أو على الأقل بثمن معقول؟ اشفعوا تؤجروا في البدء تحدث الشيخ الداعية سعد بن شايم الحضيري فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يشفع ويرغب في الخير من غير أن يلزم أحدا أو يكرهه على غير ما يريد، وقد أمر صلى الله عليه وسلم بالشفاعة في الخير فقال: (اشفعوا تؤجروا) وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مرة للصلح بين قوم من الأنصار فتأخر عندهم حتى حضرت الصلاة فجاء بلال إلى أبي بكر رضي الله عنهما فقال صل بالناس فإن النبي عليه السلام سيتأخر عندهم، وكل ذلك من عنايته عليه الصلاة والسلام بالإصلاح بين الناس، وقد جعل الله للغارمين للإصلاح بين الناس نصيبا من الزكاة؛ لأنهم يبذلون أموالهم لهذه المهمة النبيلة. وأضاف: ينبغي لمن وهبهم الله وجاهة في المجتمع أن يسعوا بالإصلاح بين الناس وبذل ما يستطيعون في سبيل ذلك ؛ فإن للجاه زكاة كما أن للمال زكاة، وزكاة الجاه الشفاعة الحسنة. أما فيما يخص القصاص - تحديدا - فيقول الحضيري: إن العفو بين المسلمين مستحب ندب إليه الرسول صلى الله عليه وسلم،وشفع فيه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو) وقد ورد أكثر من أثر دل على حبه صلى الله عليه وسلم للعفو، ولذلك أخذ العلماء من هذا استحباب الشفاعة والوجاهة في طلب العفو. وعن ضوابط هذا العفو يشير الحضيري إلى أنه ينبغي أن يضبط هذا العفو بأن لا يكون فيه تشديد كثير على ولي الدم بحيث يلزم بالعفو بما يشبه الغصب بالضغوط الشديدة المحرجة، ولكن يأتي ذلك بالطريقة التي تعينه على نفسه بتذكيره بفضيلة العفو وشرفه وتخويفه من مغبة الانتقام وعرض الفدية والدية المناسبة، وسوق الوجاهة عليه لتكبير شأنه؛ فإن ذلك مما يساعد على العفو ويدحر الشيطان، وأن يكون كل ذلك بما يعود على الصالح العام، ولا يكون فيه ضرر على المجتمع ولا أولياء المقتول. شروط ومقومات الوجاهة "الرياض" حرصت على التحاور مع بعض الوجهاء أصحاب التجربة الطويلة في قضايا الدم، والذين يمثلون الجانب المشرق في الوجاهة التي تحققت ضوابطها الاجتماعية لكون من يسعى فيها من المؤهلين لخوض غمارها لما يتميز به من صفات تجعله مؤثرا في المجتمع، ولذلك ذهبنا إلى هجرة ابن ثنيان للالتقاء بشخصية ذات وجاهة عالية فالشيخ فهد بن عبيد بن ثنيان يملك من القبول والجاه ولين الجانب وبراعة الحديث ما جعله مطلب أصحاب القضايا الكبرى لما عرف عنه من حل للمشكلات وحسم لعقدها في اللحظات الأخيرة، بعد أن يستعصي حلها وييئس الوجهاء من خلاصها. في البداية تحدث الشيخ فهد عن المؤهلين للسير في القضايا التي تحتاج إلى حل فاعل فقال: أرى أنه يقوم بها من يملك خلفية جيدة عن هذه المواقف، ويكون لديه خبرة كافية في هذا المجال، مثل شيوخ القبائل، والرجال الأكفاء أصحاب الرأي الوجيه، وأؤكد على ضرورة وجود صاحب الوجه المبارك والكلمة الطيبة. وعن سر نجاح شفاعاتهم يقول الشيخ فهد: هذا الأمر أراه توفيقا من الله قبل كل شيء، فهو الذي يهدي إلى الأسلوب النافذ في مثل وساطات عتق الرقاب وإصلاح ذات البين، ويؤكد قائلا: إن من أهم دوافعنا لبذل قصارى جهدنا اهتمام ولاة الأمر بهذه القضايا الإنسانية، فنحن عندما نرى توجيههم وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز، ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز- حفظهم الله - بإصلاح ذات البين وعلى تلاحم الناس، كل هذا يدفعنا لأن نبذل كل ما نستطيعه من جهود لنصل إلى حل أي قضية تطلب شفاعتنا فيها بعد إذن ولي الأمر. استفزاز النخوة وعن سبل الإقناع التي يسلكونها من أجل أخذ موافقة ولي الدم يقول الشيخ فهد بن ثنيان: قبل وصولنا إلى صاحب الدم نبحث عن المؤثرين عليه سواء من أقاربه أو ممن يكون صديقا له حتى وإن كان من قبيلة أخرى ثم بعد ذلك نبدأ ومن معنا بزيارة صاحب الدم،و يتقدمنا - كما تقضي عاداتنا - أكبرنا مقاما من الحاضرين، فيقول ما لديه من كلام، ثم بعد ذلك يفتح المجال للآخرين، وأكثر ما نبدأ فيه بعد بيان أجر العفو أننا نذكر أن أولياء الأمر يحثون على إصلاح ذات البين وعلى التسامح والترابط، وأننا جسد واحد في وطن واحد، ثم إذا كان من نحدثه شخصا له مواقف جليلة نعرفها، ذكرناه بها عند احتدام الطلب لتكون دافعا له لفعل الخير، ثم نقوم بنخوته وإثارة شهامته هو وأقرباؤه، وحينئذ يقوم كل من لديه كلمة طيبة مؤثرة فيقولها، وأغلب الحديث في تلك اللحظات يكون بصوت جهوري لنستفز نخوة ولي القتيل ونخوة المؤثرين عليه. وحول سؤالنا له عن القضايا التي كان يحسمها في اللحظات التي ييئس الحاضرون فيها من موافقة ولي الدم، أجاب ابن ثنيان: أنا أقدم في كثير من المواقف من معي بالحديث تقديرا لهم، وبعد أن ينتهوا أبدأ بما يهديني الله إليه من القول الذي يناسب المقام، وأنا لا أحضر هذا القول مسبقا، لأن القول المتصنع لا يلج القلوب، وإنما يأتي ما أقوله - لحظتها - عفويا كما يتطلب الموقف ويكون نابعا من القلب وصادقا؛ لأننا نتفاعل مع القضية وكأنها قضيتنا الشخصية، ونضع أنفسنا مكان من استعان بنا بعد الله، وفي نفس الوقت نقدر شعور من جئنا إليه لعلمنا بمصابه الجليل، ولذلك نتحمل - أحيانا - كلمات قاسية تخرج من هذا الشخص، ونتقبلها بصدر رحب من أجل كسب الموقف وإنهاء القضية. وعن سبب ارتفاع قيمة الصلح الذي يصل أحيانا إلى ملايين الريالات يقول ابن ثنيان: أنا لم أمر بمثل هذه المواقف، ولكن ما أسمعه قد يرجع إلى طمع أولياء الدم، فبعضهم قد يرفض الجاهة أو يماطل من أجل أن يتحقق طلبه. وأما بالنسبة لقضايا الشرف كأن يكون المقتول قد مات بسبب دفاعه عن شرفه الذي أراد القاتل الاعتداء عليه، يقول ابن ثنيان: أنا لا أسعى في مثل هذه القضايا لأنها تخالف قيمنا وعاداتنا العربية الأصيلة، والقضايا التي نسعى فيها -عادة - هي قضايا الدم التي يكون الجاني فيها تعرض لهذا الموقف نتيجة انفعال طارئ ولم يترصد أو تعمد القتل. معوقات الوجاهة ويرى ابن ثنيان أن العوائق التي تعترض هذه الوجاهة أحيانا لا يعرف سببا لها سوى إرادة الله ويضيف: نحن أحيانا نجد شخصا يصر ولا يقبل الأخذ والرد في موضوعه، ويكون متشددا في طلب حقه، ولا نلومه فذلك حق مشروع له. وأما أبرز العوائق الظاهرة لنا والتي نواجهها باستمرار فهي عائلة القتيل سواء إخوته أو والدته أو أخواته، وهؤلاء عادة يكونون منفعلين لحظة طلب العفو، وهم العقبة الكبرى في كثير من هذه القضايا، وانفعالاتهم - غالبا - لا تتجاوز الحد المعقول فمهما كان حجمها فإن احترام العادات والقيم العربية يحد منها، فهم يقدرون حق الزائر والضيف الذي له عند العرب قيمة كبرى، لذلك يضطرون إلى كتم غضبهم، لكنهم -أحيانا - لا يتنازلون وإذا تنازلوا فيأتي ذلك بعد جهد مضاعف، وهم لا يلامون فدم فقيدهم غال عليهم، ولهم الحق في المطالبة به، لكن نحن نستنجد بنخوتهم وشهامتهم. وعن عدد القضايا التي سعى فيها ونسبة نجاحها قال ابن ثنيان: في كل عام نسعى في وجاهات كثيرة، والنجاح يختلف في كل مرة فأحيانا نوفق في عدة قضايا، وأحيانا لا نستطيع، لكن المهم أننا لا نيئس، فقد نحاول في عشر قضايا ولا ننجح إلا في قضية واحدة، ومع هذا لا نتراخى، ونعتبر هذه القضية الواحدة مكسبا. أما أنسب وقت لزيارة أصحاب الدم فيقول: أكثر زياراتنا تكون بعد فترة طويلة من وقت القتل، وعندما لا يبقى على زمن القصاص إلا زمن قليل ثم ينفذ الحكم، وذلك لسببين أولهما: إلحاح أهل القاتل في هذا الوقت، والثاني: يكون هذا الوقت هو الأنسب؛ لأن أهل المقتول يكونون أكثر هدوءا بعد أن مر زمن طويل، فتكون حدة انفعالاتهم قد انخفضت نوعا ما. المتاجرة بالدم كما التقت "الرياض" بالشيخ برجس بن عرعر الضبيان فسألته عن أهمية الوجاهة في حل القضايا المشكلة وإصلاح ذات البين؛ فقال: انطلاقا من قوله تعالى: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) نعرف أهمية هذه الفضيلة، وفي الحديث النبوي: (إن الله يسأل العبد عن جاهه كما يسأله عن عمره؛ فيقول جعلت لك جاها، فهل نصرت به مظلوما أو قمعت به ظالما) وفي الأثر: (أفضل الصدقة أن تعين بجاهك من لاجاه له) والشفاعة مطلب مهم يقوم به وجهاء الناس من شيوخ العلم وشيوخ القبائل وأصحاب الرأي والكلمة المسموعة بالمجتمع الذين يحظون بقبول الآخرين قاصيهم ودانيهم، وكذلك يسعى في الوجاهة من ديدنهم الإصلاح بين الناس، ومن لهم مواقف مشرفة في نجدة من يحتاج إلى نجدة، إضافة إلى تحليهم بالأخلاق الكريمة والتعامل الراقي والتواضع وسعة الصدر التي تتطلبها هذه المواقف، ومن لم يكن مؤهلا للوجاهة فقد يكون وبالا عليها يعيقها بدلا من أن يسهل أمورها. ويتحدث الضبيان عن ارتفاع قيمة الصلح الناجم عن العفو في الدم فيقول: أحيانا صاحب الدم يلجأ إلى الأمور التعجيزية فيطلب الملايين، وهذه الظاهرة غريبة على مجتمعنا وغير محمودة، وقد أصبحت وكأنها متاجرة بالدم!! ويضيف: أتمنى أن تتكاتف الجهود لوضع سقف أعلى لهذه الظاهرة يحد من انتشارها، ويقلل من أضرارها وتبعاتها الكبيرة في المجتمع فيما لو استمرت هذه الحال. وعن الطرق المثلى لإقناع ولي أمر المقتول يقول الضبيان: أفضل ما يقنع به ولي الدم تذكيره بأجر الله وما جاء في فضل العفو في الكتاب والسنة ثم تذكيره بالقيم الإسلامية والعربية التي تدعو إلى التسامح والنخوة وبشيم الكرام في مثل هذه المواقف. بعد هذه الجولة تأكد لنا أن مجتمعنا السعودي مجتمع نبيل بفطرته وبقيمه، وأن تكافله الاجتماعي يكاد يكون الأروع على المستوى العربي والعالمي، وقد يتساءل بعضهم عن سبب هذا الحكم الذي أطلقناه، ونرد عليه بأن الواقع يثبت ذلك، وليس كلامنا من قبيل إطلاق الأحكام مجازفة، فإذا كنا نتشابه مع بعض الدول المتسامية في تكافلنا الاجتماعي على مستوى المؤسسات؛ فإن التكافل الذي يقوم به أفراد هذا المجتمع لا نظير له، فهذا التكافل والقيم النبيلة، والإيثار تتمثل أروع صورها في التطوع الإيجابي في الوجاهات التي تسعى لإصلاح ذات البين على مدار الساعة دون أن تستفيد من مساعيها ماديا بل يقوم هؤلاء الوجهاء بالدفع من جيوبهم قيمة رحلاتهم، وكثيرا ما يشاركون في دفع قيمة الصلح، فضلا عن التعب الذي ينتابهم من هذه الرحلات المكوكية. ومن الملفت أن نجد شخصا معاصرا معروفا من أهل المدينةالمنورة يشارك في الوجاهات بشكل دائم، وكذلك يأتي إلى ساحات القصاص فيعرض ماله في كل مرة لإنقاذ هؤلاء المحكومين من تنفيذ الحكم فيهم حتى غدا مضرب مثل في هذه المواقف النبيلة! ولا يقتصر نبل المجتمع السعودي على هذا فحسب، بل يتجلى في رفضه كل ما يخدش جمال هذا النبل، والدليل تضجر مجتمعنا من مبالغ الصلح الضخمة التي برزت في الآونة الأخيرة، ورفضه لهذه الظاهرة التي تشكل نشازا بين قيمنا السامية!!