تعاني بلدة ثاج التابعة لمحافظة النعيرية من عزلة، فرضها عليها موقعها في وسط صحراء محافظة النعيرية، إضافة إلى ضعف شبكة الاتصالات الهاتفية في البلدة الأثرية، التي يعود تاريخها إلى نحو خمسة آلاف عام. وتفاقمت عزلة ثاج بسبب رداءة الطرق، إضافة إلى غياب إدارات خدمية مهمة عنها، لعل أبرزها الدفاع المدني والشرطة والهلال الأحمر. وتعد مدينة الجبيل الأقرب إليها، على رغم انها تبعد عنها مسافة 95 كيلومتراً، فيما تبعد عنها النعيرية نحو مئة كيلومتر. وعلى رغم كثرة المطالبات التي رفعها الأهالي إلى الجهات الخدمية، إلا أنهم لم يتلقوا سوى وعود بتوفير تلك الخدمات، التي يراها الأهالي"ضرورية جداً". ويستغرب سكان ثاج، البالغ عددهم 2500 شخص عدم وجود برج لتقوية شبكة الجوال إذ يبعد أقرب برج عن البلدة نحو عشرة كيلومترات، ويوجد في بلدة الصرار. وذكر أحد مسؤولي شركة"الاتصالات السعودية"للأهالي الذين راجعوها، مطالبين بإنشاء برج في بلدتهم، أن هذا البرج"يغطي مسافة 17 كيلومتراً"، لكنهم فعلياً لا يستفيدون منه، إلا حين تتحسن الأحوال الجوية، ما يعرضهم لكثير من الحرج مع المتصلين بهم، الذين لا يعلمون عن سوء الخدمة في بلدتهم. كما أن الحي الذي يسكنه جاسر القحطاني"لا توجد فيه خدمة إرسال نهائياً"، ويقترح على شركة الاتصالات"في حال كانت هناك صعوبة في إقامة برج للجوال، أن تقوم بحل جزئي، يتمثل في وضع ريشة تقوية الإرسال على أحد المباني العالية في البلدة، كبرج المياه أو برج الهاتف الثابت". ويجد أحمد العازمي صعوبةً مزدوجةً مع ضعف خدمة الموبايل في البلدة، فعمله يتطلب أن يكون مستعداً خارج أوقات الدوام. ويقول:"قد يتم استدعائي في أي وقت، ويطلب مني المسؤولون في العمل أن لا أغلق هاتفي، وأن أكون مستعداً لأي طارئ، ولكن لا توجد خدمة في منزلي، لذا أترك الهاتف في السيارة، وبين فترة وأخرى ألقي نظرة عليه"، مضيفاً"على رغم ذلك، لم أسلم من عتب زملائي في العمل، لتأخري في الاستجابة لاتصالاتهم". ويعاني الأهالي أيضاً بسبب رداءة الطريق الوحيد الرابط بين البلدة والصرار، الذي شهد حوادث مرورية، نجم عنها إصابات ووفيات. وتكثر في الطريق الحفر والتشققات. ويحمّل الأهالي وزارة النقل مسؤولية الحوادث التي تقع لهم في الطريق. وشهدت الحوادث تزايداً خلال الفترة الماضية، بعد نفاد العمر الافتراضي للطريق، وكثرة مرور الشاحنات عليه، التي تقل حمولات زائدة، إذ يفتقد الطريق لميزان ونقطة مراقبة لمنع الحمولات الزائدة للشاحنات، ما جعل غالبية الأهالي يمتنعون عن السفر على الطريق ليلاً، بسبب خطورته. كما طالبوا بإنشاء طريق بين ثاج والحناة، مُعبد بالإسفلت، بدلاً من الطريق الحالي الترابي. وتفصل بين البلدتين مسافة تُقدر بنحو عشرة كيلومترات، كما طالبوا بدمجه في الطريق الحديث، الذي ينطلق من مدينة الجبيل، ويلتقي بطريق ثاج ? الصرار، على مسافة خمسة كيلومترات شمال ثاج. ويشير الملعبي، الذي يقطع المسافة يومياً بين ثاج والحناة، حيث مقر عمله، إلى خطورة الطريق. ويذكر"خلال الصيف ومع هبوب الرياح وتحرك الرمال، تضيع معالم الطريق، ما يسبب حوادث انقلاب المركبات، أما في الشتاء، فتكثر حوادث الانزلاق، خصوصاً بعد هطول الأمطار"، مضيفاً"تعرضت أثناء انتقالي بين البلدتين لأكثر من ثلاث حوادث انقلاب، بسبب الانزلاق"، مطالباً وزارة النقل ب"ربط الهجرتين بطريق أسفلتي، لكثرة مرور الأهالي بهذا الطريق، وبخاصة المعلمين والموظفين في الجبيلوالدمام". وتبدو حال طلاب مدارس المرحلتين المتوسطة والثانوية أصعب من بقية سكان البلدة، بسبب اضطرارهم إلى الانتقال يومياً إلى الحناة، لعدم وجود مدارس في قريتهم. ويذكر جاسر القحطاني أنهم"يودعون أسرهم يومياً، خوفاً من أن يكون آخر لقاء بينهم". وبأسى، يتذكر مرزوق الملعبي أشخاصاً يعرفهم من بلدته، فارقوا الحياة في حوادث مرورية تعرضوا لها في الطريق بين ثاج والحناة، محملاً وزارة النقل"مسؤولية الأرواح التي أُزهقت في هذا الطريق"، مضيفاً"كل ما نأمله أن تعالج الوزارة وضع الطريق، بإجراء صيانة عاجلة له، على أن تقوم في وقت لاحق، ولكن قريب، بإنشاء طريق يحوي كل مواصفات السلامة". ولا تقتصر نواقص ثاج على الاتصالات والطرق، فالبلدة تفتقد لإدارات خدمية أخرى، مثل مركز للدفاع المدني وآخر للشرطة وفرق إسعافية تابعة للهلال الأحمر، للتعامل مع الحالات الطارئة، ويقول مبارك الملعبي:"المسافة البعيدة التي تفصل بين ثاج والمدن التي توجد فيها الخدمات، فضلاً عن رداءة الطريق وضعف الاتصالات، يحتم وجود فروع لتلك الجهات في البلدة، للتعامل مع الحالات الطارئة، سواء التي تحدث في ثاج، أو في المنطقة في شكل عام، وبخاصة في الطريق الواصل بين المنطقة الشرقية ووادي المياه التابع لمحافظة النعيرية، الذي يتفقد لمركز دفاع مدني وهلال أحمر، على طول مسافة الطريق البالغة نحو 150 كيلومتراً، وهو يمر بمنطقة صحراوية وعرة، تكثر فيها الماشية ما يزيد من خطورة الطريق". بدوره، ذكر رئيس مركز ثاج سيف العازمي، أن"إدارة المركز بعثت عشرات الخطابات، التي شارك المواطنون في توقيعها، مطالبةً بتوفير الخدمات الناقصة في البلدة، مثل مركز الدفاع المدني، وبرج شبكة الموبايل، وربط طريق ثاج بهجرة الحناة بطريق إسفلتي، ولكن لم يصدر حيالها أي قرار حتى الآن". رمالها تُخفي 5 آلاف عام من الحضارات تحتفظ رمال ثاج بكثير من الأسرار التاريخية، التي تعود إلى نحو ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، والقليل منها تم اكتشافه من جانب موظفي شركة"أرامكو"غير السعوديين، خلال رحلات التنقيب، التي قاموا بها في المنطقة قبل عقود، وما تبعه من حفريات قام بها فريق من الإدارة العامة للآثار والمتاحف خلال خمسة مواسم، بدءاً من العام 1983، والتي كشفت عن أدوات وأوانٍ مصنوعة من الخزف والفخار والمرمر والعاج وقطع من النحاس والبرونز والحديد وبعض العملات، وهو يُعد نقطة من بحر حضارة، انطلقت قبل خمسة آلاف عام، وصولاً إلى القرن الرابع الهجري. وتقع ثاج على بعد 300 كيلومتر شمال مدينة الدمام. ويرجع مؤرخون بناء المدينة إلى الفترة الإغريقية المعروفة بالعصر السلوقي، الذي بدأ إثر فتوحات الاسكندر المقدوني سنة 330 قبل الميلاد، وإن كان البعض يعود بها إلى ما قبل هذا التاريخ. واكتسبت ثاج أهمية بارزة في توفير الخدمات التجارية، واعتمد الاستيطان فيها على النشاط الزراعي والرعوي، وما يرد إليها من سلع من طريق تجارة القوافل. وشهدت المدينة خمس مراحل للاستيطان، منذ ما قبل التاريخ، مروراً بالفترة الأشورية والبابلية المتأخرة، والأخمينية الممتدة من سقوط الدولة البابلية الثانية، وحتى ظهور الاسكندر العام 332 قبل الميلاد. واستمر الاستيطان خلال الفترة الهلينستية، التي تُعد أغنى الفترات في المخلفات الأثرية وأهمها. واستمر الاستيطان إلى الفترة البارثية والساسانية، وكانت معروفة في بداية العصر الإسلامي، إلا أنها فقدت شهرتها بعد انتقال التجارة منها إلى هجر. وتظهر ثاج الأثرية من أعلى مدينة متكاملة، محاطة بسور يبلغ طوله 2535 متراً، وعرضه 4.5 متر، مدعماً بأبراج، وتقع داخله وحدات معمارية، إضافة إلى عدد آخر خارج أسوارها، واكتشف فيها 15 بئراً داخل السور وسبع خارجه. وتشغل ثاج نحو 20 كيلومتراً مربعاً، وهي تتبع محافظة النعيرية إدارياً، وتعد واحدة من نحو 400 موقع أثري في المنطقة الشرقية، يعود إلى فترات مختلفة منذ العصور الحجرية، وحتى أواخر العصر الإسلامي.