يرى المواطن السعودي والعربي في خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أباً حنوناً ومعلماً متسامحاً وقائداً شجاعاًً. ويرى العالم فيه صديقاً مخلصاً وشريكاً وفياً وقائداً عظيماً يعمل على نشر الاستقرار والأمن في المنطقة. هكذا تحدث السفير الروماني في السعودية الدكتور يون دبوريتش عن خادم الحرمين الشريفين، مستمداً رأيه من خلال متابعته لمسيرة خادم الحرمين الشريفين منذ كان ولياً للعهد. وتفاخر السفير الروماني في لقاء مع"الحياة"بعلاقة بلاده التاريخية بالسعودية، منذ أن كان الرومان يطلقون عليها اسم"المملكة السعيدة". واستبعد كذلك أن تؤثر الأحداث الأخيرة التي راح ضحيتها خمسة من المقيمين الفرنسيين، في مخططات المقيمين الغربيين في ما يتعلق بمستقبل إقامتهم في السعودية، وتحدث كذلك السفير الروماني خلال هذا اللقاء عن حقيقة الهدف من استقدام الأجانب إلى السعودية، الذين اعتبر أنهم قدموا لمساعدة السعوديين في أعمالهم، وليس لأخذ مناصبهم أو فرصهم كما يعتقد البعض. وهنا نص الحوار الذي دار معه: كيف تصفون العلاقات السعودية الرومانية؟ وما هو تاريخها؟ ? العلاقات الرومانية السعودية جيدة جداً، وهي تشمل كل المجالات سياسية كانت أو اقتصادية أو علمية أو ثقافية. وكما تعلمون أقامت المملكة علاقاتها الديبلوماسية مع رومانيا ودول أوروبا الوسطى في النصف الأول من شهر آذار مارس عام 1995، نحتفل هذا الشهر بمرور 12 عاماً على هذا الحدث التاريخي، لكن عمر الاتصالات التجارية والإنسانية بين شعبينا أقدم بكثير من ذلك، إذ أقام الرومان القدامى علاقات نشطة مع المنطقة المطلة على البحر الأحمر وسموها"آرابيا فيليكس"بمعنى العربية السعيدة. ما هو الجانب الأبرز الذي تسعى رومانيا إلى تعزيزه في علاقاتها مع السعودية؟ ? تسعى رومانيا إلى تعزيز وتوسيع علاقاتها مع المملكة في الميادين كافة، وتحويلها إلى شراكة حقيقية، نظراً إلى المصالح المشتركة وتكامل اقتصاد البلدين. إذ كانت رومانيا البلد الأوروبي الأول الذي اكتشف النفط فيه وبدأت استخراجه وأنشأت المصافي لتكريره. كما اكتشفت احتياطياً كبيراً من الغاز الطبيعي، وبنت مجمعات بتروكيماوية لتصنيع النفط والغاز، واكتسبت خبرة واسعة في أعمال التنقيب والاستخراج وتصنيع هذه الثروات المعدنية وتصنيع المعدات والتجهيزات للصناعة النفطية. كما طوّرت رومانيا صناعات مختلفة منها التعدينية والأسمدة الكيماوية وإنتاج الأسمنت والسيارات والجرارت والطائرات وغيرها. ولنا خبرة جيدة في مجال إنتاج الطاقة بما في ذلك الطاقة النووية، وتملك رومانيا أحد أكبر المصانع لإنتاج الماء الثقيل المستعمل في المفاعلات النووية. وتتمتع رومانيا بخبرة عالية في إنتاج قاطرات وعربيات السكك الحديد، وهي تصدر هذه المنتجات إلى الدول العربية، وتسهم في إنشاء محطات التصليح والتجميع في هذه الدول. ولا ترغب رومانيا أن يقتصر دورها على المصدِّر للمملكة بل تسعى إلى نقل العلم والتكنولوجيا إليها. كيف تصفون الزيارات الأخيرة التي قام بها بعض زعماء أوروبا إلى السعودية في أوقات متقاربة؟ ? أنا أعتبر هذا أمراً طبيعياً واعترافاً أوروبياً بالدور المهم الذي تلعبه المملكة لإقرار الاستقرار والسلام في هذه المنطقة. وبفضل قيادتها الحكيمة وديبلوماسيتها الهادئة والعقلانية فرضت السعودية نفسها كعنصر للسلام ومولدٍ للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط والخليج. ونظراً إلى عامل الجوار بين أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط والمصالح المشتركة، ومنها مصلحة الحفاظ على السلام الدولي ومسؤولية أوروبا في تحقيق هذا الهدف النبيل، شهدنا في الآونة الأخيرة تكثيفاً للاتصالات على أعلى المستويات، حتى أصبحت الرياض عاصمة سياسية عالمية. والمهم أن جميع اللقاءات في الرياض خرجت بنتائج ناجحة للغاية، إذ أبدى كل الزوار الكبار تقديرهم لخادم الحرمين الشريفين وقيادة المملكة ومقترحاتها البنَّاءة. هل يعتبر التبادل التجاري بين البلدين منصفاً مقارنة بالعلاقات القوية؟ ? تحتل المملكة المرتبة الثانية في تبادل رومانيا التجاري مع العالم العربي بعد مصر. إلا أن هذا الحجم الذي لا يتجاوز 200 مليون دولار، ليس على المستوى المرغوب فيه ولا يمثل القدرات الاقتصادية الحقيقية للبلدين، ومن هنا كان الحرص المشترك لزيادته. ما هي أهم عوامل الجذب في رومانيا؟ وما هي المميزات التي يحظى بها زائرها من العائلات السعودية وغيرها؟ ? عوامل جذب الزائر في رومانيا سعودياً كان أو من بلد صديق آخر كثيرة جداً ومتنوعة وتلبي أذواق جميع الزوار. رومانيا تتمتع بجمال طبيعتها الخلابة وجبالها الشامخة المغطاة بأشجار الصنوبر والزان، وبمياهها المعدنية التي تعالج عدداً من الأمراض، إضافة إلى حسن الضيافة. ماذا يمكن أن يضيف دخول بلدكم الاتحاد الأوروبي إلى كل من البلدين؟ ? أصبحت رومانيا أخيراً عضواً كاملاً في الاتحاد الأوروبي، والسعودية عضو مؤسس وفاعل في مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وكما هو معروف فإن العلاقات القائمة بين المنظمتين الاقتصاديتين قوية وتشهد نمواً متصاعداً. وتحرص رومانيا على تعميق علاقاتها مع المملكة على الصعيد الثنائي، وكذلك على مستوى الاتحاد الأوروبي على أسس المصلحة المشتركة ولخير الشعبين. وأنا أعتبر أن دخولنا إلى الاتحاد يفتح لنا أفقاً أوسع لتعزيز التعاون بيننا. هل تعتقدون أنه من واجب بلدكم كصديق قديم للعالم العربي العمل على تعزيز علاقات أوروبا بالعالمين العربي والإسلامي؟ وكيف ذلك؟ ? اتجاه أوروبا نحو توطيد روابطها مع العالمين العربي والإسلامي ليست وليدة الوقت بل هي عريقة ومتواصلة. والزيارات الأوروبية المتكررة للسعودية هي جزء من هذا الاتجاه. أشكركم لتسمية رومانيا صديقاً قديماً للعالم العربي، وهذا أمر حقيقي نتفخر به، ورئيس رومانيا أكد أخيراً عزم بلادنا على تعزيز أواصر الصداقة والتعاون مع الدول العربية. كيف تصفون علاقات العالمين العربي والإسلامي بالعالم الغربي حالياً؟ ومن تعتقدون أنه يتحمل المسؤولية في ذلك؟ ? أنا أعتبر هذه العلاقات طبيعية وتتجه إلى الأفضل. ويجب علينا ألا نتوقف أمام بعض المشكلات العابرة، وإذا حدثت بعض الأحداث المؤلمة والمؤسفة فذلك ليس ذنب العالم الغربي أو العربي، بل أكثر من هذا يجب على دول العالم بأسره التعاون من أجل التغلب على هذه المتاعب. فالعالم أصبح صغيراً ويواجه تحديات مشتركة، أُضيف إليها أخيراً موضوع الاحتباس الحراري، والحلول لا تكون برمي الكرة في ملعب الآخر، بل بالجلوس ومحاولة إيجاد الحلول الملائمة. ذكرتم أنكم حريصون على استقطاب الطلبة السعوديين وتشجيعهم على الدراسة في بلدكم، ألا تعتبر اللغة عائقاً أمامهم؟ ? أنا أفُضِّل كلمة تشجيع الطلبة السعوديين على الدراسة في رومانيا، لأن القرار النهائي يعود إلى الطالب وإلى عائلته. أود فقط أن أشير إلى أن اللغة ليست عائقاً أمامهم، أولاً لأن التدريس للأجانب في رومانيا يتم باللغة الإنكليزية، وثانياً لأن تعلم اللغة الرومانية سهل للغاية، بحسب عشرات الآلاف من العرب ومن بينهم سعوديون درسوا أو أقاموا في رومانيا للعمل ولو لمدة قصيرة، ونظراً إلى وجود جامعات في المدن الرئيسية السعودية أميل إلى تشجيع خريجي هذه الجامعات على إكمال دراستهم في رومانيا للتخصص، وذلك لما تتمتع به رومانيا من شهرة وتقدير عالميين، خصوصاً في مجال الطب والصيدلة والهندسة بكل أنواعها، وكذلك إدارة الأعمال والبنوك والمعلوماتية. كم يبلغ عدد مواطنيكم المقيمون في السعودية؟ وهل من خطط لجلب العمالة الرومانية إلى السعودية؟ ? لا يتجاوز عددهم في الوقت الحالي 330 شخصاً، وهم يتركزون في الرياض والمدن الرئيسية الأخرى. وقد يكون عددهم أكبرمن هذا، لأنه تنقصنا الإحصاءات الدقيقة، إذ تعاقد بعضهم مع شركات سعودية أو أوروبية متوزعة في كل أنحاء المملكة، ولم تتوافر لهم الفرصة حتى الآن لزيارة السفارة. ويعمل غالبيتهم في ميادين الصحة والهندسة المدنية وصناعة النفط والمعلوماتية والاتصالات. وفي ما يتعلق باستقدام العمالة الرومانية فهو خيار متاح أمام المؤسسات والشركات السعودية وفقاً لحاجات هذا البلد، ويتم اختيار العمالة من الكفاءات وأصحاب الشهادات من المعاهد والجامعات. فالمقيم الروماني لم يأت للمملكة ليحل محل مواطن سعودي، بل جاء ليساعد في إنجاز المشاريع الطموحة التي تنفَّذ في السعودية، والتي تتطلب تعاون الخبير الأجنبي مع المواطن السعودي. وخلال الفترة التي يقضيها في السعودية يحرص المواطن الروماني أن ينقل خبرته إلى زميله السعودي ليسلمه مسؤولية الإشراف على المشاريع التي بنوها سوياً. وأتمنى أن يزداد عدد المقيمين الرومان في السعودية، انطلاقاً من ثقتي في جودة ومتانة التعاون بين العنصرين الروماني والسعودي. ما معوقات الإقبال على العمل في السعودية بالنسبة إلى رعاياكم بحسب وجهة نظركم؟ ? أنا لا أعتقد بأنه توجد معوقات لا يمكن التغلب عليها. المهم هو التوافق بين حاجة سوق العمل السعودية وقدرة تلبية رومانيا لها. أقصد بهذا أن انضمام رومانيا إلى الاتحاد الأوروبي يسمح بالتنقل الحر للعمالة الماهرة داخل الاتحاد، الأمر الذي يفرض للأجهزة الرومانية المختصة إيجاد الحوافز لإبقاء هذه العمالة في رومانيا. لهذا السبب أنا أُفضِّل الاتصال بين الوزارات والمؤسسات الاقتصادية والعلمية والجامعات في كلا البلدين والاتفاق على صيغ التعاون بينها. أنا أريد أن يأتي إلى المملكة خبير يفيد عمله المملكة، ويكون معلماً لزملائه السعوديين وينقل إليهم كل ما يعرفه في مجال تخصصه. هل غيَّر الاعتداء الذي تعرض له الفرنسيون أخيراً من خطط الأوروبيين المقيمين في السعودية في ما يتعلق بمستقبل إقامتهم في السعودية ومدتها؟ ? أنا لا أريد أن أعلق على هذا الحدث المؤلم قبل انتهاء التحقيقات التي تقودها السلطات السعودية المختصة وكشف ملابسات هذا العمل الإجرامي. لكن الأمر الذي أريد أن أشيد vبه، هو موقف الشارع السعودي الرافض للاعتداء والمتضامن مع أسر الضحايا الأبرياء، وهو ما يعكسه الرأي العام السعودي الذي يذكرني ببعض الروايات عن ضيافة البدو في السعودية، الذين يكرمون الزائر ويحسنون ضيافته لثلاثة أيام قبل أن يسأله أحد عن قومه أو جنسيته. ومن هذا المنطلق أعتقد أن هذا الحدث لن يأثر في سريان الحياة في المملكة ولا في ارتباطات المقيم الأجنبي بهذه الأرض وهذا الشعب. ما هي أهم الأهداف التي تعملون على تحقيقها كسفير لبلدكم في الرياض؟ - هدفي الرسمي والرئيسي هو الارتقاء بالعلاقات الرومانية - السعودية إلى أعلى المستويات. هذه هي مهمتي وهذه هي الإرادة السياسية لقيادتنا في بوخارست. ويجب الإشارة إلى توافق مواقف الحكومة والمعارضة في رومانيا العزم على تعزيز العلاقات الرومانية - السعودية. يضاف إلى هذا هدف عاطفي وهو كوني متخصص في الأدب والثقافة العربية، وحاصل على دكتوراه في اقتصاد المشرق العربي، آمل أن أسهم في بناء روابط مميزة بين رومانيا والمملكة. كيف يقضي السفير أوقات فراغه وإجازاته داخل المملكة؟ وما هي أبرز هواياته؟ ? حقيقة ليس لدي وقت فراغ كبير، وهذا ليس بسبب كثرة العمل بل بسبب عدم التخطيط الجيد لهذا الأمر. يضاف إلى هذا أنني الديبلوماسي الوحيد في سفارتنا الذي يعرف ويتكلم اللغة العربية، ويعود إلي الشرف لقراءة الصحف ومتابعة الإذاعات والقنوات السعودية والعربية. وهوايتي الرئيسية هي قراءة كتب الأدب العربي والتاريخ والجغرافية والاقتصاد. كيف يصف السفير الروماني السعودية بشكل عام؟ ? لو كنت شاعراً أو مؤلفاً لاخترت أجمل الكلمات لوصف هذا البلد ورجاله. فسأجيبكم كديبلوماسي وأقول إن السعودية مهد اللغة والحضارة العربية، ولها مستقبل مشرق بفضل الثروات المتوافرة فيها، وأهمها الثروة البشرية. ويسرني أن أمثل رومانيا في بلد مثل السعودية وأعتز بالصداقة التي تربط شعبينا. كيف تنظر أوروبا إلى السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز؟ ? سبق لي أن عملت في المملكة قبل تسع سنوات وتابعت شخصية خادم الحرمين الشريفين منذ كان ولياً للعهد، وأستطيع القول إن حبه للعمل الدؤوب لخير شعبه والعالمين العربي والإسلامي وقضية السلام والتنمية في العالم لم يتغير. ويرى المواطن السعودي والعربي في خادم الحرمين الشريفين أباً حنوناً ومعلماً متسامحاً وقائداً عظيماً. ويرى العالم فيه صديقاً مخلصاً وشريكاً وفياً يعمل لنشر الاستقرار والأمن في المنطقة العربية والخليج. كلمة أخيرة تحب أن توجهها للمقيمين في السعودية بشكل عام؟ - كونوا مخلصين لوطنكم الأم ولهذا البلد الصديق، واعتبروه بلدكم الثاني. وأود أن أضيف إلى الأخوة المقيمين الرومان ألا ينسوا أنهم سفراء الثقافة والحضارة الرومانية.