في ليلته التي عنونت ب"ليلة قاسم"، التي أقامها نادي الرياض الأدبي مساء الأربعاء الماضي، سحر الشاعر البحريني الكبير قاسم حداد ألباب الحضور الكثيف، الذي شهدته قاعة المحاضرات وقاعة النساء المجاورة، التي شهدت للمرة الأولى حضوراً نسائياً عاماً، إذ ألقى عدداً من قصائده الجديدة والقديمة، وفي الوقت الذي طالبت فيه مداخلات عدة أن تُخصَّص الأمسية للشعر وحده ولبّاها الشاعر غير مرة، جذبت آراء قاسم اهتمام الحضور حول قضايا متعددة تعرضت لها مداخلات كثيفة مثل قضايا"موسقة"الشعر وشعر النثر والشعر النبطي، والمسابقات الشعرية وتمازج الشعر مع الفنون البصرية الأخرى. افتتحت الأمسية التي أدارها نائب رئيس نادي الرياض الأدبي الدكتور عبدالله الوشمي، بقصائد مشحونة بالشجن والحب والوفاء كما في قصيدة"جدارية للشخص الوسيم"التي كتبها لصديقه الراحل صالح العزاز، إضافة لقصائد أخرى ومقاطع قصيرة من"أيقظتني الساحرة". وتخللت الأمسية مداخلات أشادت بتجربة الشاعر الكبيرة من عدد من القامات التي حضرت الأمسية، كسعد البواردي، الذي وصفه بأنه عملة نادرة في زمن ندرت فيه النوادر، وأنه قاسم مشترك أعظم بين العقل والوجدان، وأضاف أن في شعره روحاً متوهجة لا تحرق، وفي حدته جد وفي محرابه تبتيل شاعر. وجاءت شهادة الأديب عبدالقدوس صالح الأنصاري، لتقول إننا أمام قامة شعرية عتيدة، كما وصف شعره بالمنهك الممتع وأنه يحقق جانب الصورة الشعرية بشكل مذهل. كما حظيت الأمسية بمداخلات عدة من شعراء وشاعرات، مثل إبراهيم الوافي وهدى الدغفق وبدر المطيري وميسون الخواجة وأحمد الواصل وليلى الأحيدب، التي قدمت شكر إدارة تعليم البنات للضيف على مشاركته في كتيب شعري وزع على طالبات منطقة الرياض. تحدث قاسم عن تجربته النثرية وعن شعر النثر، وقال إنه يذهب للنثر بشروط الشاعر لا الشعر، وبهذا الشكل ينسجم مع نفسه ويهيئ للقارئ مناخاً ممتعاً. ودافع عن غموض القصيدة، مستشهداً بأن شاعراً فرنسياً تمنى أن يكون لقصيدته معان بعدد قرائها. فيما تابع ردا على سؤال حول طقوسه الكتابية أنه كان في السابق يكتب القصيدة دفقة واحدة، وضرب مثالاً بيوانه"قلب الحب"الذي استغرق أسبوعاً كاملاً، وأضاف أن الوضع تغير الآن، كما اعترف قاسم أنه جرب مرة الكتابة في الظلام. وعن إشكالية شعر النثر والشعر العمودي، قال إنه ليس له موقف من قصيدة النثر ولا العمودي،"فلا أتعصب لهذا ولا أرفض تلك"، وذكر أن الشعر العربي مرّ بتحولات ولا يجب أن نقف أمام التجارب والأشكال الجديدة، مؤكداً أن الشعر هو المعنى وليس الشكل. وأضاف أنه لا أحد يناقش الآن قضية الشعر العمودي أو النثر، وعلينا أن نتفهم حساسيات وحاجات الأجيال الروحية المتحولة، وتساءل"من قال إن اكبر منك أعلم منك وأكثر تجربة؟"، مضيفاً أن أبناءه يربون حساسيته وذائقته. وفي سياق آخر، قال:"إن ذائقتي ليست قانوناً، فلا أستطيع أن أنفي الشعرية عن أي أحد يكتب خارج الأوزان"لكنه استدرك أن على هؤلاء مضاعفة جهودهم، كونهم يكتبون بلا أسلحة الشعر التقليدية. أما عن موسقة الشعر، فقال إن الموسيقى أحد شروط الشعر، ولا يستطيع أي شاعر الهروب منها، كما أن اللغة هي أس البحور الشعرية، وكل شاعر جاء على الأوزان أو لم يجئ، فقد أضاف حسه الموسيقي لها. وأضاف أنه لم يشعر قط أن اللغة عاجزة عن التعبير. وعن تعبير الطفرة الروائية أو زمن الرواية، قال إنه تعبير اقتصادي لا يتصالح معه،"فليس هناك زمن للشعر وزمن للرواية فعدد الإنتاج ليس قيمة". فيما ذكر أنه لا يجب الخوف من الشعر النبطي، مضيفاً أنه نمط تعبيري، وتابع أن منع التعبير به هو الخطر. وعن مسابقات الشعر، قال إنها نوع من الاجتهاد الإعلامي، ولا يجب أن يرفض من حيث المبدأ، ولا قلق على الشعر منها. أما بشأن مشاركة الشعر مع الفنون الأخرى، فأوضح أنه لم يكن لأجل التسويق،"لكنه ضرب من ضروب الحوار الإبداعي وفيه غنى لكل فن مشارك"، وأضاف أن المتعة البصرية هي ما يحفزني على الشعر،"وأنها تعرضت للتهميش عبر تاريخنا العربي، وهذا سبب تعثرنا في الفنون البصرية والسينمائية". ورداً على سؤال حول السر الذي جعله شاعراً، قال للسائل:"أرجوك لا توجه هذا السؤال لشاعر، الشعر ليس قراراً"، ما دفع الحضور إلى التصفيق. ووجه قاسم نصيحة إلى الشعراء بألا يثق في نفسه كثيراً، وأن يقلق أكثر، وقال إن الحرية هي هم الجميع وليس الشاعر فقط. وختم الشاعر أمسيته، التي امتدت زهاء ساعتين بقصائد تمنى الجمهور ألا تنتهي، مثل"قل هو الحب"و"فهدا .. فهدا"و"بنات آوى".