اكتظت موائد الإفطار، التي أقيمت بعد الانتهاء من صلاة العيد في قرى الأحساء، بالمعايدين، في صورة اجتماعية تكررت في السنوات القليلة الماضية، لتصبح من الأمور الرئيسة التي يبدأ بها العيد أول أيامه. وتتكفل بإعداد الموائد لجان أهلية وجمعيات خيرية تابعة للقرى، عمدت إلى صنع مائدة كبيرة تضم أبناء البلد الواحد، على رغم ضخامة العدد الوافد إليها، ولتفادي أي فوضى يتم تشكيل لجان مختصة تقوم بتنظيم التقديم في صورة جيدة، وغالباً ما تكون تلك اللجان من المتطوعين. وتختار بعض الأسر الكبيرة تناول وجبة الإفطار في بيت العائلة الرئيس، وغالباً ما يحضر إليه أفراد العائلة من الجنسين، وتبدأ تلك الأسر إفطارها بوجبة"العصيدة"الشعبية في صورة ساخنة ومليئة بالبهارات مع أطباق شعبية أخرى مثل خبز الرقاق والتمر واللبن والحليب والزنجبيل. وما زال المجتمع الأحسائي محافظاً على تبادل التهاني في شكل وفود يتقدمها رئيس العائلة ووجهاؤها في صورة رسمية، وغالباً ما تكتفي هذه الأسر بتقديم التهاني والرحيل مبكراً من أجل كسب بعض الوقت وإفساح المكان لوفود أخرى. ولابد أن تجتمع الأسر الكبيرة على مائدة الغداء في منزل العائلة الرئيس، ويساهم في إعداد تلك الوجبة جميع الأسر المنتمون للعائلة. ولم ينفِ هذا التوجه من جانب الأسر الحاجة إلى المطاعم، إذ شهدت المطابخ تزاحماً كبيراً، ما يفرض عليها الاستعداد المبكر لتغطية حاجة الناس لوجبة الغداء، ويذكر البعض أن عادة المعايدة تقف حاجزاً أمام إعداد المائدة، ما يجعل الأسر تبحث عن طعامها في المطابخ والمطاعم، اللتين يضيقان بالزبائن في يوم موسمهما التجاري الحافل، ولا يتفاجأ المستهلك بنفاد أصناف معينة كالمندي لشدة الطلب عليه ليرضخ لأي صنف يمكن أن يفي بالغرض. وكان العيد في الأحساء هذا العام هادئاً متناسباً مع هدوء الطقس وجماله، الذي جاء في بداية الصباح برذاذ خفيف ونسمات باردة وجو غائم، إلا أنه لم يمنع المعايدين من التنقل في الشوارع، وتبادل الزيارات، وأغرى الكثيرين بالخروج في رحلات برية عائلية وشبابية. ويبرر محمود يوسف الفتور، الذي صاحب احتفالية العيد، بأنه"من عوامل الزمن فكل شيء يتغير حتى العيد". ويضيف"غالبية الشبان يرى في عيد الأضحى أنه مناسبة شبه عادية بل يسميه البعض بعيد الحجاج، فهم أكثر فرحاً منا به لاتصالهم المباشر بمناسك خاصة". ويرى جعفر موسى أن"السبب الرئيس لعزوف الشبان عن المشاركة الفعلية في احتفالية العيد، يرجع إلى سهر غالبيتهم حتى الساعات الأولى من الفجر". ويتجه الشبان إلى الاستراحات والمزارع، و"هي عادة قديمة إلا أنها تطورت في شكل غريب جداً، وأصبحت تغري شريحة كبيرة من الشبان الذين يختارون الفراش صباحاً على الامتزاج مع المجتمع في احتفاليته السنوية"بحسب موسى. وتستقبل البيوت الأحسائية العيد قبل يومين، إذ ترتدي البيوت زينة خاصة تبدأ بغسلها، فالمتنقل بين طرق القرى وشوارعها، يلحظ الإسراف الكبير في كميات المياه المهدرة على تنظيف المنازل. ولا تتحمل النساء وحدهن غسل المنازل، وإنما يشاركهن في مسؤولية التنظيف الرجال والأطفال. وتستغل البيوت الإنارة الخارجية فلا يمكن أن يبقى بيت في ليلة العيد من دون إشعال الإنارة بكاملها، وتزيينه بلوحات التبريك والتهاني لحلول العيد. وقبل يوم العيد اختنقت المشاغل النسائية بالوافدات إليها، ما جعل الحصول على دور في الطوابير الكبيرة أمراً مستحيلاً. وتدار المشاغل بأيدٍ نسائية محلية، وامتد عملها في ليلة العيد إلى الفجر تقريباً، ويقدر مراقبون المبالغ التي كسبتها هذه المشاغل بأكثر من مليون ريال في ليلة العيد فقط، فلائحة الأسعار لسبعين مشغلاً نسائياً تتراوح بين مئة إلى 200 ريال. واختار شبان قضاء العيد في الدول المجاورة، التي تطرح برامج سياحية وترفيهية جاذبة، وعلى رغم هذه المغريات السياحية إلا أن الأسعار تتضاعف في مثل هذا الموسم، لتصبح"ضمن الخيارات الصعبة"بحسب علي عبد الكريم، ويظهر بعض الناس تفاؤلاً باستمرار بهجة العيد مع مرور الزمن على رغم حكايات البؤس والتشاؤم.