منظر القهوة السوداء المدلوقة والمقلوبة وأوراق الكوتشينة المتناثرة والودع وقراءة الكف وأرقام المنجمين التي تملأ ذاكرة الجوال، مشاهد باتت مألوفة لدى الفتيات، وأصبحت ضرباً من فنون التسلية، التي قاربت حد الإدمان والإيمان في آن معاً. فالبعض يراها"الباب المختصر لمعرفة المجهول من المستقبل"، الذي يؤرق الشباب. وبات مألوفاً أن ترى فتيات يتعلمن فنون فك رموز الفناجين، وتفسير معاني الورق وارتباطات بعضها ببعض، ولن يكون من المستغرب رؤية فتيات يجتمعن في"كوفي شوب"، يتهافتن على القارئات منهن، بترقب لمعرفة ما يخبئه المستقبل من أسرار، مثل الارتباط والحب مثلاً، والنجاح ومعرفة نيات الآخرين،"من باب التسلية"على حد قول بعضهن. بيد أن أخريات يقتربن من حد التصديق والتعلق ومقاطعة من ترجح عداوته الكوتشينة. وتثبت مواصفاته خطوط الفنجان المعرق بعلامات القهوة بعد البصمة الأخيرة في قعر الفنجان للأمنية الختامية. "هناك عريس مرتقب"، فرمز الحصان يتربع في الفنجان، لتنفرج الأسارير، وتتهلل الوجوه، ولكن هناك ثعباناً يتبعك، وتلك الفتاة تنوي بك شراً. هذا ما يتردد على ألسنتهن"كثير ما تذكره لي القارئات، يقترب من الواقع، إلا أنني أحاول جاهدة ألا أتأثر بأقوالهن". هذا ما ذكرته إحداهن، ولكن ما الذي يجعلهن يتعلقن بسراب العرافات أو الرفيقات اللواتي، انكببن على قراءة أصناف الكتب المختصة بتعليم القراءة. تقول رنا الكافي:"تستهويني قراءة المستقبل كثيراً، أياً كانت الطريقة. وعلى رغم أنني أتجنب تصديقها، إلا أنني أتابع ما تقوله العرافات بشغف وتلهف كبيرين، فهي عادة لا نستغني عنها في جلساتنا، فهي ترسم الأمل أحياناً، وتضحكنا أحياناً أخرى، وهي من باب التسلية والمتعة لا أكثر". ولا تخفي رنا أن بعض صديقاتها يملن للتصديق كثيراً، ويتعلقن في تلك الأقوال. وقد حدث أن تسببت قارئة بإثارة مشكلة بين صديقتين، حين صورت للأولى كيد الأخرى بطرح مواصفات شبيهة للصديقة، ما تسبب في مقاطعة وخلافات استمرت إلى الآن. كما يحدث أن تثير تلك المعلومات بعض الشكوك في أقرب الناس. ولكن أماني الأحمد توقفت عن فكرة البحث عن القارئات"البصارات"، بعد أن كانت تتحرى وجودهن في كل مكان"كنا في رحلة سياحية لدولة عربية، وحدث أن اقتربت منا قارئة الودع، تسألنا أن نرمي البياض. وقرأت لأختي وامتنعت أنا. وتسببت لها في حالة نفسية وأحداث غريبة تعرضت لها بعد تلك المخاطرة، وأصيبت بمس شيطاني كلفنا الكثير، وكاد يودي بحياتها". وترى أن اللجوء لتلك الأمور"أمر مخيف بالنسبة لي، بعدما شهدت معاناة أختي. وذكرت العرافة لأختي اسم زوجها المستقبلي، وكيفية الارتباط، ولكن الغريب أن زوجها الآن يحمل الاسم ذاته، والأحداث نفسها. على رغم الفارق الزمني، ولا يمكننا أن نقول، إلا"كذب المنجمون ولو صدقوا". ولأن مهنة العرافة أصبحت مصدر رزق لبعضهن، فقد قررن امتهانها بكل بساطة، فأكف المتعلقات بالكلام الجميل والمطمئن مستعدة للبذل، بشرط أن تطمئنها بقدوم الحبيب مثلاً. وفي هذا الصدد تقول نور الجعفر:"هناك قارئات عدة يقمن باستغلال نفوس الفتيات الضعيفة، بمبالغ تتراوح بين 50 و200 ريال للقراءة الواحدة، وتستقبلن العشرات في اليوم الواحد، وهناك قارئات عربيات يكسبن الألوف في اليوم الواحد، بعد أن يبعن خزعبلات غير واضحة المعالم. والوصول إليهن يتم من خلال الحجز اليومي، وهو مصدر ثراء لهن، وأغلب من يتعامل معهن النساء، ممن يعانين حالة قلق تجاه المجهول، حيث يلجأ بعضهن للقارئات في شكل أسبوعي أو شهري كعميلات دائمات". وكما هي الحال بالنسبة لأولئك الفتيات، تعتقد غادة، التي رفضت ذكر اسمها الصريح، أن"قراءة المستقبل تمثل لي هاجساً لا أستطيع تجاهله، فهي إن كانت تطمئنني أحياناً، إلا أنها تسبب لي قلقاً نفسياً، إذا ما ظهرت القراءة غير مرضية، وتمر أيامي كئيبة. وعلى رغم ذلك، فأغلب كلام القارئات هو نفسه بتكرار المفردات والأحداث أحياناً. وعادة ما يتبعن الأسلوب نفسه والتضليل بالأخبار عن أحداث عامة قد تخمنها من شخصية الماثل أمامها". وتقمصت سعاد الخلف دور القارئة، لينطلي خداعها على"صغيرات العقول"، كما وصفتهن. وتقول:"كنت أجلس مع بعض الرفيقات، وتسليت مع بعضهن بالقراءة من بنات أفكاري، إلا أن عدداً منهن استهوتهن الفكرة، وطلبن المزيد من القراءات، وأسفي على عقولهن. على رغم أنهن متعلمات. وقد طلبن مني المزيد من القراءة، حتى انفجرت ضاحكة. ومع ذلك لم يخفين إصرارهن من باب التسلية كما يزعمن". ولكن ماذا عن الذكور وتجاربهم مع قراءة المستقبل، حيث يقول أحمد خميس"أعتقد أن هذا الاتجاه سائد بين بعض الفتيات، والمراهقات منهن تحديداً، فهن عاطفيات وسريعات التأثر والتعلق بحبال المستقبل، وهو قليل بين الرجال، وهذا ما ألاحظه حتى في اتصالات برامج التليفزيون، التي تختص بقراءة المستقبل. خصوصاً الفلك و"التاروت"، وهو علم قراءة الورق، كما أن برامج الأبراج تعد مكسباً لبعض القنوات الفضائية وبعض المنجمين. وهناك من يتهافت على صفحة الأبراج في قراءتهم الأولى للمجلات وبعض الصحف".