كتبت وفاء على صفحتها على"فايسبوك":"لا يوجد عيد ما دام وطني جريحاً، وما دام أطفالنا ينامون جياعاً. لا يوجد عيد وهناك أم ثكلى وطفل يتيم، فعيدنا غير مبارك علينا ما دمنا نرى كل هذا ولا نهتم". تختصر هذه العبارات كثيراً مما شعر به السوريون الذين استقبلوا عيد الأضحى الثالث منذ اندلاع الأزمة بظروف أمنية واقتصادية في غاية السوء. كان"عيداً افتراضياً"بكل ما تعنيه الكلمة، ليس لأن السوريين استعاضوا عن التزاور وتبادل أمنيات العيد شخصياً بعبارات تخاطبوا بها على الفضاء الافتراضي الإنترنت وحسب، بل لأن مظاهر العيد والاحتفال كانت في أدنى مستوياتها. والأطفال الذين نزلوا إلى ساحات العيد، على قلّتهم، كانوا أشبه بالمغامرين الصغار الذين لا يمكن التنبؤ بما قد يحدث لهم جراء استمرار العمليات القتالية. وهكذا، وظّف الناس مواقع التواصل الاجتماعي بديلاً من الزيارات والتنقلات التي باتت خطيرة. واكتفى كثر بتبادل المباركات إلكترونياً عندما أرسل بعضهم إلى بعض الأمنيات بعيد أفضل في مقبل الأيام. كما أرسلوا عبارات المواساة لمن فقدوا أحبتهم أو هُجّروا من وطنهم. كتب أبو سالم على صفحته الشخصية يقول:"عن أي عيد يتحدثون مع كل هذا الخراب الذي تفيض به قلوبنا؟ عن أي عيد ونساؤنا لا يعرفن سوى اللون الأسود، ودموعنا لم تجف على أحبة لنا باتوا تحت التراب؟ عن أي عيد يتحدثون، ونحن غرباء عن بيوتنا؟ لقد ذهب العيد مع من ذهبوا، وأشعر بأنه لن يعود إلينا من جديد". عيد تحت وابل النار مرّ العيد تحت وابل من نيران الطائرات منذ يومه الأول، وشهدت مناطق مختلفة سقوط عشرات القذائف. وسجل أول أيام الأضحى سقوط أكثر من 70 شهيداً، بعدما فشلت جهود كل من دعوا إلى وقف إطلاق النار خلال أيام العيد. وهذا كله قلّص إمكان ممارسة السوريين طقوس العيد، وبالكاد كان يمكن أن تلمح بعض تجليات المناسبة عبر ألبسة بعض الأطفال أو بعض المراجيح التي وضعت على عجل عند ساحة هنا أو فسحة هناك. أما في المناطق المحاصرة، فلم يعنِ العيد لسكانها أكثر من رغيف خبز أو قطعة سكاكر وصلت إليهم في غفلة من عيون الحّراس. ساحات بلا أطفال أوصد السوريون بيوتهم في وجه العيد، ففي كل بيت مصيبة، ولعل عزاءهم الوحيد في العيد هو تلك الإجازة الطويلة التي منحتها لهم الحكومة، فكفتهم شرّ الخروج من بيوتهم طوال عشرة أيام وسمحت لهم بالإبقاء على الأطفال في المنازل. ومن رأى ساحات العيد الخاوية من الأطفال يدرك مدى الخوف الذي انتاب الأهالي وحال دون أن يرسلوا أبناءهم إلى أماكن الألعاب. تقول لمياء:"لا يشعر الكبار بالعيد كما يفعل الأطفال عادة، إنهم من يعطي لأعيادنا معناها. لكنني لم أغامر بإرسال ابني إلى ساحة العيد، فمن يدري ماذا قد يحدث"؟ وتضيف:"أبقيته في المنزل وحاولت اصطناع أجواء العيد عبر بعض الألعاب الجديدة والأطعمة والمحطات التلفزيونية، وكذلك فعل عدد كبير من أصدقائنا مع أولادهم". وبالنسبة إلى عبارات العيد، تقول لمياء:"بدت باردة وبلا معنى في ظل كل هذا العنف الذي يحيط بنا، لا بل تحولت إلى مجرد واجب اجتماعي. وشخصياً، اكتفيت بمعايدة أصدقائي وصديقاتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر الهاتف". توشك ذاكرة السوريين على نسيان مظاهر العيد وتقاليده مع استمرار القتل اليومي الذي لا يعرف حرمة العيد ولا احتراماً لمناسبة. وإذا كان السوريون يتذكرون في الأعياد موتاهم، فإن ذاكرتهم التي لا تزال تشتعل بالموت... لم يتح لها فرصة النسيان كي تتمكن من استرجاع ذكريات من رحلوا عنهم. وفي ظل ما يكابده السوريون، يبدو أن قلة من الناس تمكنت من استحضار أجواء البهجة لها ولأطفالها. لكن أكثر ما يحمدون الله عليه، أن ساحة للأطفال لم تصطبغ باللون الأحمر طوال فترة العيد، الذي انقضى على أمل أن يشهد السوريون أعياداً أفضل في المستقبل.