اختارت المعارضة الروسية المشاركة في المعركة الانتخابية في الخريف المقبل، وصرفت النظر عن اقتصار نشاطاتها على الضغط الشعبي في الشارع. وتنظم الانتخابات للمرة الأولى منذ سبع سنوات في خمسة أقاليم روسية لانتخاب ستة مجالس نيابية في المقاطعات الاتحادية، وعمدة المدن. ويبدو حزب"روسيا الموحدة"واثقاً من نتائج الانتخابات. لكنه يواجه مشكلة عويصة: الانقسام المتعاظم في أوساط النخب المحلية ومسؤولي فروع الحزب. وقد تصح توقعاته على مستوى حكام المناطق، لكن المراكز الأدنى قد تشهد مفاجآت غير سارة للحزب الحاكم. وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن الاعتراض الشعبي في تموز يوليو بلغ مستواه السابق في كانون الأول ديسمبر الماضي. لذا، يبدو أن المعارضة قد لا تطوي صفحة الاعتراض الشعبي في الشارع طياً كاملاً. وتبدو حظوظ التنافس مع السلطة على مناصب حكام المناطق معقولة في مناطق شهدت تراجع شعبيتها، في وقت يتوقع أن تكون المعركة على مركز العمدة"ساخنة"في كل البلاد. وأعد حزب السلطة العدة للمعركة الانتخابية في كاليننغراد، ودعم العمدة الحالي، ألكسندر ياروشكا. وتوافق حزبا"روسيا العادلة"و"الشيوعي"على ترشيح الشيوعي يوري غالانين. أما الحزب الليبرالي"يابلوكو"فرشح نائبة العمدة السابقة والممثلة، ألكسندرا ياكوفليفا، مرشحة له. ويشارك في السباق الانتخابي مرشحون كثر، منهم ممثلو حزب"القراصنة". أما مدينة"خيمكي"، فعمّها كرنفال انتخابي إثر إعلان المعارضين المشهورين من خارج الأحزاب الرسمية، عزمهم على الترشح. ويتعثر حزب"المنبر المدني"الذي أسسه البليونير ميخائيل بروخروف في العثور على مرشحين، لذا يسعى إلى دعم مرشحين مستقلين مادياً. ويشارك معظم القوى المعارضة في الانتخابات المقبلة ما خلا القوى البارزة في تظاهرة"بالوطنايا"الشهيرة 4 كانون الأول- ديسمبر 2011، أي الحزب الجمهوري وحزب"بارناس". ويرى هذان الحزبان أن الانتخابات في شكلها الحالي"تدنيس"للعمل الديموقراطي. لكن هذا لم يمنع حزب"يابلوكا"وغيره من أحزاب المعارضة الممثلة في الدوما من المشاركة. وتشهد هذه الانتخابات للمرة الأولى مشاركة كثيفة غير شيوعية في المنافسة ضد حزب السلطة، ومنها أحزاب مثل"روسيا العادلة"، و"وطنيو روسيا"، و"المشروع اليميني"وغيرها. وهناك تنافس حاد في مقاطعتي ريازان وبريانسك. ففي الأولى المنافسة حامية بين القائم بأعمال الحاكم، اوليغ كوفاليف ومرشح حزب"وطنيو روسيا"، إيغور موروزوف. ويرى الشيوعيون وحزب"يابلوكا"أن موروزوف هو مرشح السلطة. فحزب"وطنيو روسيا"جزء من الجبهة الوطنية الموالية للرئيس فلاديمير بوتين. ويتنافس في مقاطعة بريانسك ثلاثة مرشحين: اثنان للمعارضة والحاكم الحالي ممثل السلطة. ووراء إحجام المعارضة عن الاتفاق على مرشح واحد في كلٍ من المناطق تخوّفها من أن تعرقل السلطة قبول مرشحيها. فمشاركة أكثر من مرشح معارض في الجولة الأولى تضمن معركة انتخابية وترفع احتمال العبور إلى الجولة الثانية. بعدها يحين موعد الكلام عن مرشح واحد يمثل المعارضة التي تسعى إلى نيل أكثرية المقاعد في البرلمانات المحلية، ما يسمح لها بمطالبة رئيس الدولة بانتخابات مبكرة لحكام المناطق الذين عيّنتهم السلطة. وهذا السيناريو تعد له العدة في موسكو ومنطقتها. وتعاني المعارضة من نقطة ضعف جوهرية: معظم مرشحيها هم من المعروفين والسياسيين المحنكين. لكن الانتخابات المناطقية لا تحتاج إلى نجوم بل إلى كوادر تعمل على الأرض. فالناخب المحلي يصوت لأشخاص يعرف أعمالهم، ولا يقيم وزناً لانتمائهم الحزبي أو برنامجهم السياسي على المستوى الوطني. في هذا المجال تتفوق السلطة على المعارضة عبر دعم مرشحين من الكوادر الذين- على خلاف غالبية مرشحي المعارضة- يملكون خبرة في العمل الإداري. ولحل مشكلة الكوادر أقدم بعض الأحزاب المعارضة على تنظيم المدارس الصيفية لتأهيل الكوادر للانتخابات، ومنها من أنشأ مراكز للتعليم السياسي. ويبدو أن مشاعر الناخبين المحافظين تصب في مصلحة حزب السلطة الذي تصب أخطاؤه في مصلحة المعارضة. * صحافية، عن مجلة"إيتوغي"الروسية، 27/8/2012، إعداد علي شرف الدين