"شهرزاد والكلام المباح ليس أنطولوجيا روائيّة أنثويّة ولا يدّعي هذا الشرف بل هو قراءات في ثمانٍ وثلاثين رواية نسويّة لثلاثٍ وثلاثين روائيّة عربيّة مشهورة أو مغمورة حصلت على مدى عقدٍ ونيّف ونُشرَت في صحف عدة."هكذا يستهل الكاتب والناقد سلمان زين الدين كتابه"شهرزاد والكلام المباح"الدار العربيّة للعلوم -ناشرون، 2010 ويتميّز هذا الكتاب بمادّته النقديّة التحليليّة التي تقدّم الروايات في طابعٍ تحليلي، تارةً هو نفسي، وطورًا هو تاريخي اجتماعي. واستطاع زين الدين بفضل وسع اطّلاعه، وعمق معرفته النقديّة، وموضوعيّته الحياديّة، أن يؤطّر هذه الروايات وأن يمنحها منحًى جديدًا لا يفرضه على القارئ ولا يُشعره فيه بثقل النقد الأدبي ووطأته. وقد صدر لزين الدين سابقًا كتبٌ في النثر والشعر، منها"القناديل والريح"،"قفص الحرية"،"زاد الطريق"وغيرها، واستطاع في هذه المؤلَّفات أن يُبرز حجم مخزونه اللغوي وطواعية اللغة بين أصابعه. أمّا في هذا الكتاب النقدي وبرغم بعض الشطحات الأدبيّة الشعريّة فيدأب زين الدين على البقاء ضمن أُطر النقد الموضوعي والتحليل الرصين. وقد اعتمد على ترتيب الروايات المحلّلة بحسب الترتيب الهجائي تحاشياً للمفاضلة أو لاعتماد معايير ذاتيّة غير حياديّة، كما أنّه حرص على أن تتوزّع الروايات المختارة على معظم البلدان العربيّة وامتدَّت فترة نشر هذه الروايات منذ 1995 زهرة اللوتس لأميمة الخشّ، مريم النور لرجاء نعمة حتّى العام 2010 سلطانات الرمل، لينا الهوايان الحسن. لقد اهتمّ المفكّرون والمثقّفون العرب منذ أواخر القرن التاسع عشر بمسألة الحركة"النسويّة". فراحت المرأة ومشاكلها مع المجتمع والعقبات التي تواجهها وكلّ ما له علاقة بها وبإبداعها وطموحها، تشغل مكانة تزداد أهمّيةً ووقعًا يومًا تلو يوم. وكان من جملة هؤلاء الأدباء سلمان زين الدين الذي حرص منذ صفحة العنوان على تصنيف مؤلّفه هذا ضمن الحركة النسويّة، فعدا العنوان الذي استعمل فيه اسم شهرزاد بطلة حكايات"ألف ليلة وليلة"وكلّ ما يحويه من رمزيّة أنثويّة، فقد حدّد بعنوانٍ ثانويٍّ، الفئة التي ينتمي إليها مؤلَّفه"قراءات في الرواية النسويّة"، ولا ننسى طبعًا الصورة الكاريكاتوريّة التي حرص الكاتب على تركيزها بمفردها في وسط صفحة العنوان، صورة كاريكاتوريّة لامرأة تدلّ تقاسيم وجهها المكفهرّة والعابسة على التفكير والقنوط. واستطاع زين الدين سبر أغوار الروايات التي تناولها فقدّم مادّة نقديّة تفسيريّة منطلقًا فيها من نصّ الرواية. وقد تفادى فخّ النظريّات النقديّة فلم يلصقها بالروايات المختارة ولم يعمل على قولبة الروايات على حجم المدارس النقديّة بل حرص على جعل النصّ الروائي ينطق بمضمونه فنجح في التوغّل في بواطن الروايات والكشف عن أبعادها الاجتماعيّة والتاريخيّة والنفسيّة والفلسفيّة. ولا ننسى أنّ زين الدين استطاع كذلك تسليط الأضواء على الكاتبة وحياتها من خلال نصوصها عندما كانت هناك حاجة إلى ذلك، ونذكر مثالاً على ذلك ما ورد في نقد سنين مبعثرة للكاتبة غالية آل سعيد فكتب زين الدين:"... وهي رواية مرتبطة بصاحبتها وتعكس خبراتها وحقول اهتمامها المعرفيّة وعلاقاتها تلك النابعة من دراستها في لندن وإقامتها فيها ومشاركتها في المؤتمرات ذات الصلة بالشؤون الشرقيّة والأفريقيّة."ص:93 وفي معظم دراسته النقديّة هذه اعتمد زين الدين طريقة معيّنة لنقد مختلف الروايات مع تغييرات بسيطة بين نقد رواية وأخرى. فقد عمد الناقد إجمالاً إلى البدء في أوّل دراسته النقديّة بالتعريف بالكاتبة وذِكر أبرز رواياتها السابقة إن وُجِدت للانتقال بعد ذلك إلى جوّ الرواية العام. فيذكر موضوعها وشخصيّاتها قبل أن ينتقل إلى معالجة عناصر روائيّة عدّة لفتَت نظره ووجدها أساسيّة لفهم الرواية نذكر منها عاملَي الزمان والمكان، الخطاب الروائي، البنية السرديّة، دراسة الراوي والعلاقات الروائيّة وغيرها. في ما يتعلّق بالزمان والمكان فقد وردت الإشارة إليهما في معظم الروايات المحلّلة وقد اعتمد زين الدين عليهما ليشدّد على نقطةٍ أراد تبيينها ونذكر مثالاً على ذلك في تحليل رواية شتاء مهجور للراوية رينيه الحايك تعليق الناقد على عنصر الزمان:"يقرن الشتاء بما هو برد ووحشة وطبيعة قاسية بالهجر بما يعنيه من وحدة وافتقار للحياة... الشتاء، البرد، الظلام، الفوضى، التعب، الألم، زواج الابنة الوحيدة."ص: 67 إذن استعان سلمان بعنصر الزمان ليُظهر كيف وظّفته الراوية للتشديد على معاني الوحدة والهجر والوحشة، فانطلق من عامل الزمان ليقوم بتحليل نفسي وعاطفي لشخصيّات الرواية. وتناول زين الدين في عمله النقدي هذا، مسألة النسيج الروائي والتسلسل في المسار السردي. فقد أورد في أماكن عدّة من دراساته النقديّة التغيير الذي طرأ بين بداية الرواية ونهايتها مُقيمًا مقارنةً بينهما، مثل ما فعل في نقده رواية فضيلة الفاروق مزاج مراهقة"على المستوى النصّي تبدأ الرواية من حيث انتهَت على المستوى الوقائعي فنحن بإزاء امرأة تعيش حالاً من الفقدان هي نتيجة لجملة من الوقائع والأحداث الروائيّة، المتعاقبة المتراكمة..."ص:102 بالإضافة إلى عوامل الزمان والمكان والخط السردي، استعان الناقد بتحليل نفسي دقيق للشخصيّات ليقدّم لقارئه نقدًا دقيقًا مفصّلاً يرمي إلى تسليط الضوء على نواحٍ لم تكن لتظهر لقارئ الرواية بسهولة، فهو في أماكن عدّة من نقده استطاع أن يستخرج من طباع شخصيّات الرواية عوامل تبرّر تصرّفاتها وتحضّر حدوث المجريات السرديّة مثل ما ظهر في نقده رواية المشهد الأخير لمي منسّى حيث يكتب:"وهكذا مدفوعًا بذاكرته ورغبته... يقوم منذر ب"قتل الأب"بحسب التعبير الفرويدي ولكن بطريقة إيجابيّة فهو لا يعمل على تجاوز الأب وطمسه، بل..."ص:155 استعان زين الدين في نقده بعوامل عدّة أخرى منها ما انتمى إلى المستوى المعنوي ومنها ما انتمى إلى المستوى اللغوي. فقد كان للخطاب الروائي حصّته في العمليّة النقديّة مثلما يظهر في نقد زين الدين لرواية نيرمين الخنسا ساعة مرمورة:"وهي تفعل ذلك بخطاب روائي يقوم على أحادية الراوي ويستخدم صيغة المتكلّم ما يجعل الراوية شريكة في صنع الحدث..."ص:184 إذن نلاحظ أنّ الناقد والكاتب زين الدين قدّم لقارئه مادّة نقديّة تحليليّة متماسكة قائمة على التفسير والتحليل والتأويل مُختارًا روايات ذات مواضيع شتّى تتراوح بين التاريخ والسياسة والحرب والمجتمع والحبّ والمشاكل النفسيّة وغيرها. كما أنّ حسّ النقد لم يختفِ خلف أطنانٍ من المدح والاستحسان فقد حرص زين الدين على تقديم النقد القيّم عندما دعَت الحاجة، فهو لم يتوانَ عن تقديم اقتراحات ونصائح حول التصويبات التي ارتآها مناسبة في روايةٍ ما وذلك بأسلوب لطيف لبق مثل ما ورد في نقده رواية سارة الجروان طروس إلى مولاي السلطان حيث كتب:"وعندي إن مثل هذه العتبات تثقل النص وتعوق عمليّة القراءة..."ص:73 تظهر خلفيّة زين الدين النقديّة الثقافيّة، من خلال هذا الكتاب النقدي، غنيّةً واسعة. وبعد شهرزاد والكلام المباح يُقدّم سلمان زين الدين كتابًا آخر في النقد يمكن اعتباره الجزء الثاني لهذا الكتاب، يتناول فيه الكاتب خمسين رواية عربيّة. حين يروي شهريار هو عنوان هذا الكتاب الثاني الذي أطلق عليه الكاتب اسم"توأم الكتاب الأوّل"طبعًا معتمدًا في حكمه هذا على العمليّة النقديّة المتشابهة بين الكتابين وعلى الترابط الوثيق بين العنوانين وهو أمر مقصود في عمليّة عودة إلى حكاية ألف ليلة وليلة الحاضرة بثقلها في الكتابين.