هددت دول الاتحاد الأوروبي بمقاطعة المؤتمر الدولي"ديربان - 2"المزمع عقده في الفترة من 20 إلى 24 أبريل القادم في مدينة جنيف السويسرية، إذا لم يتم تعديل صياغة الإعلان الختامي الذي يندد بسياسات إسرائيل العنصرية وممارساتها الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني. وكانت كندا وإسرائيل فد أعلنتا رفضهما المشاركة في المؤتمر، وقالت الولاياتالمتحدة الأميركية وأستراليا إنهما تعتزمان القيام بالمثل، إذا لم يتم تعديل صياغة الإعلان الختامي للمؤتمر بشكل جذري. إن هذه التهديدات الغربية بمقاطعة مؤتمر دولي حقوقي يعقد في مدينة غربية محايدة، لأنه ينوي إدانة سياسات إسرائيل العنصرية الإجرامية التي يراها العالم صباح مساء، هو دليلٌ أكيد على تعصّب الدول الغربية للباطل وللظلم وللعدوان، ووقوفها ضد حقوق الإنسان الفلسطيني الرازح تحت احتلال عنصري بغيض يمارس ضده كل أنواع التنكيل والحصار والقتل والتدمير. ويتعجب المرء من هذا الموقف الغربي المخالف لقواعد القانون الدولي وللقيم الإنسانية العادلة، ويحتار أمام هذه المقاييس المختلفة التي تستخدمها الدول الغربية في التعامل مع القضايا الدولية. فهذه الدول التي هللت لمذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير، التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بضغط كبير وتدخل سافر من هذه الدول ومن إسرائيل، بينما المتهم رئيس دولة مستقلة يدافع عن الوحدة الترابية لبلده وسيادتها أمام متمردين مدعومين من قوى خارجية لأهداف استعمارية، هذه الدول تقف رافضة لبيان مؤتمر دولي، يدين فقط ولا يصدر مذكرة اعتقال، سياسات إسرائيل العنصرية وجرائمَها ضد الإنسانية. فأي عدالة هذه التي تدّعي الدول الغربية الدفاع عنها، وأي قيم تلك التي تتغنّى بها صباح مساء؟. لقد أبانت الدول الغربية عن الروح الاستعمارية التي لا تزال كامنة في صدورها، والانحياز الكامل لدولة عنصرية إرهابية ندد بها وبجرائمها أحرار العالم وعقلاؤه، وكشفت الانتخابات الأخيرة بها، طبيعةَ المجتمع الإسرائيلي العنصرية العدوانية المنحازة إلى التطرف والكراهية، حيث أعطى الناخبون الإسرائيليون أصواتهم لغلاة اليمين الإرهابيين الداعين إلى طرد الفلسطينيين وقتلهم، الرافضين للسلام ولقيام الدولة الفلسطينية المستقلة. مما يصح معه القول الآن للعالم الإسلامي وللأحرار في العالم كله، إنَّ الدول الغربية شريك غارم في جرائم إسرائيل وعنصريتها، وإن السلام في هذا العالم أصبح مهدداً في الصميم، بسبب من هذه المواقف التي تتخذها دول غربية المفترض فيها أنها تتبنى مبادئ التقدم وقيم الحداثة وأفكار عصر التنوير. لقد بدا واضحاً أن مقاطعة الاتحاد الأوروبي وإسرائيل والولاياتالمتحدة وأستراليا لمؤتمر ديربان - 2، ستكون انتكاسة أخلاقية وسياسية تسقط في حبائلها هذه الدول التي تملأ الدنيا صراخاً بأصوات عالية زاعمة أنها دول ديموقراطية تحترم حقوق الإنسان، وتدافع عن الكرامة البشرية وعن مبادئ الحق والعدل، وتعمل فيما تزعم من أجل السلام والأمن الدوليين. إنَّ السكوت عن الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية في الأراضي الوطنية الفلسطينية من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، هو شذوذ في العلاقات الدولية، وهو انحراف عن الطريق السوي الذي يتعين أن تسير فيه الدول التي تحترم نفسها وتلتزم بالقوانين الدولية. ومادامت هذه الدول الرافضة لمسودة الإعلان الختامي الذي سيصدر عن هذا المؤتمر، تنحاز بلا حدود إلى إسرائيل التي تحتل الأراضي الفلسطينية وتمتهن كرامة الإنسان الفلسطيني وتنزل به أشد أنواع التعذيب من خلال الحصار والتجويع والتشريد، فإنها بصنيعها هذا تدفع بالإنسانية إلى طريق مسدود، مما يجعل مستقبل هذا العالم مستقبلاً غامضاً محفوفاً بنذر خطيرة وعواقب وخيمة. ولست أدري ماذا سيكون مصير مؤتمر ديربان - 2 في حالة إذا ما تمت فعلاً مقاطعته من طرف الدول الغربية. ولكن من المؤكد أن المؤتمر سينعقد مهما يكن حجم الضجة المفتعلة التي أثيرت ضده. وأغلب الظن أن الإعلان الختامي للمؤتمر سيخرج بصيغته الحالية. ولربما يدخل عليه تعديل لن يغير من جوهره، لأن الإرادة الدولية غالبة، مهما تكن التحديات الصعبة التي تواجه الإنسانية في هذه المرحلة من قبيل الانحياز إلى دولة الإرهاب والعدوان على حقوق الإنسان. ولكنني أرى أن على المجموعة العربية الإسلامية أن تتحرك، في إطار جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الإفريقي، لمواجهة الضغوط الغربية على هذا المؤتمر، من خلال الاتصالات الدبلوماسية والمبادرات الإعلامية لتنوير الرأي العام الدولي بحقائق الموقف وكشف الانحياز الغربي السافر إلى دولة عنصرية خارجة عن القانون الدولي. * المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ? إيسيسكو.