ادعت مصادر اسرائيلية أن رئيسي وفدي المفاوضات أحمد قريع وتسيبي ليفني يخوضان منذ أشهر غمار مفاوضات سرية مكثفة بعيدا عن أعين الصحافة استمرت بعض جلساتها التي بلغت أكثر من 50 جلسة، ساعات طويلة في فنادق مختلفة بمدينة القدس أو في شقق خاصة تعود الى أشخاص ذوي علاقة بالمفاوضات. اما القنبلة فقد فجرها الرئيس أبو مازن حين قال بعد لقائه مع رايس إنه واثق من التوصل الى سلام شامل عام 2008، بعد أن كان قد ألقى خطابا متشائما حول مستقبل المفاوضات امام القمة العربية في دمشق. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: ما هو سر تفاؤل وثقة أبو مازن؟ وهل صحيح أن المفاوضات حققت تقدما حاسما يبرر التفاؤل، أم أن أبو مازن يريد إشاعة أجواء ايجابية حتى يقلل من الإحباط ويساعد في زيادة فرص التوصل الى اتفاق؟ الشيء المؤكد أن كلاً من الرئيس بوش وأولمرت وأبو مازن في حاجة ماسة الى اتفاق. فالأول يريد أن يسجل إنجازا يبيض صفحته السوداء ويقلل من تأثير الإخفاقات العديدة التي عانت منها السياسة الأميركية أثناء فترة رئاسته. والثاني يريد أن يستفيد من الفرصة التاريخية المتاحة حاليا أمام إسرائيل لتحقيق أقصى ما يمكن، مستفيدا من وجود إدارة بوش التي تعتبر أفضل إدارة أميركية مرت على البيت الأبيض في مجال دعم إسرائيل، ومن وجود أسوأ وضع عربي يعاني من الاستقطاب والمحاور، وتوظيف خارطة الطريق كونها خطة أمنية تعطي الأولوية للامن الاسرائيلي. وابو مازن بحاجة الى اتفاق لأن استمرار الوضع الراهن في ظل الانقسام الفلسطيني ومع استخدام إسرائيل للمفاوضات للتغطية على استمرار العدوان والاستيطان والجدار والحصار الخانق على غزة. وقبل أن نصل الى الاستنتاج الطبيعي من كل ما سبق، لا بد ان نشير الى أن ما يجري على ارض الواقع مخالف تماما لأجواء التفاؤل التي يشيعها أبو مازن وبوش ورايس. فما يجري هو أن إسرائيل في سباق محموم مع الزمن لترسيخ اكبر قدر ممكن من حقائق الاحتلال والاستيطان التي تجعل أكثر وأكثر من الحل الإسرائيلي الحل الوحيد الممكن عمليا. وكما أشار تقرير صادر عن حركة"السلام الآن"الإسرائيلية فان النشاط الاستيطاني يشهد زخما هائلا لم تشهده المستوطنات منذ سنوات كثيرة. فقد أكد التقرير تصاعد وتيرة الاستيطان منذ مؤتمر انابوليس بشكل غير مسبوق، حيث تقوم إسرائيل ببناء عشرات الآلاف من الشقق الجديدة في 101 مستوطنة في القدس والبؤر الاستيطانية العشوائية غير المرخصة، لافتا الى أن البناء مستمر في 60 بؤرة عشوائية من البؤر التي التزمت إسرائيل بتفكيكها قبل أربع سنوات، وان تصاريح البناء أعطيت حتى لمستوطنات شرقي الجدار الفاصل والتي يفترض بحسب التصور الإسرائيلي تفكيكها في إطار سلام دائم مع الفلسطينيين. وفي تطور لافت ودعت إسرائيل رايس بإعلان خطط لبناء 600 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة بسغات زئيف في خطوة تحد، علقت عليها رايس بان النشاط الاستيطاني لا بد أن يتوقف لانه لا يتسق مع الالتزامات الواردة في خارطة الطريق. إن كل الدلائل والمؤشرات والمعطيات المحلية والعربية والإقليمية والدولية، تشير الى صعوبة، بل استحالة التوصل الى اتفاق يحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وان أي اتفاق سيكون سيئا، وأسوأ من اتفاق أوسلو. فعند توقيع اتفاق أوسلو كان الفلسطينيون في وضع أفضل مما هم عليه الان، وكانت إسرائيل تريد منهم الاعتراف بها، وكان العرب والشرعية الدولية والأوضاع الدولية في وضع أفضل بما لا يقاس من الوضع الحالي. في هذا السياق، فإن ما يمكن أن يتم التوصل إليه، هو اتفاق حول الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة. فكما لاحظنا شدد بوش وأولمرت على مسألة الدولة على أساس أن قضية اللاجئين قد تم تجاوزها أميركيا واسرائيليا من خلال التأكيد على يهودية إسرائيل. أما قضية القدس فسيحاولون تأجيلها إلى أجل غير مسمى. وفي كل الأحوال فأي اتفاق سيتم التوصل إليه سيكون إعلان مبادئ فضفاض يفسره كل طرف كما يحلو له أو اتفاقاً ليوضع على الرف، أي لن يتم تنفيذه فورا وستكون وظيفته الحقيقية التغطية على الاتفاق الانتقالي الجديد، الذي يحقق أساسا اولويات إسرائيل واحتياجاتها، ويحول السلطة الفلسطينية المقيدة الى دولة مقيدة فاقدة للسيادة والوحدة والتواصل السياسي والبشري والجغرافي. أن إسرائيل في ظل غياب شريك فلسطيني قوي وموحد، يصر على وجود مرجعية واضحة وملزمة للمفاوضات تستند إلى القانون الدولي، ستكون كمن يتفاوض مع نفسه، من خلال التنافس داخل الحكومة بين أولمرت وباراك وليفني، والتنافس بين الحكومة والمعارضة، حيث ستحاول إسرائيل أن تفرض ما تتوصل إليه بمساعدة أميركية على الفلسطينيين مطمئنة إلى أنهم لا يملكون خيارات أخرى ويواجهون خطر الانهيار التام وعودة الخيارات الاردنية والمصرية وغيرها. ما ستعرضه إسرائيل على الفلسطينيين أو الاصح ما تفرضه عليهم بات معروفا تماما، إلا لمن لا يريد أن يصدق ما تراه عيناه من حقائق تقيمها إسرائيل يوميا على الارض وتريد أن تعطيها الشرعية الفلسطينية والعربية والدولية. فالجهود الأميركية المكثفة، والتي ظهرت من خلال زيارة رايس مرتين خلال شهر واحد، وزيارة نائب الرئيس ديك تشيني، ودعوة الرئيس الفلسطيني لزيارة واشنطن، والزيارة المقررة للرئيس الأميركي في أيار مايو القادم، تنذر بأن هناك شيئا ما يلوح في الأفق. ولا يمكن أن يكون ذلك شيئا حميدا. فالمسار الذي بدأ في أنابوليس من دون مرجعية واضحة ولا ملزمة إلا خارطة الطريق التي لا تلتزم بها إسرائيل إلا وفقا لملاحظاتها عليها، وما يجري على الأرض لا يحمل الخير وإنما ينذر بالشرور. ويبقى السؤال معلقا: ما هو سر ثقة وتفاؤل الرئيس الفلسطيني؟ * كاتب فلسطيني