سجلت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أمس تقدماً طفيفاً في محاولاتها الحثيثة دفع المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية الجارية بهدف التوصل إلى "وثيقة سياسية" قبل المؤتمر الدولي للسلام المتوقع عقده في مدينة أنابوليس الامريكية نهاية الشهر الجاري. وكشف نبيل أبو ردينة الناطق باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس ل"الحياة"أن رايس أبلغت الأخير أمس بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وافق على تطبيق المرحلة الاولى من"خريطة الطريق"، كما قبل بأن تشمل المفاوضات النهائية التي ستنطلق عقب مؤتمر أنابوليس جميع القضايا الرئيسة، الدولة والقدس واللاجئين والحدود والمستوطنات والمياه. واعتبر أن"هذا هو التطور الأهم في زيارة رايس". والتقت الوزيرة الأميركية في رام الله أمس الرئيس عباس ورئيس الوزراء سلام فياض ورئيس الوفد الفلسطيني المفاوض أحمد قريع، كلا على حدة، بعد يوم من لقائها أولمرت وعدداً من أركان حكومته، أبرزهم وزيرا الدفاع والخارجية إيهود باراك وتسيبي ليفني. وأعرب عباس عن تفاؤله بالتقدم الذي أحرزته رايس في جولتها الثامنة هذا العام، والرابعة عشر منذ توليها منصبها قبل نحو ثلاث سنوات. وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع رايس عقب اجتماعهما في مقر"المقاطعة"في رام الله:"هناك أمور مشجعة حدثت اليوم، وفي الأيام القليلة الماضية ... المفاوضات مشجعة وإيجابية، لكنها ستظل صعبة، لأن قضية عمرها قرن لن تجد حلاً في غضون أيام أو أسابيع أو شهور". ورحب بتصريحات أولمرت عن فرص التوصل إلى اتفاق سلام قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش. وقال:"اتفق مع أولمرت في أن هناك فرصة حقيقية لتحقيق السلام، ونحن جاهزون لاغتنامها للتوصل إلى السلام النهائي الذي يقود إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس". وأشار إلى"تقدم حاصل في التحضير لإطلاق مفاوضات الوضع النهائي في مؤتمر أنابوليس وتحويله مناسبة جدية لإطلاق عملية سلام ذات مغزى لتحقيق رؤية الدولتين". لكنه شدد على أن"من السابق لأوانه القول ما هي الحلول، ولكن سنناقش القضايا كلها في أنابوليس ونحن نعمل من أجل تحقيق ذلك". وجدد قبوله تطبيق المرحلة الأولى من خريطة الطريق تطبيقاً فورياً متزامناً مع تطبيق إسرائيلي. وقال:"نحن ملتزمون بتنفيذ ما علينا بموجب هذه المرحلة، بما يشمل تكريس السلطة سلطة واحدة وسلاحاً شرعياً واحداً"، مشيراً إلى أن التزام إسرائيل يشمل وقف النشاط الاستيطاني، بما فيه النمو الطبيعي في المستوطنات، وازالة البؤر الاستيطانية التي اقيمت منذ آذار مارس 2001، واعادة فتح المؤسسات الفلسطينية المغلقة في القدس، وإعادة الاوضاع في الأراضي الفلسطينية الى ما كانت عليه قبل اندلاع الانتفاضة في أيلول سبتمبر 2000. وأكد أنه طالب رايس بالضغط على إسرائيل لإطلاق سراح أسرى، وإزالة الحواجز العسكرية، ووقف اعتداءاتها اليومية على الفلسطينيين، ورفع الحصار عن قطاع غزة. واعتبرت رايس أن"لدينا اشارات من مختلف الأطراف على أن هذه العملية ستنجح. ونحن نسير نحو مفاوضات جدية للمرة الأولى منذ سبع سنوات". ورأت أن مؤتمر أنابوليس يمكن أن يُعطي"دفعاً للمفاوضات التي ننتظرها منذ زمن طويل، وهي مفاوضات آمل، كما قال أولمرت ان تتمكن من تحقيق أهدافها"قبل نهاية ولاية بوش. وشددت على أن"إقامة دولة فلسطينية أمر في مصلحة الولاياتالمتحدة. ونحن في مرحلة حساسة، ولقد أعجبت كثيراً بجدية الطرفين". غير أن هذا التقدم الذي يبدو طفيفاً لا يعني بداية حصول اختراق في المفاوضات الجارية التي لم تحرز أي تقدم بعد. وحسب مسؤولين فلسطينيين، فإن الوفدين المفاوضين لم ينجحا حتى اللحظة في صياغة سطر واحد في الوثيقة السياسية موضوع التفاوض. وربما هدفت رايس من وراء هذا التقدم الطفيف إشاعة أجواء من التفاؤل لتحل محل التشاؤم السائد جراء عدم حدوث تقدم فعلي في المفاوضات. لكن المتشككين من الساسة الفلسطينيين يخشون من أن يكون قبول أولمرت تطبيق المرحلة الأولى من خريطة الطريق والموافقة على أن تشمل مفاوضات الوضع النهائي جميع القضايا الأساسية"مناورة التفافية هدفها تشجيع الرئيس عباس على قبول وثيقة سياسية غامضة وضعيفة يسهل التنصل منها بعد المؤتمر". ولفت سياسي شارك في جولات سابقة من المفاوضات إلى أن"قبول أولمرت تطبيق المرحلة الأولى من دون تحديد سقف زمني لذلك، يتيح له سهولة التهرب من هذا الالتزام تحت أي ادعاء مثل أن يقول إن الفلسطينيين لم يطبقوا كاملاً ما يتوجب عليهم تطبيقه بموجب هذه الخطة، كما أن الموافقة على أن تتضمن مفاوضات الوضع النهائي جميع القضايا الأساسية لا يعني قبول إسرائيل المطالب الفلسطينية في هذه القضايا". وابلغت رايس الرئيس الفلسطيني بأنها ستعود إلى المنطقة منتصف الشهر الجاري للوقوف على حجم التقدم في المفاوضات، وتوجيه الدعوات الرسمية لحضور المؤتمر، في حال ظهور بوادر جدية للاتفاق.