قبل شهور صدرت الطبعة الثانية من "أسفار شيلد هارولد" للورد بايرون عن دار المدى دمشق 2007 بغلاف جديد يميزها عن الطبعة الأولى التي صدرت في القاهرة قبل أكثر من نصف قرن. ولدينا على غلاف هذه الطبعة اللوحة المشهورة للورد بايرون التي رسمها الفنان البريطاني توماس فيليب 1770-1845، حتى أنها أصبحت الأشهر مع وجود أكثر من عشرين لوحة أخرى للورد بايرون. ولكن الفنان فيليب لم يخلد في هذه اللوحة لورد بايرون فقط بل اللباس الألباني الغريب الذي كان بايرون اشتراه في رحلة إلى ألبانيا في 1809، والذي لا يزال محفوظاً ومعروضاً في قصر"بوود هاوس". وفي الواقع لدينا حول هذه اللوحة واللباس الذي يظهر فيه اللورد بايرون"تاريخ"مثير، بل انه تاريخ يتجدد الآن. فالشاعر المتمرد وصاحب اللقب الرفيع لورد جورج بايرون 1788-1824 كان قد غادر بلاده بعد أن أصبح عضواً في مجلس اللوردات وذهب في رحلة أوروبية زار خلالها ألبانيا واليونان في 1809-1811 وخلّد ذلك في النشيد الثاني من"أسفار شيلد هارولد"، حيث يمتدح القسوة والفضيلة في تلك البلاد قاسية قلوب أبناء ألبانيا، ولكن لا تعوزهم الفضيلة. وكان بايرون اشترى خلال تجواله في ألبانيا طقماً كاملاً من اللباس الألباني التقليدي لجنوب ألبانيا، وهو الذي ظهر فيه أمام الفنان توماس فيليب ليخلّده في تلك اللوحة، التي أصبحت مرادفة لصورة بايرون في الذاكرة الجماعية. وحرص بايرون على حمل هذا اللباس الجميل معه بعد عودته إلى بريطانيا في 1812، وخلال ذلك الوقت كانت له علاقة عاطفية مع مارغريت مرسر، ابنة الكوتيس كشيب، فأهداها هذا اللباس، وقد بلغ من إعجاب مرسر به أن لبسته في حفلة خطوبتها للكونت فلا هاوت. وقد ورثت ابنتهما الماركيزة قصر الأسرة"بوود هاوس"Bowood House، الذي تحول إلى متحف تعرض فيه تحف ذلك الوقت، ومن بينها ذلك اللباس الخاص ببايرون الذي يبدو كأنه اشتُريَ البارحة وجلب من ألبانيا بالطائرة. ولكن مع الشهرة الكبيرة لهذا اللباس في لوحة لورد بايرون، إلا أن قلة قليلة في العالم تعرف أن اللوحة المعروضة في المتحف القومي في لندن ليست هي اللوحة الأصلية التي رسمها فيليب، بل هي نسخة عن الأصلية رسمها بعد وفاة لورد بايرون في 1835، أي بعد 11 سنة من وفاته. أما اللوحة الأصلية التي رسمها فيليب لبايرون في 1813 أي بعد أن أصبح فيليب عضواً في الأكاديمية الملكية في 1808 فهي في مقر إقامة السفير البريطاني في أثينا. ومن المثير أن هذا البيت الذي اشترته الحكومة البريطانية بما فيه في 1936 كان يعود إلى رئيس الحكومة اليونانية الأسبق فنريلوس مؤدلج"اليونان الكبرى"الذي كان من أكثر الساسة اليونانيين عداء للألبان. والمهم هنا أن هذه اللوحة الأصلية تعرض في أرجاء العالم عبر كتالوغ جديد يستعرض ما لدى وزارة الخارجية من تحف فنية في سفاراتها في العالم، حيث تشهد على مفاجآت من هذا النوع للوحات نادرة كانت مشاهدتها تقتصر على الشعراء وضيوفهم فقط. ولكن"التاريخ"الحافل لهذه اللوحة الخالدة للورد بايرون لا ينتهي بذلك، بل انه يتجدد الآن مع استعداد ألبانيا للاحتفال بالذكرى ال 200 لرحلة بايرون إلى ألبانيا. ففي ألبانيا لدينا رابطة تدعى"البايرونيون الألبانيون"وهي تعنى بجمع كل ما يربط لورد بايرون بألبانيا وحفظه، ولذلك فإن الرابطة تخطط لجولة جديدة للورد بايرون في ألبانيا في 2009 يجول فيها بلباسه في المدن الألبانية، وتصدر له طبعة جديدة من"أسفار شيلد هارولد"وتقام أمسيات ومحاضرات عنه في أرجاء ألبانيا. ومن ناحية أخرى، فقد ذكرت الصحافة الألبانية أيضاً أن"تات غاليري"Tate Galery البريطاني سينظم قريباً معرضاً متجولاً في العالم للفن الاستشراقي، وهذه اللوحة لبايرون ضمن المعروضات، مما يتيح للمعجبين رؤيتها بأبعادها الطبيعية.