نادرة هي المناسبات التي يمكن ان يجتمع فيها فنانان عبقريان لإنجاز لوحة واحدة تتشابه فيها التقنية واللون والخطوط والكتل والأفكار حتى تبدو هذه اللوحة من انجاز فنان واحد. حدث ذلك قبل اربعمئة سنة بين روبنز وبروكل في مدينة انتفيربن البلجيكية يوم كانت بلجيكا وهولندا بلداً واحداً قسمته الحرب الاسبانية - الهولندية التي استمرت ثمانين سنة. مدينة لاهاي العاصمة السياسية لهولندا تستعيد هذه اللحظة بإقامة معرض مشترك لهذين الفنانين العبقريين الذي افتتح في نهاية شهر تشرين الأول اكتوبر في قاعة متحف ماورتز هاوس ويستمر حتى نهاية كانون الثاني يناير 2007. يان بروكل فان آلدر 1568 - 1652 وبيتر باول روبنز 1577 - 1640 فنانان من الحقبة الذهبية للمرحلة الكلاسيكية، عاشا في مدينة انتفيربن البلجيكية ولا يفصل بينهما سوى شوارع عدة صغيرة. وقد ارتبطا بعلاقة صداقة حميمة للغاية، هذه الصداقة ستجمعهما في مناسبات مختلفة لرسم لوحات مشتركة كثيرة ستكون في المستقبل من أهم المناسبات في مجال الرسم ليس في مدينة انتفيربن فحسب ولكن في بلدان أوروبية كثيرة مثل اسبانيا وايطاليا وهولندا. يتميز روبنز برسم الأشخاص وهو أستاذ في هذا المجال وماستر في مجال تشريح الجسد البشري بينما يتميز بروكل برسم الحيوانات والطبيعة والتلوين. يقوم الفنانان بتقسيم اللوحة إلى قسمين متساويين، وبعد الاتفاق على الخطوط العريضة لهذه اللوحة يقوم روبنز برسم شخوص اللوحة وبعد انتهاء الجزء المخصص له يقدمها إلى صديقه كي ينهي الجزء الخاص به أي الأشجار والزهور والحيوانات. وعندما تنتهي اللوحة تكون التحفة الفنية جاهزة للإبهار. معظم أفكار اللوحات مستمد كما هو حال الفترة الكلاسيكية من العالمين اليوناني والروماني السحريين والأسطوريين وبعض التصورات عن الجنة وعالم الآلهة والأبطال الخارقين ورحلات الصيد الملكية أو الحفلات الباخوسية. شخوص ورجال روبنز ذوو العضلات المفتولة والصدور العريضة تستلهم المثال اليوناني بكل مقوماته الجمالية الاسطورية، والشخوص النسائية لا تشذ عن هذه القاعدة بأوراكهن الممتلئة وأحواضهن العريضة المستعدة لإنجاب آلهة وابطال مستقبليين. أما بروكل الذي يشرح الطبيعة ويستخرج كل ما من شأنه ان يتحول إلى لون زاه فيحول لوحته أو الجزء المخصص له إلى طاقة لونية باهرة تسطع على سطح اللوحة وتعكس قوة وجمال الطبيعة الكامنة في الاشكال الكبرى كالشجرة والأشكال الصغرى كالزهرة على حد سواء. اما فضاءات اللوحات فتستجيب إلى الموضوعة والزمان والمكان حيث نراها تارة مدلهمة قاتمة في زمن الحرب ومشرقة وصافية في زمن السلم والهدوء أو مسترخية باذخة في اللحظات الحميمة. يضم المعرض اثنتين وعشرين لوحة بأحجام وأشكال مختلفة إضافة إلى عدد من اللوحات الأخرى التي تعد من مقتنيات متحف ماورتز هاوس المعروضة في شكل دائم. وقد جمعت اللوحات من متاحف مختلفة منها متحف باردو في مدريد ومتحف الفن في نيويورك ومتحف باول كيتي في لوس انجليس.