سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لا مفاجآت في الاقتراع الرئاسي في روسيا اليوم وبوتين سيبقى الأقوى : 4 ملفات تؤجج الصراع بين الكرملين وواشنطن بعد الانتخابات ... والشرق الأوسط ساحة مواجهة
مع انقضاء اليوم الأحد تكون النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة الروسية بدأت بالظهور، بسبب فارق التوقيت الكبير مع مناطق أقصى شرق روسيا التي يعلن عن نتائج عمليات التصويت فيها فور إغلاق الصناديق في موسكو، وعادة ما تكون حصيلة الفرز الأولي في هذه المناطق مؤشراً قريباً جداً إلى الأرقام النهائية. وليس سراً أن أحداً لا ينتظر مفاجآت على صعيد هوية رئيس روسيا الجديد، ديمتري أناتوليفيتش ميدفيديف، إبن عاصمة الشمال سان بطرسبورغ ورفيق درب الرئيس الحالي فلاديمير بوتين خلال مسيرة 17 سنة بدأت منذ عملا معاً في حكومة ليننغراد كما كان يطلق على المدينة في السابق، وانتهت بتنصيب"الصديق الموثوق"خليفة ليسير على" النهج ذاته"الذي حكم روسيا في السنوات الثماني الماضية. لذلك لم يكن مستغرباً أن يسارع الرئيس الروسي قبل الاستحقاق الانتخابي بأسابيع ليعلن أن السياسة الخارجية لبلاده لن تشهد تغيرات في عهد الرئيس الجديد. وطبيعي أن العلاقة الملتبسة بين رئيس قوي يستعد لمغادرة الكرملين وآخر يستمد قوته من ثقة الأول به سترمي بظلالها على خطوات العهد الجديد، مهما بلغت حرارة التأكيدات بأن ملفات السياسة الخارجية تبت داخل أسوار الكرملين وليس في مقر الحكومة التي ينتظر أن يجلس بوتين على كرسي رئاستها، خصوصاً في مرحلة معقدة من العلاقات الدولية ومع تركة ثقيلة يتسلمها الرئيس الجديد عنوانها عودة روح المواجهة مع الغرب وإن تكن لم تصل إلى مستويات"حرب باردة"جديدة كما يؤكد الكرملين. يدور في الأوساط السياسية الروسية حالياً جدال مشوب بترقب حول مركز القرار الفعلي بعد الانتخابات، فثمة إجماع على أن بوتين لن يغادر السياسة العليا وسيكون المهندس الأساس لكل التوجهات الداخلية والخارجية، مهما كان موقعه المقبل، ما يعني أن روسيا مقبلة على وضع غريب يتحكم فيه رئيس الوزراء بالقرار على رغم أن الدستور يمنح الرئيس وحده صلاحيات لا حصر لها. ويلفت بعضهم إلى أن هذه التجربة ليست جديدة على الروس، ففي العهد السوفياتي مرت مراحل كان فيها الأمين العام للحزب الشيوعي هو صاحب القرار الأوحد، على رغم أن الدستور منح السلطة العليا دائماً لرئيس مجلس السوفيات البرلمان. والحال أن بوتين سيبقى على رأس هرم السلطة مهما كانت وظيفته الرسمية، لكن كثيرين يعتقدون بأن طبيعة التعامل مع الملفات الحساسة مرهون بتوزيع المناصب في العهد الجديد، والمقصود هنا المقاعد الحكومية ومناصب الهياكل العليا في الكرملين، والحديث لا يدور عن أشخاص بل عن مجموعات ضغط ومراكز قوى، سياسية واقتصادية. ومهما كانت هوية صانع القرار في روسيا فإن التوقعات تشير إلى أن الآتي أسوأ على صعيد العلاقات بين روسيا والغرب خلال المرحلة المقبلة المرتقب أن تشهد المزيد من التدهور في هذه العلاقات، خصوصاً أن تجربة السنوات الأخيرة أثبتت وجود علاقة طردية بين التحسن الاقتصادي والاستقرار السياسي وحال النهوض الداخلي من جهة واتساع محاور المواجهة والتباين في المواقف والمصالح بين روسيا والغرب من الجهة الأخرى. وبسبب ذلك، وأيضاً لاعتبارات تتعلق بشخصية الرئيس الجديد من قبيل انه كان دائماً"الرجل الثاني"ولأنه على عكس بوتين لا يتمتع بكاريزما قوية مستمدة من"إنجازات كبرى داخلياً"يبقى مصدر قوته الوحيد هو بوتين ذاته. وتسود قناعة لدى الأوساط الروسية بأن سياسة موسكو على الصعيد الخارجي لن تشهد تراجعات في أي من الملفات الكبرى التي شغلت الكرملين خلال السنوات الأخيرة، بل بالعكس، يتوقع خبراء تصاعد المواجهة بين روسياوالولاياتالمتحدة، بعد الانتخابات في البلدين. ويرى مدير معهد الولاياتالمتحدة وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية سيرغي روغوف، أن الفترة المقبلة ستكون"الأسوأ"وستسفر عن مواجهة جديدة بين موسكووواشنطن، على رغم أن خطاب ميدفيديف سيكون، بحسب التوقعات، أكثر مرونة على الصعيد الخارجي وعلى كل المحاور خلال أول عامين على الأقل، لكن"من دون تقديم تنازلات في أي من الملفات الأساسية". والرأي السائد في أوساط الخبراء الروس أن المواجهة المتصاعدة مع واشنطن ستستمر بغض النظر عن هوية الرئيس المقبل في البيت الأبيض، خصوصاً أن كل المرشحين الحاليين لانتخابات الرئاسة الأميركية"لا يحملون مشاعر ودية لروسيا"، بل على العكس، إذ جاهر بعضهم بنظرة عدائية لسياسات الكرملين، ويرى بعضهم الآخر أن الجمهوري جون ماكين سيكون"أسوأ سيناريو"بالنسبة الى روسيا مقارنة بانتصار أي من المرشحين الديموقراطيين: باراك أوباما أو هيلاري كلينتون. ولكن هذا التصور مبني على أساس توزيع السياسيين الأميركيين بين"صقور"وپ"حمائم"وعلى رغم أن ماكين يحظى بسمعة سيئة في روسيا. فهو دعا الى إبعاد روسيا من مجموعة"الدول الثماني الكبرى"، وأعلن أنه لم ير في عيني بوتين سوى ثلاثة حروف هي"كي جي بي". وقال رداً علىالسؤال"هل ستحاربون روسيا؟"الذي طرح عليه أثناء الحملة الانتخابية الحالية:"يتوقف هذا على سلوكها". لكن هذا الرأي وجد ما يخالفه، إذ يردد كثيرون أن موسكو عادة تجد لغة للتفاهم مع الجمهوريين أكثر مما هي الحال مع الديموقراطيين، وينطبق ذلك على العلاقات بين خروشوف وأيزنهاوير عندما قام الزعيم السوفياتي بأول زيارة لأميركا، أو بين بريجنيف ونيكسون عندما تم التوقيع على الوثائق الأساسية التي أتاحت كبح جماح سباق التسلح، وبين غورباتشوف وريغان عندما انتهت"الحرب الباردة". أما في عهد بوش الأب فقد اكتسبت العلاقات الروسية - الأميركية حرارة تعد سابقة. وفي الوقت نفسه كان التعامل مع رؤساء أميركا الديموقراطيين أصعب دائماً على الزعماء السوفييت والروس. فقد كان الديموقراطي كارتر يبالغ، برأيهم، في أهمية القيم الأخلاقية، ففي عهده اصطدم أولمبياد موسكو بمقاطعة من جانب نصف العالم. أما كلينتون فتمت أثناء ولايته"برمجة"الحل الراهن لقضية صربيا وكوسوفو والتي ضربت إسفيناً بين روسيا والغرب ما زالت تداعياته تتزايد. ويمكن الآن ترجيح مواجهة موسكو صعوبات مع أي رئيس مقبل في واشنطن، خصوصاً حول قضايا يعتبرها الروس أساسية"ولا تقبل المساومة". بالنسبة الى الروس هناك أربعة ملفات خارجية، أولها قضية الأمن الإستراتيجي، ويمكن هنا إدراج مسألة الدرع الصاروخية في أوروبا والعلاقة مع حلف شمال الأطلسي وسباق التسلح الذي شهد أخيراً إضافة عنصر جديد إليه هو خطط واشنطن لنشر أسلحة في الفضاء الخارجي. وكل هذه البنود تعتبرها موسكو"خطوطاً حمراً"لا يمكن القبول بها، لذلك يتوقع أن يشهد عهد الرئيس الجديد استمرار النشاط على صعيد تعزيز قدرات روسيا العسكرية بما يتضمن الشروع بإنتاج أجيال جديدة من الصواريخ ضمن ما يعرف بأنه خطط"الرد الروسي"على الأميركيين. وأيضاً يحتمل نشر قوات في مناطق جديدة يتوقع أن يكون بينها صربيا. الملف الثاني هو رابطة الدول المستقلة، إذ ينتظر أن تتصاعد المواجهة بين موسكووواشنطن في منطقتي جنوب القوقاز ووسط آسيا، بسبب دعم واشنطن خطط مد أنابيب الغاز والنفط من دون المرور بالأراضي الروسية، من جهة، وكذلك بسبب مساعي بلدان في الرابطة للانضمام إلى حلف الأطلسي من الجهة الأخرى، وهي الخطوة التي تحذر منها موسكو بقوة، لأنها تعني وصول قوات الحلف إلى الحدود المباشرة لروسيا. ولا يستبعد بعضهم في موسكو أن تلجأ الأخيرة إلى خطوات حاسمة في حال انضمت جورجيا إلى الحلف الغربي، منها الاعتراف بإقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الساعيين إلى الانفصال عن جورجيا إقتداء بمثال كوسوفو، وصدرت إشارات أخيراً عن بعض الخبراء حول احتمال نشر قوات روسية في أبخازيا"لمواجهة خطر حلف الأطلسي"في حال استكمال توسعه شرقاً. أما الملف الخلافي الثالث فهو إيران، على رغم أن المرحلة الأخيرة أوحت بتراجع موسكو عن دعم طهران عبر ارتفاع وتيرة لغة التحذير وموافقة الروس على صدور قرار بتشديد العقوبات. ويلفت خبراء روس تحدثت إليهم"الحياة"إلى أن طهران تبقى بنظر موسكو"شريكاً أساسياً"في المنطقة لا يمكن التخلي عنه، واللافت أنه في حين يدور النقاش في مجلس الأمن حول قرار جديد في شأن إيران، أجرت موسكو حوارات مع الإيرانيين لتوسيع حجم التعاون ليتعدى الجانب النووي إلى جوانب تقنية مهمة بينها التعاون في صناعة طائرات ركاب روسية في مصانع إيرانية. وهذا الاتفاق الذي تزيد قيمته عن بليوني دولار، من المنتظر أن يتم توقيعه بحسب مصادر إيرانية، في نهاية أيار مايو المقبل، وأيضاً تأمل موسكو في توقيع اتفاق إستراتيجي لإنشاء عدد من المحطات الكهروذرية الجديدة في إيران بعد إتمام العمل في محطة"بوشهر". ويتعلق الملف الخلافي الأخير بالدور الروسي في حل القضايا الإقليمية وخصوصاً في الشرق الأوسط. ويرى خبراء أن موسكو التي زادت من نشاط ديبلوماسيتها في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، تتعرض لضغوط كبرى بسبب ذلك، لكنها بحسب رئيس الوزراء الأسبق يفغيني بريماكوف، لا تنوي التراجع عن الإنجازات التي تحققت خلال عهد بوتين وخصوصاً على صعيد استعادة مواقعها في مناطق كانت تعد تقليدياً حليفة لروسيا. واللافت أن بوتين أنهى عهده بپ"تحدي"السياسة الأميركية في المنطقة أخيراً عندما تحدث عن رؤية روسية مغايرة للرؤية الأميركية حول سبل حل المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية. وأيضاً أكدت موسكو تصميمها على المضي بتعزيز التعاون مع حلفائها"التاريخيين"مثل سورية، إضافة إلى أن السنوات الأخيرة شهدت"اختراقاً"روسياً لمناطق جديدة مثل السعودية التي تستعد موسكو لتعاون كبير معها يبدأ من مجالات الطاقة ولا ينتهي بمشروع ضخم لمد السكك الحديد. وضمن هذه الرؤية يعتبر كثيرون في موسكو أن منطقة الشرق الأوسط ستكون واحدة من ساحات المواجهة المقبلة بين موسكووواشنطن. العلاقات الروسية - العربية ... شراكة جديدة شهدت السنوات القليلة الماضية عودة النشاط الديبلوماسي الروسي الى القضايا الحساسة في المنطقة العربية. ومع نجاح روسيا في استعادة مواقعها وإعادة بناء تحالفات مع شركاء تقليديين كانت رياح التغيير التي عصفت بالبلاد أبعدتهم عن أولويات السياسة الخارجية الروسية لسنوات، مثل سورية والجزائر، حقق الروس اختراقاً جدياً عبر بناء علاقات شراكة جديدة وفتح أسواق لم يكن لهم فيها موطئ قدم. وظهر ذلك بوضوح على صعيد العلاقات الروسية الأردنية مثلاً، أو القفزة المهمة التي تحققت مع السعودية التي يرشحها كثيرون من الخبراء للتطور بخطى ثابتة خلال السنوات المقبلة، وليس من قبيل المبالغة ما ذهب إليه بعضهم حول قدرة العلاقة بين موسكو والرياض على التحول إلى شراكة إستراتيجية مطلوبة للطرفين خلال العقدين المقبلين على الأقل. ولا يبدو أن المصادفة وحدها هي التي قادت زعماء دول عربية عدة إلى موسكو في الأسابيع الأخيرة لعهد بوتين في الكرملين، وفي فترة تستعد فيها روسيا لدخول مرحلة إعادة بناء شامل لهياكل السلطة، بعد انتخابات الرئاسة المقبلة. وتبدو مسارعة القادة العرب متعمدة عشية الانتخابات لترسيخ ما تحقق خلال السنوات الأخيرة من تقدم ملموس، ووضع مقدمات للبناء عليه في ظل الرئيس المقبل . وفي هذا الإطار جاءت زيارات العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة ووزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، وحتى السياسي اللبناني وليد جنبلاط، لتعكس حرصاً على تعزيز التوجهات الروسية في العلاقة مع المنطقة. في كل الأحوال يبدو مع انطلاق مرحلة جديدة في روسيا أن ثمة قناعة بالأهمية المتزايدة لدور روسيا في المنطقة، وليس سراً أنه مع حلول عام 2000، عندما دخل بوتين الكرملين رئيساً، كان يبدو أن روسيا فقدت الشرق الأوسط إلى الأبد. وظهر ذلك في نواح عدة منها تدهور التبادل التجاري مع البلدان العربية في التسعينات إلى أدنى مستوياته حتى مع الحلفاء التقليديين لموسكو، وأيضاً الحملات الدعائية المتوترة على العرب والمسلمين التي سيطرت على وسائل الإعلام الروسية والمراكز المختصة بقضايا الشرق الأوسط، في مرحلة استدارت فيها روسيا تماماً نحو الغرب. وعلى رغم صعوبة المهمة، بدا واضحاً منذ البداية أن مهندسي السياسة الخارجية الروسية يدركون تماماً أهمية المنطقة، وتحديداً أهمية استعادة المواقع الروسية التي فقدت فيها منذ تسعينات القرن الماضي، ليس فقط لجهة المصالح الاقتصادية، بل ولزيادة تأثير موسكو في الملفات الدولية، ومع تأكيد كثيرين على أهمية عدم التهويل من شأن"المواجهة"الروسية - الأميركية. لكن الأكيد أن التضارب القوي والأخطاء المتلاحقة للإدارة الأميركية مكنت موسكو من التقدم بخطوات واسعة في اللحظات المناسبة لملء الفراغ، وهذا ينطبق على الوضع في العراق الذي كان من أبرز أسباب التقارب القوي بين موسكووطهران، وكذلك النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وپ"التحدي"الروسي للغرب من خلال فتح قنوات اتصال مباشرة مع حركة"حماس"واستقبال قادتها في موسكو، وأيضاً تعزيز العلاقات على مختلف المحاور التجارية والاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية مع سورية. وأخيراً انتقلت موسكو إلى تقديم مبادرات مثل الدعوة لعقد مؤتمر شامل حول السلام في الشرق الأوسط، ما عكس رغبة روسية في تعزيز دورها بالإفادة من عثرات النشاط الديبلوماسي الأميركي والغربي عموماً في المنطقة. ويبدو أن الخط الذي انتهجه الرئيس الذي يستعد لمغادرة الكرملين بعد أسابيع، قطع أشواطاً مهمة في تعزيز إستراتيجية شاملة للتعامل مع المنطقة كانت مفقودة بقوة خلال المرحلة السابقة، إذ بات واضحاً أن موسكو بلورت توجهاتها الشرق أوسطية على مختلف الصعد وفي شكل يبدو من المتعذر فيه أن يتم التراجع عنها خلال المرحلة المقبلة مهما كانت طبيعة التغيرات في المطبخ السياسي الروسي، لأنها غدت جزءاً من المشهد العام للنهوض الروسي على كل المستويات.