سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"أوروبا الجديدة" تواصل السعي إلى قطع الطريق على الشراكة بين الروس ودول القارة العجوز . روسيا تستعيد دورها في مواجهة الأميركيين وتحالفها مع "التنين الآسيوي" يؤسس ل "ثلاثية قطبية"
يجمع المحللون الروس على أن عام 2006 حمل متغيرات كبيرة على صعيد علاقات البلاد بمحيطها الإقليمي والدولي، فهو شهد إعادة صوغ تحالفات كانت مقدماتها برزت في السابق وعزز ظهور محاور سياسية واقتصادية ازداد دورها نشاطاً وتأثيراً على نحو غير مسبوق منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. ومن جهة أخرى وسعت مجريات عام 2006 الهوة بين روسياوالولاياتالمتحدة وعززت التباين في سبل التعاطي مع مختلف الملفات الساخنة، كما مهدت لإدخال تغييرات حاسمة في علاقات روسيا بجيرانها الأوروبيين راوحت بين توجهات لشراكة إستراتيجية مع دول القارة العجوز ومواجهة هادئة حيناً وساخنة أحياناً مع"أوروبا الجديدة". وإذا كان عنوان عام 2005 هو العودة الروسية القوية إلى الساحة الدولية من خلال نهوض الدور الروسي وتعزيز تواجد موسكو على مختلف الصعد، فإن 2006 كرس واقعاً جديداً من خلال تعاظم التأثير الروسي في الملفات الإقليمية والدولية. والاهم بحسب محللين روس، أن موسكو بدأت بنسج علاقات تحالف مع"التنين الآسيوي": الصين، على رغم المشاكل الراكدة تحت السطح بين البلدين وأهمها زيادة النشاط الصيني في مناطق شرق روسيا والذي يفتح على مشكلة تتخذ طابعاً استراتيجياً، خصوصاً مع استفحال المشكلة الديموغرافية وتناقص تعداد السكان في الأقاليم الروسية الشرقية على نحو كارثي. ومع ذلك ظهر المحور الروسي - الصيني بقوة خلال عام 2006، أثناء مناقشات عدد من الملفات الساخنة وخصوصاً الوضع في الشرق الأوسط والأزمة النووية الإيرانية وكذلك الوضع في شبه الجزيرة الكورية في ضوء تطوير البرنامج النووي لكوريا الشمالية والتجارب الصاروخية التي قامت بها بيونغيانغ ، إضافة إلى ملف العلاقات في منطقة آسيا الوسطى والأوضاع في أفغانستان. ويعتبر خبراء روس أن الصين مرشحة لتكون الحليف الأهم لبلادهم خلال العقدين المقبلين بسبب تقاطع مصالح الطرفين على الصعيدين الإقليمي والدولي، من دون التقليل من أهمية علاقات تحالف استراتيجي مع دول الاتحاد الأوروبي، وهو الاتجاه الذي عملت عليه الديبلوماسية الروسية بقوة خلال الأعوام الأخيرة، لكنه تعرض لهزة قوية خلال هذه السنة بعدما بدأت سياسات دول أوروبا الشرقية تتخذ منحى عدائياً لموسكو، انعكس على مناقشات روسيا - الاتحاد الأوروبي بقوة. وظهر ذلك جلياً خلال مفاوضات توقيع اتفاق الشراكة الإستراتيجية أخيراً الذي تعرقل بسبب موقف بولندا المدعوم من دول حوض البلطيق والذي يلقى تأييداً من دول اشتراكية سابقة مرشحة حالياً للانضمام إلى الاتحاد مثل رومانيا وأوكرانيا وجورجيا. ويرى ديبلوماسيين روس أن الأزمة مع أوروبا مرشحة لمزيد من التعقيد خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً بسبب سياسات روسيا على صعيد الطاقة والمخاوف الأوروبية من تعرض إمدادات الطاقة إلى أوروبا لمرحلة عدم استقرار. وفي الوقت ذاته يرجح كثيرون أن تتسع الهوة داخل البيت الأوروبي بعدما بدأت دول أوروبا الشرقية تشكل غالبية معطلة تخضع لتأثير قوي من جانب الولاياتالمتحدة، على عكس حلفاء روسيا التقليديين مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا الذين يسعون إلى بناء فضاء أوروبي متكامل تلعب روسيا دوراً مهماً فيه. وكمثال على الأهمية الكبرى لذلك، يورد سياسيون روس الأزمة الأخيرة مع جورجيا عندما فرضت موسكو تدابير عقابية ضد الدولة الجارة رداً على اعتقال ضباط روس في تبليسي، إذ عكست الأزمة مواجهة مباشرة بين الولاياتالمتحدةوروسيا عنوانها السيطرة على طرق إمداد الطاقة في منطقة القوقاز ، وأظهرت جهود الوساطة الأوروبية ميلاً إلى المحافظة على الدور الروسي في منطقة القوقاز وتقليص مجالات التدخل الأمريكي الذي يعتبر كثيرون انه سيعرض مصالح أوروبا وروسيا للخطر على الصعيد الاستراتيجي. ولم تكن المواجهة القوية مع"الدور الأميركي المتزايد في منطقة القوقاز"، العنوان الوحيد الذي سجله عام 2006 على صعيد العلاقات بين موسكووواشنطن، لكنها شكلت تحولاً مهماً في طبيعة المواجهة بعدما انتقلت إلى ساحة شكلت تقليدياً على مدار قرون منطقة نفوذ حيوي لروسيا، إذ يعتبر كثيرون أن دخول واشنطن المباشر على خط العلاقات مع جورجيا يستهدف إبعاد موسكو عن المنطقة وتقليص تأثيرها جذرياً، كون جورجيا تحتل موقعاً استراتيجياً على صعيدي خطوط إمداد النفط والغاز إلى أوروبا. ولا يخفي البعض في موسكو قناعته بأن الوضع في القوقاز عكس انتقالاً مقصوداً للمواجهة بين موسكووواشنطن إلى داخل الفضاء السوفياتي بعدما شهدت السنة المنقضية مواجهة مفتوحة حيال مختلف الملفات الإقليمية والدولية ، ما عكس برأي مراقبين توجهاً أميركياً لزيادة الضغوط على موسكو . وعلى رغم أن كثيراً من السياسيين الروس يفضلون تجنب استخدام عبارات مثل"الحرب الباردة"عند وصف المواجهة الحالية مع واشنطن، فإن خبراء عديدين في روسياوالولاياتالمتحدة عادوا إلى استخدام مصطلحات الحرب الباردة لتحليل طبيعة العلاقات المعقدة بين البلدين. وكانت المواجهة في شكلها الجديد ظهرت بقوة منذ مطلع السنة عندما أعلنت طهران عن استئناف بحوثها النووية ، وعرقلت موسكو طوال شهور المساعي الأميركية لنقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن ، وزادت حدة المواجهة بعدما استقبل الروس قادة حركة"حماس"في آذارمارس الماضي على رغم المعارضة الغربية القوية ، وظهرت عناصر الخلاف بين موسكووواشنطن في العراقوأفغانستان والبلقان وأميركا اللاتينية وشبه الجزيرة الكورية وخلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان. ويرى محللون روس أن المواجهة المتزايدة بين البلدين سببها إصرار واشنطن على"عدم الاعتراف بضخامة التحولات التي شهدتها روسيا خلال العقد الأخير"ومواصلة التعامل مع موسكو بمنطق الغالب والمغلوب بعد انهيار الدولة العظمى على رغم أن"روسيا 2006 ليست روسيا 1994 التي كانت تستجدي المعونات من صندوق النقد الدولي ومستعدة لتقديم تنازلات إستراتيجية في مناطق مختلفة من العالم في مقابل دعم اقتصادها الوليد" صحيح أن واشنطن سعت إلى استرضاء الروس بعد اشتداد المواجهة من خلال إعلان الموافقة على انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية بعد 14 سنة قضاها الطرفان في مفاوضات صعبة ، لكن هذه الخطوة اعتبرها كثيرون في موسكو ناقصة ، لأن البروتوكول الخاص بذلك لا يدخل حيز التنفيذ قبل مصادقة الهيئة الاشتراعية الأميركية عليه وهو أمر يبدو صعباً مع وصول غالبية ديموقراطية إلى الكونغرس أخيراً، وفي هذا الإطار يشير محللون روس إلى واحدة من المشكلات التي تواجه تحسين العلاقات بين موسكووواشنطن على المستوى القريب ، إذ تواجه روسيا التي يقودها مركز سياسي واحد هو الكرملين ثلاثة مراكز قوى في الولاياتالمتحدة تمتلك كل واحدة منها رؤية خاصة للعلاقات مع موسكو، وهي: وزارة الدفاع البنتاغون ومجلس الأمن القومي والخارجية الأميركية ، وتقوم الجهات الثلاث بصوغ سياسات متناقضة فيما بينها. وفي حين تربط الكرملين علاقات جيدة مع الإدارة الأميركية فإن الكونغرس اتخذ مواقف عدائية لموسكو حتى عندما كانت تحكمه غالبية جمهورية. قفزة اقتصادية وأخيراً حمل العام 2006 جديداً على المستوى الداخلي ، فمن جانب حققت موسكو قفزة مهمة على الصعيد الاقتصادي، وسجلت نمواً ملموساً بلغ معه احتياطي صندوق الاستقرار ما يزيد على 288 بليون دولار، كما باتت روسيا تمتلك احتياطاً من العملات الأجنبية يعد الثالث على مستوى العالم. وعكس ذلك استقراراً سياسياً واقتصادياً ساهم في تبني الكرملين سياسات إقليمية ودولية أكثر استقلالية، تميزت بالتحول في العديد من المناطق إلى المبادرة بدل السياسة السابقة القائمة على ردود الفعل. وساعد في تعزيز ذلك إعلان الحكومة الروسية عن سداد القسم الأكبر من ديون روسيا الخارجية الموروثة عن الدولة السوفياتية المنهارة. ومع التطور لدور روسيا يستعد الكرملين لولوج عام 2007 الذي يعد حاسماً كونه سيشهد انتخابات الهيئة الاشتراعية التي تشكل مقدمة مهمة تؤثر في انتخابات الرئاسة في ربيع العام 2008. وعلى رغم أن الرئيس فلاديمير بوتين أعلن غير مرة عدم نيته ترشيح نفسه لولاية رئاسية ثالثة، فإن السنة المنقضية شهدت سجالات ساخنة حول"الخليفة"المتوقع لبوتين. في المقابل شهدت السنة المنقضية محاولات حثيثة من جانب المعارضة الروسية لتشكيل هيكلية واحدة تكون قادرة على مواجهة"مرشح الكرملين". ويرى كثيرون أن حادث مقتل الجاسوس الروسي الكسندر ليتفينينكو أخيراً في لندن هدف إلى فرض عزلة دولية على الكرملين بعد توجيه الاتهام إلى الاستخبارات الروسية باستخدام مواد نووية لتصفية أعدائها. وعلى رغم أن التحقيقات الجارية مالت أخيراً نحو فرضية وجود دور محتمل لمعارضين روس في عملية قتل الجاسوس، فإن خبراء روس يتوقعون استمرار الحملة القوية على القيادة الروسية خلال السنة المقبلة.