اختتمت البنوك المركزية العام بضخ سيولة ضخمة لتسيير عجلة الاقتصاد. ففي 18 كانون أول ديسمبر الماضي، ضخ البنك المركزي الأوروبي 502 بليون دولار تساوي 130 في المئة من إجمالي الناتج المحلي السنوي لسويسرا، في أسواق الائتمان. وأعلن مسؤولون في البنوك المركزية عن نيتهم مواصلة ضخ أموال"طالما تطلب الوضع ذلك". بيد أن ضخ هذه السيولة الكبيرة تزامن مع أنباء مقلقة عن التضخم. فعلى أساس حساب سنوي، قفزت مؤشرات أسعار الاستهلاك والإنتاج في أميركا لتشرين الثاني نوفمبر إلى 4.3 في المئة و7.2في المئة، تباعاً. وحتى القياس المحبب لدى مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي لقياس التضخم مؤشر الأسعار الأساسية لنفقات الاستهلاك الشهري ازداد 2.2 في المئة على امتداد السنة، فاخترق سقف التضخم البالغ 2 في المئة. لكن تبين ان التضخم ليس ضمن نطاق السيطرة بعكس ما يؤكده بعضهم. فهبوط قيمة صرف الدولار أبرز منذ زمن طويل أن السياسة النقدية كانت رخوةً إلى حد كبير، وأن التضخم سيطل برأسه البشع في النهاية. هذا التطور لم يقلق دعاة الحمائية التجارية في واشنطن، الذين ابتهجوا لرؤية الدولار يخسر نحو 30 في المئة من قيمته امام اليورو على امتداد السنوات الخمس الماضية. فبالنسبة اليهم، تشكل إعادة تقويم أعلى للعملة الصينية في مقابل الدولار وفك ارتباط عملات أخرى به، الجائزة الكبرى. وكما يراها دعاة الحمائية، فإن الدولار الضعيف سيخلق مفاجآت كبيرة بالنسبة الى العجز في ميزان التجارة الأميركي. فهذه سياسة اقتصادية سيئة، وهي أكثر سوءاً من الناحية السياسية المحضة. ففي الاقتصادات المفتوحة، يعتبر فقدان التوازن في الموازين التجارية دليلاً على القدرات في صافي الادخارات، وليس على تغييرات في قيمة صرف العملات. ويكفي تذكر العجز الكبير في الميزان التجاري منذ 1980، من دون أن يتأثر بالتذبذبات في أسعار صرف الدولار. إذاً، ما هو الحل؟ حان الوقت لتتخذ إدارة بوش إجراءات للوصول الى دولار قوي بدلاً من القاء الخطب حول الموضوع، من طريق تشجيع تدخل منسق ومشترك تؤديه البنوك المركزية الرئيسة في سبيل تقوية الدولار ووضع سقف له. إن ضعف الدولار الحالي ظاهرة دورية. فأزمة العقارات دفعت بمجلس الاحتياط الفيديرالي الى خفض الفوائد على موجودات الدولار نقطة مئوية كاملة منذ آب ربما كان ذلك اكبر مما يجب. وعادةً، ينتعش الدولار كلما انتعش النمو وكلما فُرضت إجراءات نقدية تقييدية. بيد أن أسواق تبادل العملات الأجنبية يمكن أن تعاني حماساً غير عقلاني ومؤثراته المصاحبة التي تقود إلى ما هو أبعد من الهدف المنشود. هذا بالضبط السبب الذي يجعل الدولار محاصراً. فإذا كانت الحكومة الأميركية تؤمن حقاً بأنه يمكن الحفاظ على دولار قوي ومستقر على المدى البعيد، يتوجب عليها أن تتدخل في القريب العاجل لتقويته. لكن هناك تحفظ حيال الموضوع. فبموجب العمليات الاعتيادية لمستوى الدولار العالمي، الذي كان سائداً منذ عام 1945، فإن الحكومة الأميركية تحافظ على أسواق رأس المال المفتوحة، وتظل صامتة في شكل عام في أسواق صرف العملات الخارجية، في الوقت الذي تتدخل فيه الحكومات الأخرى في شكل يؤثر في نسب صرف العملات. واليوم، وخارج عدد قليل من دول شرق أوروبا المرتبطة باليورو، فإن بلداناً في آسيا وأميركا اللاتينية وجزءاً كبيراً من إفريقيا والشرق الأوسط، تستخدم الدولار عملة رئيسة مشتركة. ما يجنبها استهداف معدلات صرف العملة. وعلى سبيل المثال، إذا أقدم البنك المركزي الكوري على خفض قيمة عملته المرتفعة من طريق شراء الين وبيع الوون، فإن الاول، وهو الأعلى قيمة، سيؤثر سلباً اليابانيين. بدلاً من ذلك، يجب الاحتفاظ بالدولار كعملة تدخّل مشتركة من البلدان الأخرى، ويعتبر من العبث، أن تتدخل الحكومة الأميركية منفردة ضد أيٍّ من العملات الأجنبية لدعم قيمة الدولار بل من باب الجهل. لأن ذلك يتعارض مع الطريقة المقبولة التي جرى التعامل بها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي طريقة جلبت فوائد كبرى للولايات المتحدة وللاقتصادات العالمية. ان توقيت التدخل المشترك هو الآن أفضل من أي وقت آخر. فقد أبدى أهم شركاء أميركا التجاريين انزعاجهم بسبب تقهقر الدولار. وإذا اتخذ البنك المركزي الأوروبي، والبنوك المركزية في اليابان، وكندا، وبريطانيا وغيرها، زمام المبادرة، فإن من الحكمة للولايات المتحدة أن تتعاون معها، فالتدخل المشترك على هذا النطاق سوف يتجنب التدخلات ذات الأغراض المتناقضة. كذلك، فإن التدخلات الرسمية هي أكثر فعالية بكثير عندما تكون كل البنوك المركزية ذات العلاقة مشتركة في الموضوع، لأن الأسواق في تلك الحالة تتلقى إشارة أقوى بأن الحكومات الوطنية المختلفة ألزمت نفسها بصدقية. التعاون حالة، كل طرف فيها رابح: التقويم المبالغ فيه في مستوى العملات الأوروبية سيخف، ومالكو الأرصدة الدولارية الكبيرة سيتفادون خسائر رأسمالية كبيرة، كما أن الولاياتالمتحدة ستنجو من خطر تضخم كبير ناتج من خفض عام لقيمة الدولار. لكن في انتظار ان توافق الصين على كل ذلك، فإن على الولاياتالمتحدة والمجموعة الأوروبية أن تؤيد سياسة الدولار القوي، من طريق إنهاء انتقادها الصين الذي ينطوي على مردود عكسي. * أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، كبير الاساتذة في معهد ستانفورد لأبحاث السياسة الاقتصادية. ** أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جون هوبكينز، كبير الاساتذة في معهد كيتو هذا المقال برعاية"مصباح الحرية.