في زيارته فنزويلا، عقد رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، صفقة بيع عدد من طائرات النقل. وأضيفت هذه الصفقة الى لائحة الصفقات العسكرية الأخرى التي سبقتها منذ 2005، وبلغت قيمتها نحو 4،4 بلايين دولار من العتاد العسكري. وفي كوبا، قابل ميدفيديف فيديل كاسترو المريض، وشقيقه راوول. وبدأت السفن الروسية مناورات بحرية في منطقة الكاريبي. ولا تقتصر الزيارة هذه على بيع السلاح والمناورات البحرية. فقبل أشهر، أعلن هوغو تشافيز أن زيارة ميدفيديف ترمي الى توجيه"رسالة الى الإمبراطورية الأميركية"مفادها أن روسيا عادت الى ساحة النزاع، وفي وسعها المشاركة في ألعاب إمبريالية، شأن الولاياتالمتحدة. والحق أن ميدفيديف قصد كوباوفنزويلا بسبب احتفاء البلدين به. فهو غير مرحب به في تبليسي وكييف ووارسو وبراغ. ويشوب السياسة الخارجية الروسية التناقض. فموسكو عادت الى توسل لغة الإمبريالية، وأيقوناتها، ومحطاتها التاريخية. وهي تبالغ في الاحتفال بذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهو تاريخ أعظم انتصار للاتحاد السوفياتي. وبعثت الأغاني السوفياتية، والتهديد بنشر صواريخ نووية. ويزعم القادة الروس أنهم"لاعبون دوليون". وعلى رغم سعي موسكو الى بعث مكانتها الآفلة، لا يلقى النظام السياسي الروسي ترحيباً في الدائرة السياسية الأقرب، أي أوروبا، على خلاف ما تشتهي روسيا. وفي النصف الشرقي من القارة القديمة، تنتشر مجموعات اثنية ناطقة بالروسية تدعمها موسكو، وتمول خططها السياسية. وثمة مجموعات ضغط أوروبية في عالم الأعمال موالية لروسيا، وخصوصاً في إيطالياوألمانيا. وهذه المجموعات تثني على سياسة موسكو، وتؤيدها. ولكن الاوروبيين لا يبدون اهتماماً بالنظام السياسي الروسي، وهو نظام ديموقراطية زائفة ورأسمالية الخلان، ونظام الرقابة على الإعلام، وتفشي الجريمة والفساد. فالنظام الروسي غير جذاب، ولا يصلح ليكون نواة إمبراطورية نافذة. وعلى خلاف حال روسيا اليوم، حاز الاتحاد السوفياتي، في الحرب الباردة، إعجاب الأوروبيين والأميركيين الشيوعيين. وكان السوفيات نافذين في أوساط هؤلاء الشيوعيين. واليوم، لا تدعو حركة شعبية واحدة بأوروبا، سواء كانت في شرقها أو غربها، الى نظام اوليغارشي اقتصادي يحاكي النظام الروسي، أو الى الاحتذاء على الحراس الروس الذين اعتدوا على حراس تشافيز على متن المدمرة الروسية. ولا شك في أن روسيا بسطت نفوذها في بعض ديكتاتوريات آسيا الوسطى. ولكن النفوذ في هذه المنطقة لا يرضي الطبقة الحاكمة الروسية، ولا يمنحها مكانة دولية تتوق إليها، وتعزز مكانتها في الداخل الروسي. فيضطر ميدفيديف الى اجتياز مسافات طويلة للوقوع على حلفاء. وقد لا يرى الروس أن نفوذ بلادهم في كوباوفنزويلا مهم، شأن نفوذها، لو استطاعت إليه سبيلاً، في جورجيا أو ألمانيا. ولكن صور مسؤولين روس بكوبا تبعث الحنين الى الماضي في أوساط الروس، وهي قرينة على أن في مقدور ميدفيديف التحرك في فناء أميركا الخلفي. ويأمل المرء في أن يتجاهل الرئيس باراك أوباما هذا التحرك الروسي، على ما فعل سلفه بوش، وأن يحمله على تمارين علاقات عامة روسية. فلتتجول السفن الروسية قدر ما تشاء في الكاريبي، وليختل ميدفيديف وقتاً طويلاً بتشافيز وكاسترو. فهذه الصداقة لن تدوم إذا واصلت أسعار النفط انخفاضها. وليست الزيارة الروسية الى فنزويلا أزمة صواريخ جديدة مع كوبا، على رغم أن ميدفيديف يرغب في أن توحي زيارته بالشبه. فالتاريخ يعيد نفسه، ويكون في الواقعة الأولى مأساة، وفي الثانية مهزلة، على ما يقول ماركس. عن آن آبلبوم، "واشنطن بوست" الأميركية، 2/12/2008 نشر في العدد: 16686 ت.م: 10-12-2008 ص: 23 ط: الرياض