كان فجر أمس بداية ليوم استثنائي في تاريخ الولاياتالمتحدة. بداية ل "عصر التغيير" الذي وعد به باراك أوباما، لطي مرحلة كبدت الأميركيين والعالم، ثمن ثلاثة حروب على العراق وأفغانستان... وعلى الإرهاب... أما نهاية المرحلة، فكبوة لأقوى اقتصاد هزت أسواق المال في كل مكان. حقق المرشح الديموقراطي باراك اوباما فوزاً تاريخياً وساحقاً مساء أول من أمس على منافسه الجمهوري جون ماكين ليصبح, في السابعة والاربعين من العمر اول اميركي أفريقي - أميركي ينتخب رئيساً للولايات المتحدة. وأفادت النتائج غير النهائية للاقتراع بأن اوباما حصل على 52 في المئة من الأصوات في مقابل 47 في المئة لخصمه الجمهوري. وبفوزه، يدخل سناتور ايلينوي التاريخ من بابه الواسع، ويكذب المتشائمين الذين اعتبروا طوال حملته ان اميركا غير مهيأة بعد لانتخاب أفريقي - أميركي. ويجسد فوز اوباما الذي ولد قبل 47 عاماً لأب كيني المسيرة التي اجتازها الأفارقة الأميركيون في بلد ما زال يؤرقه شبح العنصرية. وشارك حوالى 66 في المئة من الناخبين الاميركيين في الانتخابات الرئاسية، في رقم قياسي لم يسجل منذ عام 1908 بحسب الموقع المستقل"ريل كلير بوليتكس". وسبق أن بلغت نسبة المشاركة 63.1 في المئة عام 1960 لدى انتخاب جون فيتزجيرالد كينيدي. وبلغت المشاركة في عام 2004 عندما اعيد انتخاب الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش 55.3 في المئة. وقاد أوباما الديموقراطيين لنصر كاسح وسّع غالبية الحزب في مجلسي النواب والشيوخ على السواء مستفيداً من رفض لافت للنظر لفترة رئاسة الجمهوري جورج بوش التي دامت ثماني سنوات. وإضافة الى أوهايو وفلوريدا فاز أوباما في فرجينيا وأيوا ونيو مكسيكو ونيفادا وكولورادو وكلها ولايات فاز بها بوش في انتخابات عام 2004. وقضت خسارة ماكين في بنسلفانيا على امله الاخير في الفوز بولاية تميل أصلاً نحو الديموقراطيين. وعند الساعة السادسة بتوقيت غرينتش وبعد اعلان النتائج في 46 ولاية, حصل اوباما على اصوات 338 من كبار الناخبين في مقابل 156 لماكين. ولينتخب رئيساً يجب ان يحصل المرشح على 270 من اصوات كبار الناخبين من اجمالي 538 صوتاً يشكلون الهيئة الناخبة. ويلي اسم كل ولاية عدد كبار ناخبيها. فالفائز في اي ولاية يحصل على كل اصوات كبار ناخبيها باستثناء ماين ونبراسكا اللتين يتم توزيع اصوات كبار الناخبين فيهما وفقاً لنسبة الأصوات التي حصل عليها كل مرشح. وانتخابه لن يقرب الاميركيين من اصل افريقي من المجموعات الاخرى المكونة للشعب الاميركي فحسب، بل يحقق ايضاً حلم مارتن لوثر كينغ في المساواة بين الاعراق الذي ناضل من اجله قبل 45 عاماً. وسينصب باراك اوباما المعجب الكبير بأبراهام لينكولن مهندس الغاء العبودية، في 20 كانون الثاني يناير 2009 رئيساً لبلاد ما زالت ذكرى الفصل العنصري ونضال السود من اجل حريتهم في الستينات حية في الاذهان. وولايته خلال اربع سنوات قابلة للتجديد ستراقب عن كثب وبانتباه كبير لرؤية اذا كان سيعود بالنفع على الأفارقة الأميركيين خصوصاً الأكثر فقراً، وإذا كان سيتمكن من تضميد الجراح التي خلفتها العنصرية وما زالت تنزف الى الان. وكان عدد كبير من المحللين يتوقع صعوبات لاوباما بسبب التهميش الذي ما زال يلحق بالأفارقة - الأميركيين. لكن باراك اوباما فاز في ولايات عمالية وغالبيتها من البيض مثل بنسلفانيا واوهايو، حيث هزمته سناتورة نيويورك هيلاري كلينتون خلال الانتخابات التمهيدية الديمقراطية. وطوال حملته امتنع اوباما عن تقديم نفسه ك"مرشح ملوّن"واعتبر على الدوم انه لو مني بالهزيمة فلن يكون ذلك بسبب لون بشرته. وعرف اوباما وهو ابن اميركية بيضاء متحدرة من كنساس وترعرع في هاواي واندونيسيا, كيف يعتمد خطاباً خالياً من العقد مشدداً في شكل منهجي على الوحدة الضرورية للشعب الاميركي. ولعل هذا هو سر نجاحه وفوزه. فشل حتى خصم اوباما الجمهوري جون ماكين تحدث عن اهمية عرق الرئيس المقبل لدى الاقرار بهزيمته. وهنأه على الفوز قائلاً"الشعب الأميركي قال كلمته"وتعهد بمساعدة أوباما في التعامل مع العديد من التحديات التي تواجه البلاد. وألقى ماكين كلمة وسط حشد من مؤيديه في فندق فينكس بعد ان اتصل هاتفياً بأوباما مسلماً له بالهزيمة في الانتخابات. وقال أوباما في وقت لاحق ان مكالمة مكين له كانت"كرماً فريداً منه". وقال المحارب السابق في فيتنام:"انها انتخابات تاريخية. اقر بأن لها مغزى خاصاً للاميركيين من اصل افريقي". وأضاف:"حتى اذا تجاوزنا قسماً كبيراً من المظالم القديمة التي شوهت صورة بلادنا من خلال حرمان جزء من الاميركيين بأن يتمتعوا بالمواطنية الاميركية, فان ذكرى تلك الاوقات كانت لا تزال قادرة على ان تجرح". وتابع"اليوم ينبغي الا يكون هناك اي سبب يمنع اي اميركي من ان يعتز بانتمائه الى هذا البلد, اكبر امة في العالم". وقال ماكين 72 سنة لأنصاره المجتمعين في الباحة الداخلية لفندق بالتيمور ان هذا الفشل هو فشلي وليس فشلكم". وأضاف:"من الطبيعي الليلة أن أشعر ببعض خيبة الامل لكن غداً يتعين علينا أن نتجاوز ذلك وأن نعمل معاً لكي تتحرك بلادنا من جديد". وذكر كثيرون من أنصار ماكين أنهم يتوقعون أن يزيد أوباما الضرائب التي يدفعونها ويعرض البلاد لهجوم ارهابي.وقال:"السناتور أوباما وأنا لدينا اختلافات وتحدثنا عنها وهو فاز"مضيفاً أن الكثير من هذه الاختلافات ما زالت قائمة. وتابع:"هذه أوقات عصيبة بالنسبة لبلادنا وأتعهد له الليلة بأن أبذل قصارى جهدي لمساعدته لقيادتنا وسط تحديات كثيرة نواجهها". وانضمت الى ماكين على المنصة حاكمة ألاسكا ساره بايلن التي كان اختارها لخوض السباق معه الى البيت الابيض كنائبة له ولكنها لم تتحدث. وأشاد ماكين بها واصفاً اياها بأنها صوت حيوي جديد في الحزب الجمهوري. وقال:"كلنا نتطلع باهتمام بالغ لما ستقدمه في المستقبل من خدمات لألاسكا وللحزب الجمهوري ولبلادنا". وأبدى ماكين تعاطفه مع أوباما من جراء وفاة جدته قبل يوم من الانتخابات، قائلاً انه يشعر بالاسف أنها ليست على قيد الحياة لمتابعة فوز حفيدها. واعترف بالطبيعة التاريخية لفوز أوباما قائلاً:"هذه انتخابات تاريخية وأعترف بأهميتها الخاصة بالنسبة للاميركيين من أصل افريقي وبالفخر الخاص الذي يشعرون به الليلة". وشكر أفراد حملته الانتخابية وعائلته لدعمه خلال الحملة الانتخابية التي استمرت مدة عامين من أجل الوصول الى البيت الابيض. وقوبل سناتور اريزونا بالصياح لفترة وجيزة عندما اقر بفوز منافسه الديموقراطي، لكن الحشد ما لبث ان هتف باسمه. وسادت اجواء المرارة وخيبة الامل في اوساط الجمهوريين. وشارك حشد، غالبيته الساحقة من البيض الذين ارتدوا اجمل ملابسهم، في سهرة الثنائي جون ماكين - ساره بايلن على انغام اوركسترا لموسيقى الكانتري الشعبية في غرب الولاياتالمتحدة. لكن الهتافات التي علت في بداية السهرة مرددة"ماكين""ماكين"تلاشت تدريجياً ليحل مكانها شعور الاستسلام ثم الخيبة لدى اكثر من الف شخص تجمعوا في فندق بلتيمور الانيق في فينكس، عاصمة اريزونا جنوب غرب معقل ماكين. وبوسع أوباما أن يعيد صوغ قواعد العمل في أسواق المال التي ترجع الى عصر غرينسبان يدعمه في ذلك غالبية قوية للديموقراطيين في الكونغرس وغضب عام بين الاميركيين أطلقت شرارته أزمة الائتمان. وأظهرت استطلاعات آراء الناخبين أن الاقتصاد عامل رئيسي في فوز أوباما، مما يمنحه تفويضاً قوياً بمواصلة نهجه الخاص تجاه الرأسمالية الذي روج له أثناء الحملة الانتخابية.