ترتبط دول مجلس التعاون الخليجي مع كندا باتفاقات مميزة في التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي تربو على ربع قرن من الزمن. وفي عام 1981 قرر المجلس بالإجماع ان يستثمر موارده البشرية من طريق بعثات طالبية الى الجامعات الأجنبية المتميزة بمكانتها العلمية والأكاديمية من اجل اكتساب العلوم والخبرات والأساليب والتقنيات الفنية والمهنية وتطبيقها في دول الخليج. وكانت كندا في طليعة تلك الدول التي استأثرت جامعاتها، لا سيما الأنغلوفونية منها، تورونتو وأوتاوا، بقسم كبير من"المبتعثين الخليجيين". وهي التسمية التي تُطلق على الطلاب والمتدربين الذين يتابعون دراستهم الجامعية او ما بعد الجامعية بموجب منح تعليمية رسمية تغطي كل نفقات الإقامة والدراسة والتدريب والنشاطات الثقافية والدينية. قبل أحداث 11 ايلول سبتمبر، كانت وجهة الطلاب الخليجيين الجامعات الأميركية والبريطانية، الا ان تداعيات تلك الأحداث وما رافقها من اعتداءات ومضايقات واتهامات بضلوع المسلمين بها او مساندتهم لها، دفعت الكثير منهم الى مغادرة اميركا وبريطانيا وإكمال علومهم في الجامعات الكندية، التي لا تقل شأناً وشهرة عن مثيلاتها في البلدين. كما ان كندا في نظر الخليجيين، وعلى رغم طقسها البارد وصقيعها القاسي، تتمتع برصيد دولي كونها تعتبر من البلدان المنفتحة على العالم دينياً وثقافياً واجتماعياً. وعلاوة على ذلك تشكل العلاقات التعليمية حلقة مكمّلة للتعاون الاقتصادي بين الجانبين، ويعمل في بلدان الخليج أكثر من 2000 كندي في مختلف المجالات العلمية والطبية والإدارية والهندسية والمعلوماتية والاتصالات والبتروكيماويات وغيرها. على رغم توزع الطلاب الخليجيين على عدد وافر من الاختصاصات الأكاديمية، تحظى دراسة الطب بأولوية على ما عداها نظراً الى الحاجة الماسة الى كوادر الأطباء المتخصصين في بلدان الخليج بعامة. ويشار الى ان البعثات الطبية هي بغالبيتها من الأطباء"فوق المستوى الجامعي"، اي الذين يتابعون تدريبهم المهني في الجامعات الطبية الكندية في مختلف الفروع، بغية اكتساب الخبرات والأساليب والتقنيات الفنية والتكنولوجية وتطبيقها في وطنهم الأم. يصنف الأطباء الخليجيون في فئتين:"الزمالة"و"المقيمين"، ويخضع كل طبيب الى فترة تدريبية في مجال اختصاصه يحصل بعدها الفائز في الامتحانات النهائية على شهادة رسمية من الكلية الملكية للأطباء والجراحين في كندا. وتحتل البعثات الطبية السعودية مكانة الصدارة بين دول الخليج كافة، ويشير الملحق الثقافي في السفارة السعودية في أوتاوا، الدكتور فيصل بن محمد المهنا ابا الخيل، الى ان عدد المبتعثين السعوديين في الجامعات الكندية يبلغ نحو خمسة آلاف طالب وطالبة وأن الأطباء السعوديين المتدربين ممن يتابعون الدراسات في الكليات الطبية الكندية، في ارتفاع مستمر خلافاً لانخفاضه في بلدان أخرى، ويشير الى أن العدد ارتفع من 169 طالباً عام 1997 الى 658 طالبا ًعام 2007، لافتاً الى ان الأطباء الذين تخرجوا حتى اليوم في مختلف الاختصاصات بلغ عددهم نحو 700 طبيب وطبيبة. اما المبتعثون الكويتيون الى الجامعات الكندية فقد تزايدت اعدادهم منذ عام 2004 اثر افتتاح السفارة الكويتية في أوتاوا وزيارة وزير التربية والتعليم العالي الدكتور رشيد الحمد على رأس وفد تربوي للاجتماع مع المسؤولين عن المؤسسات التعليمية الكندية والاطلاع على تجاربها العلمية والمهنية والأكاديمية. يقول منسق النشاطات الثقافية والإعلامية في السفارة الكويتية مشعل الهبيل ان عدد المبتعثين الكويتين الى الجامعات الكندية يبلغ حالياً 319 طالباً يتابعون الدراسات العليا في الطب والاجتماعيات والهندسة وأنظمة المعلومات والإعلام والإدارة. ويتوزعون على الاختصاصات التالية: 144 طبيباً متدرباً، 71 في فروع علمية مختلفة، 71 مبعوثون من جامعة الكويت لدراسة الماجستير والدكتوراه، 5 مبعوثون من هيئة التعليم التقني، 11 طالباً يدرسون القانون الدولي، 17 طالبا ًيتابعون دراسات دبلوماسية في جامعة كارلتون في أوتاوا و40 طالباً يتدربون على وسائل الأمن الداخلي وخفر السواحل. تنويه كندي يحظى الطلاب الخليجيون طيلة فترة تعليمهم او تدريبهم بتقدير المسؤولين الكنديين. ويقول فيليب تادروس، الأستاذ في جامعة كارلتون:"أنا فخور بهم ويمثلون بلادهم خير تمثيل ويتمتعون بأخلاق حميدة وقدرة على المواظبة والصبر والتحمل"، ويشير الى أنهم"محظوظون"لأنهم يدرسون على نفقة حكوماتهم ويعودون بعد التخرج الى بلدانهم"معززين مكرمين حيث فرص العمل مهيأة لهم". وتنوه الدكتورة ساريتا فيرما، عميدة الدراسات الطبية في جامعة تورونتو، بمثابرة الطلاب الخليجيين وجدهم ومقدرتهم على اكتساب المهارات اللغوية وتحملهم صقيع كندا وتثني على"جدارتهم المهنية في سد الفراغ الذي تعاني منه المستشفيات الكندية". وفي كل عام تقيم مجموعة من هؤلاء الطلاب احتفالات حاشدة، لمناسبة تخرّجهم، حيث توزع الشهادات الكندية على الفائزين في الامتحانات النهائية، ويحضرها سفراء مجلس التعاون الخليجي والعديد من الأساتذة والمسؤولين الكنديين... ويعودون الى بلادهم على أن يأخذ مكانهم طلاب جدد.