يذكر البروفسور انس حموي أستاذ الهندسة في جامعة مكجيل الكندية، إحدى اهم الجامعات في أميركا الشمالية والعالم، بأنه أحياناً كان يعطي المحاضرة لطلابه في الجامعة أو في مستوى الدراسات العليا باللغة العربية بدلاً من الإنكليزية، في حال تغيب بعض الكنديين عن الحصة الدراسية. هذه الحادثة هي واحدة من المفارقات الطريفة للزيادة الكبيرة في عدد الطلاب العرب في الجامعات الكندية. البروفسور الراحل حموي هو نفسه كان نموذجاً لنوعية الطلاب العرب الوافدين. فهو من اصل سوري ودرس في الكويت وقصد كندا لدراساته العليا وأنهاها بالحصول على اربع رسالات دكتوراه في الهندسة ولم يتجاوز السادسة والثلاثين حينها. وفي مؤتمر دولي عن سبل تطوير آفاق التعليم بين كندا والدول العربية نظمه منتدى التعليم الكندي- العربي في العاصمة الكندية اوتاوا، أشار الخبراء إلى أن كندا لديها اليوم أكثر من 150 ألف طالب اجنبي يفوق عدد الطلاب العرب بينهم ال30 الفاً. وتقول كلير بولان مديرة دائرة التعليم الدولي والشباب في وزارة الخارجية الكندية إن حكومتها مهتمة بتطوير العلاقات مع العالم العربي في مجال التعليم وبناء الجسور الثقافية. وتضيف: «زيادة عدد الطلاب العرب في كندا إشارة مهمة وإيجابية جداً بالنسبة لنا على قوة البرامج التعليمية التي تقدمها مؤسساتنا التعليمية وجامعاتنا وبخاصة في ضوء تطورات عولمة القطاع التعليمي وكذلك على أهمية العلاقات المتنامية مع الشرق الأوسط والمنطقة العربية. ونحن اليوم نتطلع إلى زيادة اكبر في المستقبل». 15 ألف سعودي وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن الزيادة الكبيرة في عدد الطلاب العرب تأتي في الدرجة الأولى من دول الخليج العربي وتحديداً السعودية التي اصبح لديها في كندا عام 2011 الدراسي حوالى 15 ألف طالب بالمقارنة بنحو 2500 طالب في عام 2008 حيث فاقت الزيادة نسبة 100 في المئة في السنتين الماضيتين. ويشير الدكتور فيصل بن محمد المهنا أبا الخيل الملحق الثقافي السعودي في كندا إلى أن «معظم هؤلاء الطلبة حضر إلى كندا بناء على برنامج منحة الملك عبدالله التعليمية للخارج التي توسعت لتضم كندا وكذلك اختصاصات جديدة مثل الهندسة وعلوم الكمبيوتر والمحاسبة والأعمال والتسويق بينما كانت في السابق تعطى غالباً للاختصاصات الطبية». ويضيف: «لدينا رغبة في زيادة التعاون في المجال التعليمي بين كندا والمملكة السعودية وسنرى ما يمكن أن تسمح به الطاقة الاستيعابية الكندية لزيادة عدد الطلاب. والطلب كبير اليوم على كندا لأن البرامج العلمية والبحثية مستواها عال وتعطي الأهمية للمتدربين وعملية التعليم إذ تحرص على إشراك الطالب العربي بالسوية ذاتها التي تقدمها للطالب الكندي من حيث التدريب أو التجربة التعليمية أو حتى الحياتية والثقافية في المجتمع المحيط بحياة الطالب». ويشير أبا الخيل إلى أن عدد الطلاب سيزيد نحو 1500 طالب وطالبة في العام الدراسي المقبل، أكثر من ألف منهم سيلتحقون ببرامج الماجستير، «علماً أن بعض أفراد أسرهم سيوافونهم أيضاً وقد يقررون عندها متابعة دراستهم أيضاً ما يرفع العدد المتوقع إلى نحو 18 ألفاً». ويقول: «المهم في الأمر أن عدد الإناث في هذه المجموعات المقبلة يبلغ حوالى 75 في المئة، وعدد لا بأس به منهن سيحضرن الزمالة الطبية والتخصص الدقيق». وفي المملكة السعودية نحو 4000 طبيب ومتخصص طبي يعملون في منشآتها التعليمية والصحية من خريجي كندا أو الحاصلين على البورد الكندي إذ تعود العلاقة التعليمية بين البلدين إلى سبعينات القرن الماضي. ويتوجه الطلاب السعوديون إلى الجامعات في المدن الرئيسية مثل مونتريال وتورنتو وفانكوفر وأوتاوا ويتوزعون على 90 جامعة كندية. وتبدو هذه الأرقام منافسة لعدد الطلاب السعوديين في أميركا التي تضم آلاف الجامعات وبعضها من الأرقى عالمياً. وتتمتع مناطق في الولاياتالمتحدة بمناخ معتدل ساهم في جذب الطلاب العرب سابقاً بالمقارنة بالبرد الشديد في كندا، لكن عدد السعوديين فيها لا يتجاوز 22 ألفاً. ويبدو أن المستوى العالي للجامعات الكندية، بالإضافة إلى المجتمع الكندي المتعدد الأعراق، يرحب بالطلاب الأجانب عموماً كما أن الجالية العربية كبيرة جداً في المدن الرئيسية ما يسهل عملية الانتقال إلى بيئة جديدة لسنوات عدة. ويشير الدكتور حسام الجهني وهو يختص في جراحة المخ والأعصاب ويمثل الأطباء السعوديين في مدينة مونتريال التي تضم اكثر من 800 من الأطباء المبتعثين السعوديين، إلى أن عدد طلاب الاختصاص انخفض عن السابق إلا أن الزيادة توجهت إلى دراسة الطب في كندا من البداية. ويضيف: «من المؤسف أن فرص الاختصاص أصبحت اقل من السابق بسبب الإقبال الكبير عليها. ولكن من اهم الأمور التي أصبحت تشجع التعليم في كندا هي أن مقاييس التعليم موحدة بين الجامعات الكندية وكلها مستواها عال جداً على عكس الجامعات الأميركية التي يوجد فيها مستوى عال جداً وآخر ضعيف جداً». ويزيد: «اليوم لدينا عدد غير قليل من المبتعثين السعوديين الذين يقدرون أهمية التجربة الإنسانية والثقافية التي تلحق بالجانب التعليمي. العدد الكبير منا بدأ يتعرف على مفاهيم هذه البيئة والاستفادة منها للتطوع في خدمة المجتمع في أوقات الفراغ، وكذلك محاولة محاكاة تجارب علمية لأساتذة ومشرفين. كالاهتمام بالأبحاث في مجال الجراحة مثلاً وليس فقط حصر التعليم بكيفية إجراء العملية الجراحية». عوامل مشجعة ويشير الدكتور طلال عدنان الباشا وهو يختص في طب الأطفال وأمراض المناعة والحساسية، إلى أن «البيئة الاجتماعية التي تتعامل باللغة الإنكليزية ومستوى الجامعات العالي بالإضافة إلى الجالية العربية الكبيرة في مونتريال كونت مجموعة من العوامل التي شجعت على الدراسة في كندا ونوعاً ما سهلت فترة الدراسة الطويلة». ومثل العديد من المبتعثين السعوديين فإن زوجته أماني الجمال التي رافقته إلى كندا انتهى بها الأمر أن تكون هي نفسها طالبة في علوم الكمبيوتر وتعد اليوم رسالة الدكتوراه. ويعيش في مدينة مونتريال الكبرى ما يزيد عن 300 ألف شخص من اصل عربي وتعد اللغة العربية واحدة من اكثر اللغات نمواً في كندا. وشهد المؤتمر الدولي عن آفاق التعليم بين الدول العربية وكندا إقبالاً كبيراً من الدول العربية والجامعات والمؤسسات الكندية فاق توقعات المنظمين، إذ جاءت المشاركة من السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والمغرب وليبيا ومصر ولبنان ودول عربية أخرى لديها طلاب في كندا. وتشير فيان تيمونز رئيسة جامعة ريجاينا إلى أن المؤتمر استقطب 170 وفداً مشاركاً بالمقارنة ب 100 وفد مشارك متوقع. ويشير وكيل وزارة التعليم العالي في الكويت الدكتور خالد محمد السعد، الذي رأس الوفد الكويتي، إلى أن «توجه الكويت اليوم هو لزيادة عدد الطلاب الكويتيين في كندا بنسبة 300 في المئة من حوالى 250 حالياً إلى حوالى الألف طالب في الأعوام القليلة المقبلة ليكون نفس عدد الطلاب الكويتيين الموجودين في استراليا أو اكثر». ويضيف: «توجهنا في السابق كان نحو تلبية طلب المؤسسات المحلية، وكان المجال المطلوب العلوم الإنسانية والأعمال، وكان التوجه إلى الجامعات في الدول العربية المجاورة، لكننا اليوم نفكر بطريقة مختلفة. نحن نريد أن نطور قطاعات معينة في الاقتصاد والبنية الاجتماعية والثقافية والتعليمية لذا سوف نزيد المنح في الطب والهندسة والمجالات العلمية والأعمال إلى الدول الغربية». ويضيف: «الثروة الحقيقية هي في تجربة الطالب في الدراسة في الخارج والانفتاح على الثقافات الأخرى وبناء العلاقات الدولية والإفادة منها بتطوير المستقبل. وفي برنامج المنح الخارجية يشكل الذكور 75 في المئة والإناث 25 في المئة». وتشير الإحصاءات إلى أن غالبية الطلاب الكويتيين الذين يختارون الولاياتالمتحدة يتوجهون في شكل رئيس إلى جامعات في ميامي وفلوريدا وكاليفورنيا حيث يدرس حوالى 2500 طالب كويتي بسبب المناخ المعتدل، إلا أن المستوى التعليمي العالي في كندا والجالية العربية الكبيرة ساهما في جعل كندا وجهة مهمة الآن. وتؤكد الدكتورة الكويتية أسماء الراشد التي تنهي حالياً اختصاصها في مونتريال في مجال الجراحة العامة، أن إقبال الكويتيين على كندا ارتفع «بسبب طريقة التعليم الرائدة في الجامعات الكندية والتسهيلات الاجتماعية التي تخفف من حدة برودة الطقس». وتقول: «الطب في شكل عام متقدم جداً في أميركا الشمالية سواء كندا أم أميركا. ولكن بالنسبة إلينا الدراسة والاختصاص في كندا يعدان فرصة ثمينة لأن نظام الدراسة يمنحنا فرصة اكبر للتدريب حيث يوجد عدد اقل في حلقات التدريب مما هو متعارف عليه في أميركا مثلاً». وتضيف: «المجتمع متعدد الثقافات والأعراق هنا وهو منفتح على العرب. نحن لا نحس بغربة حقيقية لأننا في محيط يكثر فيه العرب وفي جوانب حياته الثقافية بما فيها المطاعم العربية والفن والإعلام العربي وهذه كلها عوامل تشجع على أن تكون كندا نقطة جذب كبير لنا كطلاب كويتيين».