تُصنّف الولاياتالمتحدة أحياناً بپبلد المستهلِكين الذين يكوّنون جبالاً من النفايات. وتقوم مدن أميركية بوضع قيود على أنواع معينة من النفايات. وكانت سان فرانسيسكو أول مدينة أميركية تحظر أكياساً مصنوعة من البلاستيك، في آذار مارس عام 2007. وما لبثت مدينة أوكلاند، في ولاية كاليفورنيا، أن حذت حذوها وتفكر مدن أخرى باتخاذ إجراءات مماثلة، على رغم بعض الصعوبات القانونية التي أثارها منتجو الأكياس البلاستيكية في البلاد. وأصدرت ولاية كاليفورنيا أمراً رسمياً في شهر تموز يوليو الماضي، يفرض على مخازن البيع بالتجزئة الكبيرة إنشاء مرافق لإعادة تدوير أكياس البلاستيك. ولفت رئيس"معهد الاعتماد على النفس محلياً"، نيل سلدمان، إلى أن حركة تدوير النفايات صناعياً"نمت إلى حد لا يستهان به، خصوصاً في مجالي بناء المباني وهدمها". وأشار إلى أن 80 في المئة من النفايات الناتجة من عمليات البناء والهدم يعاد استخدامها، وهي زيادة تبلغ 25 في المئة عما كان عليه الوضع قبل خمس أو ست سنوات. واعتبر أن"قطاع تفكيك المباني، أي هدمها يدوياً للحفاظ على مواد البناء الجيّدة الثمينة، حقق نجاحاً أيضاً". وتُستخدم هذه المواد لأغراض أخرى في عمليات تشييد المباني وتجديد تلك القديمة، وهو نشاط آخر يشهد تطوراً ملحوظاً. وقال سلدمان:"لقد تقدمت حركة التدوير حتى وصلت الآن إلى مرحلة عدم توليد صفر من النفايات، في مقابل قدرة سابقة على إعادة التدوير لا تتجاوز 50 أو 60 في المئة. أما الآن فتهدف المدن إلى إعادة تدوير 90 في المئة أو أكثر منها". وأشار إلى أن مدينة لوس أنجليس كانت أول مدينة أميركية تعلن هدف التوصل إلى إعادة تدوير 90 في المئة من النفايات بحلول العام 2025، مقارنة بنسبة 62 في المئة حالياً و70 في المئة بحلول عام 2015. ويقوم"معهد الاعتماد على النفس محلياً"بتيسير مناقشة أفضل الطرق لتحقيق تلك الأهداف. وأضاف سلدمان أنه في حين أن مدينة لوس أنجليس لم تحظّر أي مواد بعد، إلا أن"حظر الأشياء أساسي إن كان للمرء أن يحقق هدف عدم توليد أي نفايات". وتتضمن لائحة الحظر التغليف غير الضروري والمنتجات التي تشتمل على مكونات مصنوعة من مواد سامة، كالدهان والمصابيح الكهربائية وأجهزة الكومبيوتر. وأدى التحسن في تكنولوجيا جمع النفايات إلى زيادة القدرة على التدوير الصناعي. وتلعب جهود المنظمات الأهلية والشركات والأفراد دوراً كبيراً في ذلك، فتضع العائلات كل المواد التي يمكن إعادة تدويرها، أي الزجاج والبلاستيك والورق، في صندوق مخصص لكل نوع على عجلات لجمعها آلياً بواسطة شاحنات مصممة خصيصاً لهذا الغرض. وقالت المسؤولة الإعلامية في"وكالة حماية البيئة"الأميركية، روكسان سميث، إن"نشاطات الحيلولة دون توليد النفايات وإعادة تدويرها لا تساعد في صيانة الموارد وتقليص حجم النفايات وتوفير المال فحسب، لكنها تساعد أيضاً في تلطيف ظاهرة تغير المناخ العالمي". وتتشارك"وكالة حماية البيئة"مع المنظمات والحكومات المحلية وحكومات الولايات الأميركية لدعم إدارة النفايات المحسّنة من خلال برنامج"نفايات حكيمة"الطوعي التابع لها. وبدأت تقدم شركات أميركية واعية بيئياً، مثل"تريدر غوز"وپ"هول فوودز"لمخازن السوبرماركت، حوافز مالية للزبائن الذين يستخدمون أكياسهم الخاصة التي يحضرونها معهم. وتتفاوض المدن والمواطنون مع الشركات للتوصل إلى عدم استخدام المواد السامة في منتجاتها الجديدة، ونجحت تلك المفاوضات في بعض الحالات. وقال سلدمان إن"شركات أميركية بدأت بإنتاج أجهزة كومبيوتر نظيفة، بعد تعرضها للضغط إثر حظر أوروبا أجهزة الكومبيوتر المصنوعة من مواد سامة". ويزدهر نشاط المواطنين في منازلهم في السنوات الأخيرة، وبينهم مجموعات تعتمد"شبكة إعادة التدوير مجاناً"الإلكترونية حيث يعلن أعضاؤها عن أشياء لا يريدونها لكنها صالحة للاستعمال، على الإنترنت، وتتوافر مجاناً لأولئك الذين يذهبون لأخذها بأنفسهم. وقد انتشرت هذه الظاهرة في جميع أنحاء الولاياتالمتحدة وفي خارجها. ويذهب البعض إلى أبعد من هذا، إذ يتعهدون بإمضاء عام كامل من دون شراء أي سلعة جديدة غير ضرورية أو يشترون البضائع المستعملة التي أعيد تدويرها، عند اضطرارهم إلى شراء شيء ما. وشكّل بضع عشرات من سكان مدينة سان فرانسيسكو ما أطلقوا عليه اسم"جماعة الميثاق"وتعهدوا بعدم الاستهلاك في العام الماضي. وبدأت هذه الفكرة تكتسب زخماً، وأصبح لجماعة"الميثاق"الآن حضور على الإنترنت وأعضاء من جميع أنحاء الولاياتالمتحدة. ويعج عالم المدوّنات الإلكترونية البلوغ سفير بشبكات التواصل الاجتماعي المتعلقة بالبيئة، مثل"نو إمباكت مان"أي الرجل الذي لا يؤثر على البيئة وپ"ريفرند بيللي"القس بيلي. ويعلن كتّاب المدونات عن أسواق المزارعين المحليين والتسوّق البديل الذي لا يضرّ في البيئة. وقال سلدمان إن"إعادة التدوير الفاعلة عملية تتم من قمّة الهرم إلى قاعدته، أي من المستوى الحكومي إلى النشاط الشعبي، ومن القاعدة إلى القمة"، مضيفاً أنه"لا يحدث أي شيء من دون نشاط شعبي، وحتى هذه الموجة من تحويل الشركات الخاصة نفسها إلى شركات أكثر محافظة على البيئة لم تحدث إلا لأن الأهالي يطالبون بها على المستوى الشعبي. وهذا ما جعل شركة"ماكدونالدز"تتوقف عن استخدام مادة ستيروفوم أي الإسفنج الاصطناعي".