لماذا تحمل مجلات أسبوعية وشهرية في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة واليابان لوائح الكتب الأكثر مبيعاً، وتكاد تغيب هذه اللوائح عن المطبوعات الدورية والأسبوعية العربية؟ ولماذا تقام معارض الكتب الكبرى في القاهرةوبيروت ودمشق والرياض وسواها ولا نعرف ما هي الكتب الأكثر جذباً لقارئ العربية؟ لعل توفّر لوائح الكتب الأكثر مبيعاً بحسب موضوعها هو أضعف الايمان لدى المشرفين على معرض بيروت الدولي مثلاً، نظراً الى الظروف الصعبة. ولكن بعد خمسين سنة من انطلاق معرض بيروت، ما زلنا نجهل ما هي الكميات التي تباع من الكتب"الأكثر مبيعاً"في كل معرض. وهل يستحق كتاب في باب معيّن باع 300 نسخة أن يكون على هذه اللائحة مقارنة بكتاب في باب آخر باع ثلاثة آلاف نسخة ولكنه غير مذكور لأنّ كتاباً آخر في الباب نفسه باع 3200 نسخة فدخل اللائحة؟ نقول هذا للتشديد على أهمية المعلومة الاحصائية التي لا تلبيها لائحة بلا أرقام. وثمة دلالة أنّ الكتاب كي يدخل لائحة"الأكثر مبيعاً"في فرنسا مثلاً على كمية مبيعه أن تبلغ مئة ألف نسخة على الأقل. وذكرت"الحياة"10 حزيران/ يونيو 2007 أنّ رواية علاء الأسواني"عمارة يعقوبيان"بيعت منها 160 ألف نسخة في الترجمة الفرنسية، وهكذا يكون هذا الكتاب بين الأوائل في باريس. وعلى رغم الافتقار إلى معلومات تفصيلية عن سوق كتاب اللغة العربية، فثمّة وسائل بديلة لمعرفة انتشار أي كتب وحجم هذا الانتشار. وهذا يتطلّب مجهوداً بحثياً كبيراً لا يتوفّر إلا في مؤسسات حقيقية أو في وزارات الثقافة. وطرق الاستدلال تكشف الكثير من الخبايا، مثلاً استهلاك البلد الاجمالي لورق الطباعة وتوزيع الورق بحسب دور النشر مقارنة بدول أخرى وفق التعداد السكاني، ومؤشرات اليونسكو وغيرها التي تشير إلى استفتاءات عن الوقت الذي يمضيه الفرد في المطالعة، وهو لدى العرب ربما من الأدنى بين الشعوب. وتمكن مراجعة دور النشر لاستفتائها عن الكتب العشرة الأكثر مبيعاً التي نشرتها. لكنّ إجراء مثل هذا الاستفتاء الدوري مع آلاف دور النشر في الدول العربية يحتاج إلى فريق بحث واستبيان مع أسئلة مفصلّة وموازنة. وثمّة وسيلة أخرى تقتضي استقصاء الكتب التي تكتب عنها أو تشير إليها الصحف والأسبوعيات واعتبار هذا الأمر مؤشراً لنجاح هذه الكتب مع ما يرافق هذا الأسلوب من عيوب. وهذه مسألة تقوم بها أحياناً بعض الدوريات الفصلية كمهمة أرشيفية وإن تكن ذات هدف محدود. وعادة ما تقوم شركة"أمازون دوت كوم"العالمية بعرض الكتب آلياً وفق ححم مبيعها، نظراً الى مقدرتها المعلوماتية العالية. فلو وصل التصنيف إلى أكثر من ثلاثة ملايين كتاب، يمكن زائر الموقع أن يطّلع فوراً على الكتب الأكثر مبيعاً ابتداءً من الرقم واحد حتى الرقم الثلاثة ملايين. ولكن حتى أسلوب أمازون هذا لا يكفي لمنح الباحث صورة ولو جزئية عن الثقافة وعمقها في ما يطلبه المشترون من الكتب وما أهمية هذا التصنيف من واحد إلى ثلاثة ملايين. وعلى سبيل المثل يجد الباحث على موقع أمازون أنّ كتب هاري بوتر هي الأكثر مبيعاً في حين سيجد أنّ الكتب الأكثر جدية وفائدة ومحتوى أدبياً وفكرياً وعلمياً هي في مواقع أدنى. ويصبح البحث أكثر صعوبة عند التدقيق في حجم مبيعات كتب شكسبير على موقع أمازون الأميركي أو كتب الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو على موقع أمازون الفرنسي، حيث ثمة طبعات عدّة ونسخ من نفس كتب هذين المؤلفين اللذين تصل مؤلفاتهما الى العشرات بل مئات في طبعات لدور مختلفة. عندها يجب النظر في أهمية المؤلف من حيث حجم مبيعات كل مؤلفاته وعلى فترة زمنية طويلة. وعلى سبيل المقارنة، مهما بلغ حجم مبيعات الألبومات الغنائية الشبابية في بورصة الأغاني العربية، يبقى حجم مبيعات ألبومات أم كلثوم وهو بمئات الملايين، صعب الوصول الى أي منافسة. ثمة محاولات لشركات عربية تبيع الكتب على الانترنت في تقديم معلومات عن الكتب الأكثر مبيعاً. هناك موقعان لبنانيان هما"نيل وفرات"و"أدب وفن". ولاحظنا أنّ الموقعين يعرضان لائحة"الكتب العشرين الأكثر مبيعاً". لكننا صادفنا مشكلة في موقع"أدب وفن"حيث أن اللائحة الأكثر مبيعاً لم تتغيّر منذ العام 2004، في حين أنّ لائحة الكتب الصادرة حديثاً تتغيّر ببطء شديد وكل بضعة شهور. أما موقع"نيل وفرات"فهو يغذي لائحته بأحدث المبيعات ومعلوماته جديدة دوماً، ويعرض الكتب الأكثر مبيعاً للعام 2006. وبمراجعة لائحة"نيل وفرات"تبيّن أنّ الروايات والقصص احتلت المرتبة الأولى عام 2006 حيث شغلت 46 مرتبة من أصل مئة، تليها الكتب الدينية 20 كتاباً من أصل مئة وكتب السياسة 20 كتاباً من أصل مئة. وعلى عكس ما هو رائج في السوق لم تحتل كتب الأبراج والطبخ أكثر من 5 كتب والجنس 5 عناوين والكتب التقنية كومبيوتر 4 كتب، وليست اللائحة مقياساً على انتشار دواوين الشعر. ولعل مراجعة هذه اللوائح تسمح للقارئ كما للناقد ان يقف على الكتب الأكثر مبيعاً، على اختلاف حقولها أو ميادينها. * أكاديمي لبناني مقيم في كندا