إذا كان سوق الكتاب الإلكتروني لا يزال متواضعا في العالم بشكل عام حيث لا يتجاوز نسبة ال 6 في المائة فقط من حصة السوق في فرنسا، وأكثر بقليل من 20 في المائة من حصة السوق في أمريكا، فإن دراسات لمكاتب اقتصادية بينت أن موقع «أمازون» يحتكر بشكل كبير سوق الكتاب الإلكتروني ويستحوذ على التوزيع والتسويق، حيث استطاع أمازون التموضع منذ أواخر 1990م في هذا المجال بعرض منتجاته عبر الإنترنت وتوصيلها للزبون في مدة زمنية قصيرة، إذ لا تخضع شركة أمازون لقانون lang لانج الصادر في 1981م والمتعلق بتحديد أسعار الكتب والذي يضع المكتبات في وضع لا يمكنهم تجاوز نسبة خصم تقدر ب 5 في المائة، الأمر الذي يحد من الحرية في التصرف في المبيعات وحجمها وهامش الأرباح. ففي الوقت الذي لم تتمكن دور النشر في فرنسا ودول أوروبية أخرى من مجابهة المنافسة الشرسة للعملاق «أمازون» والنضال من أجل مواجهة منافسة التجارة الإلكترونية، بلغ «التشنج» أوجهه في أمريكا مع بداية انتفاض كتاب ودور نشر ضد عملاق صناعة وتوزيع الكتاب عبر الإنترنت «أمازون»، وأخذ يأخذ أبعادا أخرى بعد نشر رسالة احتجاج موقعة من قبل أزيد من 1000 كاتب وناشر في أمريكا، في حين بدأ الناشرون والكتاب في فرنسا ودول أخرى التحرك ضد عملاق توزيع وصناعة الكتاب الإلكتروني «أمازون»، فما حقيقة خلاف الناشرين مع «أمازون»؟، وما هي جذور الصراع الخفي المعلن؟. عندما بدأت شركة أمازون نشاطها في صناعة وتوزيع الكتاب، فضلت سياسة النمو على حساب الربح، لكن سرعان ما اتجهت نحو تحقيق الأرباح بفضل سياسة موجهة للترويج للكتاب وفرض أسعار تنافسية لم تخضع لشروط ولم تلتزم بحق الناشر أو المؤلف، وكان مبررها في ذلك خلق سياسة جديدة في التسويق للكتاب وصناعة سوق سريعة لبيع الكتاب عبر العالم من خلال القراءة الإلكترونية، وبالفعل استطاعت شركة أمازون أن تحقق أرباحا مهمة، حيث أشار تقريرها الصادر في شهر أبريل أن الشركة حققت مبيعات بنسبة 23 في المائة أي حوالي 19.74 مليار دولار، بل ارتفع الدخل الصافي لشركة أمازون بنسبة 27 في المائة سنويا، 27% سنويا، أي 108 ملايين دولار، وارتفعت في نفس الوقت متاجرها المكتبية على مواقع الإنترنت، واستطاعت أمازون أن تتحول إلى سوق كبيرة للقراءة الإلكترونية عبر الإنترنت وبدأت تفكر في توسيع نشاطها الثقافي والإعلامي عبر العالم. لكن يبدو أن التقدم والنمو السريع لأمازون وارتفاع مداخيله على حساب السياسة العامة لصناعة وتوزيع الكتاب أثارت فضول مكاتب التحقيقات على خلفية الشكاوى التي رفعتها بعض دور النشر أمازون. فعندما أطلقت أمازون مشروعها «القراءة الإلكترونية» عام 2007م عرف منتوجها نجاحا باهرا خاصة في أمريكا وحينها لم تقدم الشركة أي تفاصيل عن حجم المبيعات في تلك الفترة، وفي عام 2011م نشرت إحدى شركات الأبحاث دراسة مفادها أن مشروع Kindle الذي أطلقته أمازون على موقعها لم يجلب أرباحا في مبيعات الكتب، لكن ميزته أنه استطاع أن يستقطب جمهورا كبيرا من خلال فهرس المطبوعات المتوفر فقط على موقع أمازون ومن ثمة ذهبت كل الأرباح لهذه الميزة، وهو الأمر الذي عوض الخسارة في مبيعات الكتب، لكن هذه الدراسة أثارت فضول مكاتب دراسات اقتصادية تعنى بالتحقق في التهرب الضريبي، حيث بدأت تحقق في الموضوع، خاصة بعد أن دخلت مجموعة أمازون في معركة مع الناشر الفرنسي «هاشيت»، الذي يرفض تخفيض أسعار الكتب الرقمية على السوق الأمريكية، أمازون أراد فرض سعر 9.99 دولار (7.50 يورو) على الكتب الإلكترونية التابعة للناشر «هاشيت»، وبالفعل بدأ يطبق السعر دون موافقة الناشر وذلك ليستقطب قراء أكثر بدأ موقع أمازون في تخفيض كل الأسعار على الموقع، ما بدأ بخلاف تجاري بسيط تطور تدريجيا وأخذ أبعادا متقدمة، واتخذت أمازون إجراءات انتقامية ضد «هاشيت» الذي طالبها بالتعويض أو رفع دعوى قضائية قصد ترويضه وعدم فتح المجال أمام دور نشر أخرى. وسعت أمازون إلى إيجاد وسيلة لخفض الأسعار في السوق الفرنسية، محاولة إغراق السوق بمنتجاتها وذلك بجعل تكاليف الإرسال منعدمة، أي بصفر يورو، وقد اعتبر هذا الإجراء غير قانوني من قبل البرلمان الأوروبي الذي صوت على قانون سمي «بالقانون المكافح لأمازون» لحظر تجميع الشحن مجانا وخصم 5 في المائة من شحنات الكتب لحماية سوق الكتاب والناشرين والمكتبات من تحايل شركة أمازون وغيرها والاستحواذ على القطاع، في غياب الخدمات اللوجستية للمكتبات العادية التي تمكنها من توصيل الكتاب للقارئ في وقت محدد ووجيز. لكن في الأساس، كل الاتهامات التي توجه لعملاق سوق الكتاب الإلكتروني هو في الحقيقة يتعلق بممارساته المالية والضريبية بشكل خاص، لأن الشركة تدفع ضريبة في الواقع أقل بكثير مما يجب أن تدفعه على أساس حجم أعمالها سواء في أوروبا أو في أمريكا وقد شهدت أكبر دور النشر العالمية سقوط مبيعاتها بنسبة 10 في المائة في غضون عامين فقط من الانتشار السريع لشركة «أمازون»، حيث كانت ضحية لنمو التجارة الإلكترونية وتطوير الكتب الرقمية، في بلدان أصبحت فيها القراءة سريعة وغير مكلفة وتحبذ صناعة الكتاب الإلكترونية عن صناعة الكتاب الورقية. غير أن «أمازون» لم يتوقع رد فعل الكتاب ودور النشر على سياسة التسويق والتوزيع التي ينتهجها، فقد تفاجأ بوجود عريضة دولية على المواقع الإلكترونية الألمانية والفرنسية والأمريكية وسويسرية وغيرها، موقعة من قبل أشهر الأسماء الأدبية المعروفة وتضم أكثر من 1300 كاتب وكاتبة ينتقدون فيها الأساليب المستخدمة من أمازون ويدينون من خلالها تعامله التجاري مع عناوينهم.