سجل الكتاب في السنوات القليلة الماضية أسعاراً باهظة في معارض الكتاب الدولية ومن خلال المكتبات التجارية، جعلت القارئ والمثقف يبدي دهشته من ارتفاع هذه الأسعار ذات الأرقام العالية التي لا تتحملها اقتصادات المتلقي، ففي السابق كنا نستمتع بشراء الكتب ذات الأسعار المتوسطة والمعقولة من (10) ريالات حتى (30) ريالاً، وهو أمر يساعد في انتشار عادة القراءة لدى كافة أوساط المجتمع ويسهم في بناء مجتمع متسلح بالوعي المعرفي وهو ما ينشده الجميع. ولكن كيف يتأتى ذلك بعد لهيب هذه الأسعار الذي شهدها سوق الكتاب، لاسيما وأن زبائن الكتب ينتمون إلى الطبقة الوسطى وما دون وهم من ذوي الدخول الشهرية المتوسطة، بل البعض منهم من طلاب التعليم العام والتعاليم العالي وهو لعمري سيجعلهم يصدون ويحجمون عن التوسع في الشراء وسيكتفون بالقليل منه، وفي رأيي أنه لا حل في هذه المعضلة إلا بالاستعانة بمشروع (الطبعة الشعبية) فهو النافذة الوحيدة تجاه هذه الإشكالية التي يعيش القارئ مع أسعار الكتب الباهظة، ولا فسحة في ذلك إلا أن تتكاتف الجهود من قبل المؤسسات الثقافية الحكومية منها والتجارية لتبني هذا المشروع الذي سوف يعزز من حضور الوعي المعرفي في طبقات المجتمع ويسهم في تجديد العلاقة بالكتاب وهو ما نصبو إليه. ومن هنا – في ثقافة الرياض – طرحنا هذه الرؤية على ثلة من المثقفين الذي مسهم هذا اللهيب فكانت هذه الآراء. في بداية هذا المحور تحدث الأديب والقاص الأستاذ محمد علي قدس مبدياً دهشته من أسعار الكتب حيث قال: يظل الكتاب الوسيلة الشعبية الأكثر شيوعا، واستئثارا باهتمامات المثقفين، والمهتمين بالقراءة وما يعزز لدينا مشروع المثاقفة وأخذ المعرفة والعلوم من فكر الآخر. ومع وجود البدائل المتطورة والمغريات، وتعدد قنوات تلقي المعلومات والتواصل المعرفي، إلا أن الكتاب يظل ويستمر مستأثراً باهتمام الجميع، ونحن الآن نراهن بمعرض الكتاب الدولي الذي يعقد في الرياض على وعي مجتمعنا ثقافياً وقرائياً، وقد أصبح المعرض بالفعل من مناسباتنا الثقافية المهمة، التي لها تأثيرها، في خلق النموذج الأمثل للحوار مع ثقافة الآخر، والانفتاح على ثقافات العالم، محلياً وإقليمياً، خاصة وأننا نرى أنه أصبح ظاهرة ثقافية يهتم بها المثقفون والمهتمون بكل جديد يصدر في عالم الكتب من روايات ودواوين شعرية ومؤلفات أيديولوجية في الفكر والثقافي والفكري والعلوم الإنسانية، اقبال نجد فيه حتى من يتجملون بالوعي الثقافي والفكري، لأن الكتاب حقاً قنطرة حضارة. حيث تتصل الشعوب من خلالها بثقافة وفكر العالم، والكتب ملتقى لحضارات الأمم وثقافاتها، يجتمع فيها شمل المفكرين والمثقفين، وعشاق القراءة، ونوافذ مفتوحة على كل الثقافات، لكننا نواجه حقيقة بظاهرة ارتفاع أسعار الكتب عاما بعد عام حيث يصل سعر متوسط الكتاب بين 50 و60 ريالاً. والذين تسوقوا في معرض الكتاب الأخير الذي عقد هذا العام في العاصمة، أنفقوا ما بين 2000 و3000 ريال، وهو مبلغ تثبت صحته ما حققه المعرض من ايرادات يومية بالملايين.. ليس في مقدور الجميع تحمل غلاء أسعار الكتب خاصة ذوي الدخل المحدود. وإذا كانت الدول المتقدمة حولنا، تلجأ لإصدار طبعات شعبية تمكن الطبقة المتوسطة من أبناء الشعب الحصول على الكتب في مختلف ألوان الفكر والإبداع، فما بالك ونحن أمة نامية نتطلع لرفع مستوى الوعي القرائي ونحتاج بشدة هذا النوع من الكتب لنحقق رغبات الذين يعشقون الكتاب وتحول أسعارها المرتفعة دون اشباع عشقهم للقراءة والتحليق في فضاءات المعرفة، بين حفيف أوراق الكتب وأحضان أغلفتها. عبدالرحمن العمراني ويختم القدس حديثه قائلاً: نحن أمام حقيقة لا يمكن إنكارها، لدينا جماهير تعشق القراءة وتسعى للحصول على الكتاب، ولدينا مشاكل في تسويقها وترويجها. إن الاهتمام بصناعة الكتاب، دليل علي وجود وعي بأهمية المعرفة والمثاقفة، فلماذا لا نتوسع أكثر فنصدر نسخا من الكتب تمكن الجميع من شراء الكتاب لإشباع رغبته في قراءتها، فنتجاوز كل الظروف والعقبات، فلم يعد إنسان اليوم بعيداً عن الوصول إلى كل فكر وكل علم، ولنشرك الجميع في تحقيق رغباتهم، آملين أن نجد هذا النوع من الكتب ذات الأسعار المناسبة، في معرض الكتاب القادم، فالوعي القرائي مقياس لحضارة الشعوب، ودليل على وعيهم الثقافي، وهي مؤشر حقيقي لما وصلت إليه الأمم في تقدمها فكرياً وحضارياً. وقد بدأنا في تحدي إثبات أننا أمة تقرأ وتعشق القراءة. القاص الأستاذ عبدالرحمن العمراني دعا وزارة الثقافة إلى العودة نحو مشروعها التي بدأته في طبع سلسلة عن الرواد للناشئة وهو أمر ضروري للجيل الجديد وقال أيضاً: فكرة الكتب والطبعات الشعبية المدعومة من مؤسسات الدولة أصبحت ضرورة ملحة لمجتمع القراءة في السعودية خصوصا بعدما نشاهده من استغلال وتلاعب دور النشر بالأسعار في معرض الكتاب كل عام وعلى مرأى من وكالة الشؤون الثقافية. أن مشروع الطبعات الشعبية المدعومة هو فكرة لنشر الأدب والكتاب والأعمال الابداعية والفكرية والفلسفية بين الناس وتشجع على القراءة وما يميزها أنها تطرح بأسعار رمزية وتسهل وصولها للقارئ أيا كان مستواه الاقتصادي وتشيع ثقافة القراءة وتساعد على انتشار اعمال المبدعين بين القراء وهي تجربة سبقتنا فيها بعض الدول العربية مثل مصر (مكتبة الاسرة) والسودان وغيرهما.. قبل خمس سنوات كان لوزارة الثقافة والإعلام تجربة مشابهة ولكنها لم تحمل نفس الهدف ألا وهي ( سلسلة الرواد للناشئة) تناولت عدداً من الرواد السعوديين منهم "حسين سرحان" و"عزيز ضياء" و"حمد الجاسر" وكان هذا المشروع محدود الانتشار ولم يستمر طويلاً, لماذا لا تعاد هذه التجربة من جديد وتصاغ اهدافها وتوسع بشكل اكبر واشمل وتتبنى كل الاعمال الابداعية للسعوديين والرواد وتقدم بسعر زهيد غير ربحي وتسوق بإشراف من وزارة الثقافة والاعلام ويتعرف بذلك المجتمع على رواده ومبدعيه, وتكون بذلك قدمت جزءاً من الدور الثقافي المنوط بها ويصبح بذلك الكتاب بين يدي القارئ بدون أي عبء مادي. من جهته طالب الباحث والناقد عبدالرحمن المحسني إلى التقليل من تزيين الكتاب وبهرجته لأنه سينعكس على سعره وجاء في حديثه: سنة الله الماضية أن يبقى العلم هو فيصل التميز "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" وبقدر تقدم الأمم في مسارات العلم يكون تحقيقها لطموحها .والكتاب مفتاح المعرفة وتقريبه للوجدان الجمعي مسؤولية المؤسسات التي يجب أن تحسن تسويق المعرفة وتقديمها للأجيال بعدة صور توثق ارتباطهم بالكتاب وبنواقل المعرفة المتجددة. ومن عوامل الارتباط بالكتاب محاولة تقريبه من المجتمع بعدة أشكال تلبي حاجات المتلقين المتباينة. ولقد يلاحظ عناية المكتبات بتقديم الكتب في هيئات زاهية وأوراق مصقولة وطبعات رائعة وهذا حسن لكنه قطعا ينعكس على سعر الكتاب الذي يجعل بعض المحتاجين له يحجم عن شرائه وخاصة في ظل ضغوط الحياة وأعبائها المتزايدة.. من هنا فإن البحث عن مصادر تسويقية جديدة للكتاب بات أمراً ملحاً. طاهر الزهراني وتأتي الطبعات الشعبية واحدة من عوامل مقاربة الكتاب من المجتمع التي تجعل الكتاب يحضر دون كلفة مادية باهظة ويأتي الإعلان والإعلام للكتاب وحضوره في باصرة ووجدان الناس في (كوشكات) ومنتديات الناس العامة وأسواقهم جزءاً مهماً من كينونة المجتمع، وكل ذلك سيجعل من الكتاب صاحباً معرفياً مهماً يسهم بدوره في تنمية الفكر الإنساني وتنمية الحياة للمجتمعات العربية والإنسانية.. ولا أنسى هنا أن أشير إلى ضرورة بناء تكوين الأجيال الصاعدة على حب الكتاب والتماس المباشر معه. ولعل مثل تلك الطبعات الشعبية أن تسهل على المؤسسات التربوية بميزانياتها المتباينة تقديم الكتاب ليكون حاضرا في البنى التكوينية المؤسسة للمجتمع الأفضل. ويشير القاص والكاتب محمد البشير إلى خطر استغلال المؤلفين والكتّاب من قبل ما أسماهم (تجار الورق) وقال أيضاً: لا شك أن جدل غلاء أسعار الكتب يتردد كل عام بمرور معرض الكتاب، ويستمر الأمر حتى العام المقبل دون حلول على الإطلاق ؛ لنناقشه العام الذي يليه، وهذا ما يدعو إلى التساؤل عن مدى صحة القول بغلاء سعر الكتاب على أرض الواقع. لا شك أن مبيعات معرض الكتاب بالرياض تبلغ أرقاماً فلكية في موازين (تجار الورق)، وهو مكان لاقتناص أكبر ما يستطيع كل منهم أن يقتنصه، فالفرصة سنوية، ولا سبيل إلى التفريط بها، وهذا الأمر يجعل كل منهم يقبل عالماً بأن أمامه مشترين يتمتعون بقوة شرائية فائقة مقارنة بالعواصم الأخرى، وقابلية للشراء تفوق الدول الخليجية المجاورة من جانب آخر. إن هذا الأمر يدعو (تجار الورق) في غياب الرادع إلى استغلال الفرصة في ربح ما يستطيع ربحه، فلا رادع تجاه رفع السعر، ولا زبون متلهفاً لاقتناء كتاب، ولديه الوقت لتبليغ شكوى على بائع بيتزا - وهذا ما حدث لي شخصياً -. إذاً ما السبيل لوقف شره (تجار الورق) الذين لم يكفهم استغلال المؤلفين ابتداء، فتجاوزوا الأمر إلى المشترين، والكتاب هو المظلوم أولا وأخيراً ؟ إن أول أمر لا بد منه لضبط قيمة الكتاب إصدار قائمة الأسعار، وعدم إتاحة دخول أي كتاب لمتجر دون أن يكون له سعر مقيد كما هو قانون وزارة التجارة، والتحقق من ذلك، وإلزام البيع بالقارئ الآلي، وبهذه الطريقة لن يتلاعب (تجار الورق) بالسعر . أما الأمر الثاني الذي لا مفر منه، وهو غلاء السعر أصلاً، فالمبلغ الذي تقتني به عشرات الكتب قبل أعوام أصبح لا يكفي لشراء ربع ما كنت تقتنيه. بالطبع نؤمن أن لا خسارة في كتاب مهما بلغ سعره، ولكن إن كان ثمة وسيلة يتاح من خلالها توفير الكتاب لأكبر عدد ممكن من القراء بواسطة السعر، فبها ونعمت. وينهي البشير حديثه بهذه الرؤية إن من تلك السبل (النسخ الشعبية)، وهي تلك النسخ المدعومة من جانب، والمطبوعة بتكلفة أقل من خلال طباعة عدد كبير بأقل جودة من جانب آخر، وهذه الوسيلة تتيح وصول الكتاب لأكبر شريحة ممكنة، وبكلفة أقل، وأحياناً بإشراف جهات تنتقي كتباً تستحق الانتشار، فتقوم بتلك الوسيلة لنشرها. من الغريب أن يطرح هذا المقترح في بلاد تقترب حجم مبيعات الكتب في معرضه المئة مليون ريال، ولكن حين يكون هدفنا بلوغ عدد الكتب هذا الرقم (مئة مليون كتاب)، فحينها سنبحث عن وسائل عدة بما فيها إتاحة الكتب لكل الناس، وتمكين من يستطيع شراء عشرة كتب من المعرض فيما قبل من اقتناء عشرين كتاباً أو يزيد. أليس الكتاب أولى بالدعم إن كان إيماننا بأنه غذاء لا غنى عنه على الإطلاق؟! أما القاص والروائي طاهر الزهراني فيرى أن المؤسسات الثقافية تشترك أيضاً مع وزارة الثقافة في الخروج من هذه الأزمة التي يعيشها الكتاب وذكر أيضاً: القارئ الحقيقي، والذي لديه شغف بالكتب، لا أتصور أن الطبعات الشعبية تهمه كثيراً، لكن هناك شريحة من المجتمع تهمها هذه النوعية من الكتب نظرا لقلة كلفتها، وسرعة انتشارها وتداولها، مثل هذا الطبعات من المنبغي أن تتبنى طباعتها بعض المؤسسات الثقافية حكومية كانت أو أهلية، رغبة في نشر المعرفة، ذاك أنها لا تكلف كثيراً، وتصل إلى شريحة كبيرة من المجتمع، خاصة إذا تم توزيعها مجانا في بعض المناسبات الثقافية كيوم الكتاب العالمي، والمواسم الثقافية، مع مراعاة أن تختار عناوين من الكتب العربية والعالمية، وعيون الأدب، التي تساهم في تشكيل وعي ومعرفة وذائقة الأفراد، وفي نشر هذه الكتب بهذه النوعية، مع عمل برامج تحث على القراءة، والاحتفاء بمناسبة الكتب، والمعارض التي تقام هنا وهناك، سوف يحدث هذا فعلاً وحراكاً ثقافياً مذهلاً، ليس هذا الدور منوط بوزارة الثقافة فقط، بل المؤسسات الثقافية الأخرى، حتى تلك التي تتبناها مؤسسات تجارية، ولها مشاريع اجتماعية. المجتمعات الراقية شديدة القرب من الكتاب، وبحسب قربها وبعدها عن المعرفة، يكون السلوك ومدى التحضر. عبدالرحمن المحسني محمد البشر