هل النشر الورقي للكتب في خطر؟ يخطر هذا السؤال بالبال عندما تكثر الأخبار عن صفقات نشر إلكترونية، يدخل فيها طرف أساس كبار الكتاب، ليس في العالم الغربي فقط، إذ وصلت الغواية أيضاً الى اليابان. وعندما تخصص أمازون صفحة تفاجئ فيها زبائنها بإعلانها عن خدمة جديدة لبيع الكتب الجديدة الأدبية وغيرها بنسخ مخصصة لجهاز كندل، لا للنشر الورقي، وعندما يتم الإعلان عن تأسيس دار نشر متخصصة فقط في مجال النشر الرقمي، وعندما ينتقل وكيل نشر في نيويورك يعمل منذ سنوات وسيطاً لأسماء عريقة، باتجاه هذا الخدمة الجديدة، بإمكاننا أن نقول: نعم، الكتاب الورقي في خطر في ظل أجهزة قراءة الكتب التي دخلت السوق لتنافس الكتب التقليدية بتوحش، وتحول شركات خدمات الكومبيوتر العملاقة الى ناشرين جدد في السوق. ظهرت ملامح التمرد على الكتاب التقليدي الذي يبلغ عمره خمسة قرون، منذ سنوات التسعينات، وبدا حينها أن الجميع يناضل كي لا يقع فريسة للشكل الجديد، من العاملين في مؤسسات النشر، الى المؤلفين، مروراً بالوسطاء مثل مكاتب وكلاء النشر. الكاتب الياباني رايو موراكامي أعلن قبل أسابيع أنه وقع عقداً مع شركة «أبل»، سينشر بموجبه روايته الجديدة (الحوت المغني) على جهاز أيباد، تكون الرواية جاهزة للتنزيل من قبل القارئ بمجرد شرائها عبر الانترنت. وسيصاحب الكتاب مقطع فيديو ومقطوعة موسيقية ألفها في شكل خاص للنص المرفق، مؤلف موسيقي ياباني حاصل على جائزة الأوسكار. صحيح أن الكاتب ليس بشهرة زميله الذي يشاركه اسم الشهرة هاروكي موراكامي الروائي المعروف عالمياً، إلا أن الأول كاتب له قراؤه الكثر في اليابان وهو جاد في عالم الكتابة ومثابر، وبالتالي فإن سلوكه سيؤثر في كتاب آخرين، بل وسيقنع قراءه أن اللجوء الى الكتب الإلكترونية نتيجة طبيعية في نهاية الأمر. الخيانة والارتماء في حضن الأعداء، كما يقال الآن في عالم النشر في الغرب، كان لها أبطال آخرون مثل ستيفن كوفاي، المؤلف الأميركي المختص في كتب الأعمال، الذي وقع في نيسان (أبريل) الماضي، عقداً مع شركة أمازون متجاوزاً فيه ناشره التقليدي، ليكون صدور الكتاب حصرياً على جهاز كندل. في الشهر نفسه صدر للأميركي ستيفن كينغ، صاحب الكتب الأكثر مبيعاً في مجال روايات التشويق، كتاباً ألكترونياً سبق فيه صدوره بطبعته الفاخرة، علماً أن كينغ كان من أوائل الكتّاب الذين نشروا رواياتهم في نسخ رقمية قبل سنوات، لكن الجديد الآن، أن تلك النسخ باتت تصدر قبل النسخ الورقية، أو تكون حصراً على الرقمية فقط. يشير روبرت ماكروم الروائي ورئيس التحرير السابق لدار (فايبر أند فايبر) في لندن، في مقال نشره في «الاوبزيرفر» أخيراً، أن أندرو ويلي (يلقب بالثعلب)، وكيل النشر الشهير بزبائنه الذين يبلغ عددهم 700 كاتب، روى له مرّة كيف حاول أن يستخدم جهاز كندل للقراءة ولم يستطع أن يكمل تسعين دقيقة قراءة من خلاله. والآن، يستغرب ماكروم كيف أن ويلي نفسه من يعلن الحرب الآن على النشر التقليدي ويؤسس لدار نشر أسماها (أوديسي إيديشنز) متخصصة في نشر الكتب الرقمية متحالفاً مع (أمازون) في هذا الخصوص. «خيانة» أندرو ويلي هزت عالم النشر في أميركا، ويراقبها العالم الناطق بالانكليزية، لأنها ستطاوله عاجلاً أم آجلاً، مثل كندا وبريطانيا وأستراليا ودول الكومنولث. وتصدت له اثنتان من دور النشر العريقة، راندوم هاوس، وماكميلان، في إدانة صريحة لتحرك الوكيل العريق في عالم النشر الورقي الى عالم النشر الرقمي. إن ويلي ليس بالوسيط العادي، فهو يسحب معه أسماء لامعة من الكتّاب الأحياء والأموات، مثل سول بيلو، خورخي لويس بورغيس، جون أبدايك، فيليب روث، مارتن آميس، سلمان رشدي، وآخرين. وبحسب ما هو منشور على موقع أمازون، فإن دار «أوديسيه إيديشنز» ستتخصص في إعادة نشر كلاسيكيات كتب الأدب وغيره، الأمر الذي سيجعلها أمام إشكال قانوني، إذ ان «راندوم» مثلاً، تملك حقوق نشر بعض تلك الكتب باعتبارها ناشرها الأول، وقد سارعت بإرسال تحذير قانوني لأمازون، من مغبة النشر قبل الحصول على إذنها. التهديد طاول ويلي أيضاً، فالدار أعلنت أنها لن تتعامل معه في المستقبل القريب، لحين اتضاح حدود الصلاحيات والحقوق. على أي حال، يبدو أن «غوغل» و «أبل» أبرز المنافسين على هذه الجبهة، دخلا السوق ليغيراها من خلال أجهزتهم التي تكتسح السوق، ومن خلال تطوير طرق البحث التي تبجل النسخ الرقمية بالطبع. وتكمل (أمازون) الدور من خلال تغيير طرق النشر والتوزيع التي ما عادت بحاجة سوى الى تنزيل النص بعد دفع ثمنه. ستتغير شروط العقود كما هو متعارف عليها بالتأكيد، إذ يتوقع المؤلفون أن تبقى حقوق النشر معهم لا مع الجهة الناشرة، أيضاً أن ترتفع الدخول المتأتية عن مبيع النسخ، وبعد نسبة 25 في المئة التي يحصلون عليها الآن، تنتظر الغالبية نسبة أكبر، من منطلق أن مصاريف النشر الرقمي ستنخفض بالضرورة عن مصاريف النشر الورقي، وستضيف بذلك مبالغ جديدة الى الأرباح الصافية. المؤلفون الذين يتعاملون مع وكيل النشر ويلي، لم يعلقوا صراحة على انتقاله الى عالم النشر الرقمي، لكن الناطق باسم دار ماكميلان المتضررة من الاتفاق الجديد، دان الاتفاق الذي ستستفيد منه «أمازون» فقط، وقال انه سيؤثر سلباً في المؤلفين والرسامين ومصممي الأغلفة والناشرين ومخازن بيع الكتب. وهذه الأخيرة التي تخطط لإنشاء قسم رقميّ خاص بها، يكون موازياً للنشر الورقي، ستتضرر أيضاً. طبعاً في كلامه كثير من الصحة، فها نحن أمام مهنة عمرها مئات السنين تنهار بأكملها، لتأخذ شكلاً جديداً لا ندري الى أين سيقود فعل القراءة وفعل الكتابة، وفعل الوسيط بينهما، أي النشر. الخبر لن يسرّ أحداً من القراء، هذا مؤكد لأشخاص اعتادوا على ملمس الورق وشكل الكتاب في القراءة، لكن جهات عدة للأسف تدعم هذا التوجه، من بينها المدافعون عن البيئة وحماية الغابات، حيث تقطع الأشجار لتغطية الاستهلاك العالي للورق في العالم. انه عالم يتغير بسرعة كبيرة، وقد نكون مرغمين في القريب على الاستسلام لنتائجه.