بدأت الحملة الانتخابية التركية قبل 22 تموز يوليو، ومنذ بداية السنة الجارية. ورفع شعار تهديد الوطن بالضياع. ولوح كثر باحتمالات دامية، وتحالفات حكومية جديدة واغتيالات، وعنف. وشاركت صحف من مشارف متفرقة وكتّابها، في الدعاية الانتخابية تلك. ورمت دعاية سياسية رخيصة الى تشويه صورة حزب العدالة والتنمية، وإحراجه، وإطاحته، قبل الاحتكام الى الانتخابات المبكرة. وتعاظمت شراسة الحملة وقذارتها مع اقتراب تاريخ 22 تموز، وهددت المؤسسات الديموقراطية بمؤسسات الدولة. ولكن هذا كله اصبح جزءاً من الماضي، ودفنت صناديق الاقتراع الأحقاد والمؤامرات. وأحرز حزب العدالة والتنمية فوزاً منقطع النظير. واسترجع من وقفوا وراء تلك الحملة الشعواء صوابهم. فالنصر الذي أحرزه الحزب إنما معناه ان تركيا لا تعاني أتعس أيامها على خلاف ما أشاعوا. وليست مهددة بالانقسام، على خلاف ما ادعوا. وليس السعي الى دخول الاتحاد الأوروبي مصيبة وعمالة للغرب، بل هو مشروع سياسي، واستراتيجية يجب الالتزام بها. فمن الخطأ احتقار المتدينين والأكراد وإهانتهم. والشعب متمسك بالديموقراطية، وهذه ليست ترفاً يمكن الاستغناء عنه. فهذا ما تعنيه نتائج الانتخابات. وهذه أضعفت الأحزاب التي كانت تعتمد تلك الأكاذيب، وتروج لها قبل الانتخابات، واتخذتها دعاية انتخابية. فمن اجل الاحتفاظ بالسلطة، وكسب ثقة الشعب فيك، عليك أن تكون مصلحاً متجدداً، منفتحاً على العالم، ومتمسكاً بالديموقراطية والشفافية. وقبل ذلك، وفوقه، عليك ادارة دفة الاقتصاد إدارة حصيفة. فالديموقراطية، إذا لم تشبع البطون الخاوية، لا فائدة منها. والحق ان حزب العدالة والتنمية استفاد من الظلم الذي وقع عليه جراء منعه من انتخاب عبدالله غول، وزير الخارجية، رئيساً للجمهورية، ولكن حزب العدالة والتنمية لو أساء إدارة الاقتصاد لما أيده الناخبون، فالنجاح الاقتصادي هو الأساس. ونجاح حزب العدالة والتنمية مرده الى نجاحاته السياسية والاقتصادية وحسن إدارته لأزمته مع القوى المعارضة له في الدولة. وتوضح نتائج الانتخابات ان الضحك على الشعب او خداعه مستحيل. وكذلك فرض الوصاية على عقله، وإلباس المصالح الحزبية لباس سياسة الدولة. وأرجح دليل على هذا، ثبات اصوات حزب الشعب الجمهوري على حالها ونسبتها. وحصول حزب الحركة القومية - وهو كان يأمل في الانفراد بالحكم على ثلث أصوات حزب العدالة والتنمية. ولعل اقسى الاتهامات التي وجهت الى حزب العدالة والتنمية هي تهمته بإهمال محاربة الإرهاب، وتراخي تعامله مع القضية الكردية الذي ادى الى تعاظم هجمات حزب العمال الكردستاني. ولكن نتائج الانتخابات تظهر ان حزب العدالة والتنمية كسر هيمنة حزب العمال الكردستاني على الناخب الكردي بجنوب شرقي تركيا، وأمسى أمل الأتراك الوحيد في ضمان وحدتهم. فهو وحده جمع ولاء المحافظات التركية من دون استثناء. ولم يقتصر الاقتراع له على منطقة دون أخرى. فحل ثانياً في المحافظات التي لم يتصدر فيها. وعلى هذا، فهو راسخ في المحافظات كلها. وهذا مرآة إجماع يربط الأتراك بعضهم ببعض، ويرعى وحدة الدولة السياسية. ولا شك في ان رئيس الوزراء متمسك بوعده الذي قطعه، في اول خطاب له بعد إعلان النتائج، باحترام رأي من لم يقترع لحزبه. ولكنه، في الوقت نفسه، يتوقع من هؤلاء ان يدركوا اللعبة التي حيكت من اجل استمالة أصواتهم. ولا شك في أن امام أردوغان كثيراً من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحتاج إلى حلول. فعلى رغم الفوز الكبير، يضطر اليوم حزب العدالة والتنمية، أكثر من ذي قبل الى التفاهم والتفاوض، ولا يجوز ان ينفرد برأيه. وأهم ما جاء في كلمة أردوغان الأولى انه يرفض اعتبار نتائج هذه الانتخابات انتقاماً، أو ثأراً للظلم الذي لحق بحزبه من جانب بعض القوى، وإنما انتصاراً للديموقراطية. عن مصطفى كارا علي اوغلو، "ستار" التركية، 24/7/2007