حملت نتيجة الاستفتاء مفاجأة غير متوقعة. فتخطت نسبة الأصوات المؤيدة للتعديلات حاجز ال 53 في المئة المتوقع. ولو أن النتيجة جاءت بتلك النسبة المنتظرة لانقلبت الآية، ولكانت الحكومة التي اقترحت تعديلاتها خسرت، في المحصلة، ثقة الشعب، ولانتصرت المعارضة لأنها نجحت في تقليص نسبة المؤيدين للحكومة. ولكن الحكومة حصلت على نحو 60 في المئة من الأصوات. وهي نسبة لا يستهان بها، وتوحي بأن ثمة استقطاباً كبيراً في المجتمع التركي. وقبل تحليل النتيجة، ألفت النظر الى عامل مهم أسهم فيها، وهو نهج «حزب العدالة والتنمية» العملي والحرفي في الدعاية والإعلان. فهو يتوسل وسائل علمية حديثة، وينفق انفاقاً باذخاً على هذا الأمر. وأما احزاب المعارضة فلم تتخل عن اساليب العمل القديمة، وتعتمد على كوادر غير مدربة، وعلى المتبرعين. فزعيم حزب الشعب الجمهوري الجديد، كمال كيلجدار أوغلو، بذل أموالاً كثيرة في حملته، ولم يقصر في دعوة الناخبين الى الاقتراع ضد التعديلات. ولكن كوادر حزبه ينهارون من حوله، فهل هناك أبلغ من ألا يستطيع رئيس المعارضة أن يدلي بصوته في الاستفتاء بسبب سهو فرع الحزب في اسطنبول عن تسجيل اسمه في قوائم الناخبين هناك؟ إن هناك حقيقة واضحة كشف عنها الاستفتاء وهي أن رجب طيب أردوغان هو اكثر الزعماء السياسيين كاريزما وقدرة على إلهاب حماسة الجماهير وكسب ثقتهم، وما من شك في أن أردوغان سيحسن استخدام هذه النتيجة لمصلحة الانتخابات البرلمانية في تموز(يوليو) المقبل أو ربما قبل ذلك. وما من شك الآن في أن أردوغان بات يستعد للمرحلة المقبلة التي يرشح فيها نفسه الى الرئاسة. وكمال كيليجدار أوغلو نجح في زيادة عدد مؤيديه في أول اختبار له منذ توليه زعامة الحزب في أيار (مايو) الماضي، على رغم فشل كوادره وحاجة حزبه الى عملية اصلاح داخلية كبيرة. وأما حزب الحركة القومية فيحتاج الى مراجعة كبيرة، فمن الواضح أنه الخاسر الأكبر. والمناطق المعروفة تقليدياً بتوجهها القومي صوتت لمصلحة الاستفتاء بفارق كبير. وزعيم الحزب، دولت باهشلي، لم يأخذ موقفاً واضحاً من الاستفتاء، فطالب برفضه من غير مبررات أو بدائل. وحزب السلام والديموقراطية، الكردي، أثبت قوته، فقاطع الأكراد في جنوب شرقي تركيا الاستفتاء بناء على طلبه، وطلب حزب العمال الكردستاني. وعلى الحكومة أن تحتسب هذا الأمر إذا كانت جادة في موضوع حل القضية الكردية. وتشير نتيجة الاستفتاء الى أن الشعب التركي يدعم مشروع الانفتاح الديموقراطي الذي يهدف الى حل القضية الكردية سلمياً. فكل الدعاية التي روج لها القوميون، وزعمت أن الحكومة على حوار مباشر مع «حزب العمال الكردستاني»، وأنها ستدخل في حوار مع الإرهابيين إذا فازت في الاستفتاء، لم تؤثر في الناخب فالرأي العام أقرب الى القبول بفكرة الحوار المباشر مع «الكردستاني» من أجل حل القضية. والاستفتاء لا يقتصر على تعديل بعض مواد الدستور. فالتغيير السياسي أبعد وأعمق. * كاتبة، عن «مللييت» التركية، 13/9/2010، اعداد يوسف الشريف