وسط إجراءات أمنية استثنائية شارك فيها 61 ألف شرطي ومئات من أجهزة الاستخبارات الألمانية والأميركية بدأ صباح أمس في المنتجع السياحي هيليغندام في شمال ألمانيا، الجزء الرسمي من إعمال قمة الدول الصناعية الثماني برئاسة المستشارة أنغيلا مركل وحضور رؤساء دول وحكومات الولاياتالمتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا واليابان وكندا، إضافة إلى مفوض الاتحاد الأوروبي خوسيه مانويل باروزو. ولم تبدد جلسة العمل التي عقدت مساء الأربعاء على مأدبة عشاء في أجواء"لطيفة ومريحة"، على حد قول أكثر من مصدر، الخلافات العصية التي برزت بين الرئيس الأميركي جورج بوش ومركل حول ملف المناخ، على رغم التوصل لاحقاً إلى مساومة مقبولة. كما لم يتمكن الحوار الهادئ الذي جرى بين بوش والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والابتسامات التي تبادلاها في تخفيف الاحتقان الظاهر في علاقات البلدين بسبب نية واشنطن إقامة درع صاروخية قريبة من الحدود الروسية. وأعلنت المستشارة الألمانية ان دول مجموعة الثماني توصلت الى اتفاق حول خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة النصف بحلول العام 2050. ووصفت مركل الاتفاق بأنه "ناجح جداً"، موضحة انه يمثل "التزاماً واضحاً لمواصلة عملية الأممالمتحدة لحماية المناخ". وبحث المجتمعون في الجلسة الصباحية الوضع الاقتصادي في العالم وتعزيز العلاقات بين الدول الثماني والبلدان السائرة على طريق التصنيع ثم تناقشوا ظهراً في موضوع أزمة الشرق الأوسط وكيفية وضع حد للنزاع في المنطقة والخلاف القائم مع إيران حول برنامجها النووي والوضع النهائي لإقليم كوسوفو، قبل أن يبحثوا ملف أفريقيا ومحاربة الفقر فيها وملف المناخ في جلسة بعد الظهر. وذكرت مصادر مطلعة أن الجميع"أظهر ارتياحاً كبيراً للوضع الاقتصادي الدولي"، وأن التعاون في ما بين الدول الثماني"حقق تقدماً"في ما يخص النمو وتحمل المسؤولية عن استمراره. وأكدت مصادر ألمانية وفرنسية مطلعة أن الولاياتالمتحدة التي ترفض الالتزام بتخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 50 في المئة وبمنع رفع الاحتباس الحراري أكثر من درجتين مئويتين حتى عام 2050 ستقبل بالعمل على وضع معاهدة جديدة لحماية المناخ في إطار الأممالمتحدة بعد انتهاء مدة"معاهدة كيوتو"عام 2012 علماً أن بوش رفض التوقيع على كيوتو وأي معاهدة دولية حول المناخ. وكان الرئيس الأميركي اقترح قبل أيام"تحديد أهداف مشتركة لحماية المناخ"بين 15 دولة مسؤولة عن الانبعاثات بينها الصين والهند. وبعد اجتماع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مع بوش، قال إن القمة"ستقر أرقاماً لتخفيض الانبعاثات قريبة مما هو مقترح". وشدد بوش من جانبه على ضرورة إلزام الدول الصاعدة أيضاً بحماية المناخ مثل الصين والهند. وأعلن رئيس المفوضية الأوروبية باروزو أن القمة ستحقق نجاحاً إذا تمكنت من التأكيد على وضع معاهدة جديدة لحماية المناخ تحت مظلة الأممالمتحدة بعد عام 2012. وتابع:"في حال لم يحصل مثل هذا الالتزام فسيكون مصير القمة الفشل". وكشف أن اجتماعات الخبراء توصلت إلى تجاوز العديد من الخلافات، إلا أنه لا تزال توجد نقاط لم تحسم بعد، ولا بد من أن تحسم خلال هذا اليوم أمس". وبحث الرئيسان بوش وبوتين الخلاف الأميركي - الروسي حول الدرع الصاروخية المزمع إنشاؤها في بولندا وتشيخيا، وهو موضوع غير مدرج على أجندة القمة. وتمنت مركل أول من أمس على بوتين عدم طرح القضية في القمة حتى لا تأتي على حساب القضايا الأخرى فطمأنها إلى ذلك على حد ما ذكره مصدر ألماني مطلع. وتبادل بوتين وبوش الكلام خلال الجلسة المسائية بعد العشاء من دون أي توتر أو تشنج. وقال مصدر روسي أنهما تطرقا إلى النقاط التي سيبحثانها معاً من دون الخوض في التفاصيل. إلى ذلك استقبل وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير في برلين أمس رؤساء دول وحكومات 11 دولة مدعوة للمشاركة اليوم في الجلسة الختامية لقمة الثمانية في هيليغندام بينهم رؤساء دول وحكومات البرازيلوالصين والهند والمكسيك وجنوب أفريقيا، كما وصل مسؤولون كبار من مصر والجزائر ونيجيريا والسنغال واثيوبيا وغانا. ساركوزي وخلال جلسة العمل الأولى، دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى أن يكون حل أزمة الاحتباس الحراري ملزماً، مشيراً إلى أنه على رغم المسؤولية التي تقع على الدول الثماني في هذا المجال، لكن الدول الأعضاء غير قادرة على اتخاذ قرارات باسم كل الشعوب. وشدد على ان الأممالمتحدة هي"الإطار للمناقشة واتخاذ القرارات"في هذا الشأن، وأنه على الأميركيين ان يدركوا أيضاً انه"لم يعد في وسعنا الانتظار". ونقل مصدر فرنسي عن ساركوزي دهشته حيال الشعور المعادي للعولمة والتي يعتبرها عامل نمو وتنشيط لسوق العمل. وذكر المصدر ان الرئيس الفرنسي تناول موضوع الطاقة عموماً، مؤكداً ان احتياطي النفط والغاز لا بد من أن ينضب يوماً، وشدد على ضرورة البحث عن طاقة بديلة. كما دافع عن الطاقة النووية وهو ما بدا ان بوش يرحب به، في حين ردت عليه مركل بالقول:"شكراً نيكولا على طاقتك". الدرع الصاروخية وكان الخلاف الأميركي- الروسي حول الدرع الصاروخية الأميركية حاضراً بقوة على رغم محاولات التهدئة. وبعد لقائهما مساء أول من أمس، عقد بوش ونظيره الروسي فلاديمير بوتين اجتماعاً مغلقاً بعد ظهر أمس. وأكد بوش ان موسكو لا تملك أي سبب يدعو الى تصعيد التوتر بسبب مشروع النظام الدفاعي الصاروخي الأميركي في أوروبا. وقال انه"من المهم ان يفهم الروس وروسيا ان الحرب الباردة برأيي انتهت، وروسيا ليست عدوة للولايات المتحدة". لكن الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشيف اعتبر الخطط الأميركية لنشر الدرع المضادة للصواريخ"متغطرسة"، وحذر من أنها ستؤدي إلى نشوب حرب باردة جديدة. وقال غورباتشيف لشبكة"سي أن أن"إن الاقتراح الأميركي- الذي يتضمن إقامة منشآت في بولونيا والجمهورية التشيخية- يعني أن أوروبا أصبحت هدفاً مرة جديدة. وأضاف محذراً أميركا من أن"هناك احتمالاً أن تؤدي الثقة المفرطة بالنفس والغطرسة إلى حال مماثلة للحرب على العراق"، مضيفاً:"تقود الولاياتالمتحدة نفسها إلى زاوية- فقدت المصداقية في العالم". جاء ذلك فيما أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد"ستيم"في براغ، أن حوالى 67 في المئة من التشيخيين ترفض الخطط الاميركية الرامية إلى نصب نظام رادار في تشيخيا، في إطار مشروع الدرع الصاروخية المزمع نشرها في أوروبا، مقابل 33 في المئة تؤيد الخطة. على صعيد آخر، تعهد بوش باتخاذ إجراءات أحادية الجانب ضد السودان إذا فشل التدخل الدولي في أزمة دارفور. وقال إنه يشعر بخيبة أمل إزاء تقاعس الأممالمتحدة في شأن هذه القضية، مضيفاً أنه"إذا لم تتصرف الأممالمتحدة يجب أن نتولى نحن اتخاذ الإجراءات. لقد فاض الكيل في دارفور". جاء ذلك فيما خلصت وثيقة نشرتها الأممالمتحدة الى ان أفريقيا شبه الصحراوية ليست على طريق تحقيق اي هدف من أهداف التنمية المحددة للألفية، وذلك مع الوصول الى منتصف الطريق بين تبنيها في العام 2000 والعام 2015 الموعد المحدد لتحقيقها. وأشارت مصادر إحدى منظمات الإغاثة إلى بعض التحرك في كواليس قمة الثماني في ما يخص تنفيذ الوعود التي قطعتها القمة لمساعدة القارة الأفريقية. واختتمت قمة الثماني البديلة التي عقدت في مدينة روستوك أعمالها أمس بعدما عقدت نحو 130 ورشة عمل. وقال توماس زايفرت من منظمة"ميديكو"للإغاثة إن القمة البديلة حققت"نجاحاً كبيراً"، مشيراً إلى أنها بحثت المواضيع الملحة. ولم تخرج القمة البديلة بمطالب محددة لقمة الثمانية الكبار المنعقدة في منتجع هيليغندام.