ربما تكون بعض القنوات التلفزيونية، الفضائية منها أو الأرضية، ذات السمعة الحسنة، منبراً لانتشار أو ذيوع اسم إعلامي معين. وقد يكون العكس، بحيث يكون الإعلامي المشهور، هو أحد أسباب رواج بعض القنوات الفضائية، في هذه الزحمة الإعلامية المنفلتة، التي خلقت جوَّاً من المنافسة القوية، بين الرساميل السياسية أو الاقتصادية التي اتجهت لاستثمار قطاع الإعلام، بخاصة المرئي منه، لغايات وأهداف، منها ما هو اقتصادي بحت، ومنها ما هو عقائدي، ومنها ما هو سياسي، ومنها ما يجمع كل ما سلف ذكره. ولكن، أن تنفرد مؤسسة إعلامية، كپ"الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السورية"المملوكة للدولة،"بتفريخ"مذيعين، يشار اليهم بالبنان، لپ"جودة"أدائهم، وپ"بهاء"طلتهم على الشاشة، وپ"حرفيتهم"المشهودة، وثقافتهم العالية، فهذا ما يُسجَّل للتلفزيون السوري، منذ انطلاقته في 23 تموز يوليو 1960 وحتى الساعة. والأمثلة على ذلك أكثر من ان تحصى، إذ يبقى هؤلاء المذيعون"خالدين"على رأس عملهم، إلى درجة يتحوَّلون فيها إلى جزء من ديكور الأستوديو، ولا يتزحزحون عن الشاشة، إلا إلى التقاعد، ضاربين أنصع وأروع الأمثلة في التفاني والإخلاص في العمل، عبر الالتزام الصارم بحزمة القوانين والأنظمة المرعية المتَّبعة في العمل الإعلامي السوري. ثمة مذيع تلفزيوني سوري، تعرَّف المُشاهد السوري اليه، عبر برنامجه"الشرطة في خدمة الشعب"، وهو برنامج يستضيف فيه"المجرمين والقتلة واللصوص"، ويحاورهم حول بداياتهم في عالم الإجرام. كما يستضيف"مذيعنا"الفاضل ضباطاً ورجال أمن، كي يقصُّوا علينا حكاية إلقائهم القبض على هؤلاء المجرمين. وبعد فترة، اكتشف المُشاهد السوري، إن مواهب هذا المذيع يضيق بها البرنامج المذكور، إذ صار، يستضيف رموز الدراما السورية من مخرجين وكتَّاب وممثلين، في صباحات عيد الفطر أو عيد الأضحى، ويحاورهم بمهارته المعهودة في برنامجه الأول، حول شؤون وشجون الدراما السورية. ثمَّ تكررت إطلالات مذيعنا الفاضل، لنجده خطيباًَ في المهرجانات السياسية، أثناء الاحتفال بالأعياد القومية والوطنية، وما أكثرها في سورية، وكيف يعتلي المنبر، ويلقي القصائد العصماء، مقدِّماً برنامج الاحتفال، ببراعة وإتقان. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، إنما وجد المُشاهد السوري حضرة المذيع أيضاً في المساجد الدمشقية، مقِّدماً الاحتفالات الدينية، في عيدي الفطر والأضحى المباركين، أو في ليلتي القدر والإسراء والمعراج... الخ. ومن يعلم، ربما يجد المُشاهد السوري، المذيع نفسه يلاحقه حتى في البرامج الرياضية أو البرامج النسائية؟ مذيع آخر، يقدم برنامجاً أسبوعياً، يستضيف أطباء أو متخصصِّين في العلوم العلية أو طب الاعشاب، أو خبراء في مجالات أخرى. مشكلة هذا المذيع"الوحيدة"أنه يتحدث أضعاف ضيوفه، إذ انه يطرح الأسئلة، ويتكفَّل هو بالإجابة عنها، بدلاً من الضيف، في عملية معكوسة، توحي وكأن الضيف هو السائل، وأن المذيع هو المُسائل... ومذيعة تقرأ خبراً عادياً في سياق نشرة الإخبار وكأنها تلقي"البيان رقم واحد"، ومذيعات، يحاولن بشتى الوسائل، تقمُّص زميلاتهن اللبنانيات، إلى درجة إدراج بعض المفردات المعروفة في اللهجة اللبنانية ضمن لهجتهن الشامية، فضلاً عن ارتدائهن ألبسة على الطريقة اللبنانية... ومذيع آخر، وأثناء تقديمه نشرة الأخبار، وفي شكل مفاجئ، من دون علم الإدارة، وخارجاً عن سياق النص، يوجه"نداء استغاثة"للرئيس السوري، طالباً مقابلته، كي يحدِّثه عن"هموم"المذيع السوري، وحدث ولا حرج... قد يعزو بعضهم، ترهُّل الأداء الإعلامي للمذيع السوري، الى طبيعة المؤسسة الإعلامية التابعة للدولة، وما يتحتَّم عليها من قوانين وضوابط، تتحكَّم في طبيعة البرامج المؤدلجة التي تقدمها، وحجم الرقابة الصارمة عليها. وقد يعزو المعنيون بهذه المؤسسة، نقاط الضعف الآنفة الذكر، الى عدم توافر الكفاءات المحترفة. من هنا، لا يبقى خيار أمام المشاهد السوري، إلا أن ينام"نومة أهل الكهف"، ربما يستيقظ يوماً على مذيعين مختلفين عمَّا يعجُّ به البث التلفزيوني السوري حالياً.