الأسطوانة التي تتكرر، ما أن يطاول الحديث الدراما العربية، لن يكون لها أثر في المستقبل. فلا حديث عن منافسة شرسة بين المسلسلات المصرية والمسلسلات السورية مستقبلاً. ولا خوف من"مؤامرة"مصرية على الدراما السورية. أو إغراق الساحة الفنية المصرية بالنجوم السوريين. ذلك أن الحلبة الدرامية ستهجر لاعبيها القدامى وتستعيض عنهم بلاعبين أكثر استجابة لمسألة العرض والطلب، ما يساهم في إعلاء شأن دراما لا بد من أن يحسب لها ألف حساب: الدراما الخليجية. هذا، ما يعد به سلوك القنوات التلفزيونية بالاتجاه أكثر فأكثر نحو السوق الخليجية. وهو ما تشير إليه الدراسات، ومنها ما صدر أخيراً عن الشركة الاستشارية"بوز ألن هاملتون"التي رسمت صورة وافية لمستقبل التلفزيون في العالم العربي، وبينت أن المؤسسات التلفزيونية تسعى في شكل كبير الى تقديم المسلسلات التلفزيونية المعدة بوجه خاص للأسواق الخليجية، خصوصاً المملكة العربية السعودية، نظراً الى حجم الإنفاق الكبير نسبياً على الإعلان التلفزيوني هناك. وربما يفسر هذا الاتجاه تنامي الدراما الخليجية باضطراد في السنوات الأخيرة تلبية لاحتياجات المشاهد الذي تستهدفه الفضائيات. فإذا كانت تسع مجموعات إعلامية فقط تشغل 28 قناة - بحسب الدراسة ذاتها- تستحوذ على أكثر من 80 في المئة من الإنفاق على الإعلان التلفزيوني، وإذا كانت السوق الخليجية السوق الأولى والأهم لهذه الفضائيات، لا يعود مستغرباً الاتجاه نحو الدراما الخليجية. وبالتالي الابتعاد عن الدراما المصرية التي تستحوذ اليوم حصة الأسد في إنتاج المسلسلات التلفزيونية 65 في المئة من مجموع الإنتاج العربي أو المسلسلات السورية التي جذبت الجمهور إليها من خلال مسلسلات ملحمية تاريخية. كما لا يعود مستغرباً اعتبار المسلسلات المنتجة في الكويت- والتي لا تتعدى اثنين في المئة من مجموع الإنتاج العربي- الأكثر شعبية في دول الخليج العربي. إذاً، المشهد الدرامي لن يبقى على حاله في السنوات المقبلة. لاعب جديد سيطيح من سبقه ويقلب المعادلة 180 درجة. وبكلمات أدق: الدراما المصرية الخائفة على نفسها من الدراما السورية، سرعان ما ستجد نفسها خارج دائرة المنافسة على الفضائيات. ومثلها الدراما السورية التي تشهد حالياً صعوداً ونزولاً، لن تتمكن من غزو الشاشات. وحدها المسلسلات الخليجية ستتربع على عرش الشاشة الصغيرة، لتكون اللاعب الآحادي في حلبة الدراما. هل يعني هذا انقراض المسلسلات المصرية والسورية في المستقبل؟ بالطبع لا. ولكن، يمكن تشبيه مصيرهما بما آلت إليه أحوال الدراما اللبنانية. فهي بعدما كانت السباقة في العالم العربي لا تجد لها اليوم منفذاً للخارج. من هنا نراها تراوح مكانها، مكتفية بعروض محلية على القنوات الأرضية. وهكذا سيكون حال الدراما المصرية والسورية، مع فارق بسيط. فإذا كانت آفاق الفضائيات المسدودة تخنق الدراما اللبنانية، فإن السوق الداخلية في مصر قادرة على تأمين الاكتفاء الذاتي. ويصح الأمر ذاته في سورية، إذا أخذنا بالاعتبار دعم الدولة للدراما الذي تحقق الموسم الماضي حين اشترت الحكومة كل المسلسلات السورية بعد الحديث عن مقاطعة الخارج لها. إذاً المستقبل على الفضائيات للدراما الخليجية، ولن يفيد المسلسلات المصرية والسورية طلب النجدة.