لا شك في أن الإعلام المرئي الذكي، هو الذي يحترم عقل المشاهد، ويحرص على البعد العقلي المعرفي والجمالي، من خلال شغله على نسج ثقة بينه وبين المشاهد. ثقة قائمة على التركيز على مسألة في غاية البساطة والوضوح، مسألة التعامل مع المشاهد، كإنسان صاحب عقل ووجهة نظر وذائقة بصرية وحرية اختيار، وبدرجة لا تقل أهمية، كمتفرج يريد ان يستمتع بما يشاهد. هذا الكلام ينطبق على إعلام الدول والحكومات، المتشدد في الدفاع عن سياسة أنظمته، كما على الإعلام المستقل أيضاً، والمتمثل بالفضائيات الخاصة. وفي الأحوال كافة، تبقى الثقة بين المشاهد والشاشة السبب الرئيس لنجاح الإعلام في تحقيق حضور فعال. من يتابع ما تبثه الفضائية السورية، من برامج سياسية متنوعة، تختلف في المسمى، وتتفق في الجوهر والخطاب، سيُصاب بالدهشة، وهو يشعر بالاستخفاف المبالغ بعقل المشاهد، وذائقته الجمالية. ونخص بالحديث هنا برامج مثل"الحدث"و"نوافذ"، وتحديداً عن"نوافذ"الذي يعرض يومياً على الفضائية السورية، لساعة ونصف الساعة، أي ما يعادل خمسة وأربعين ساعة شهرياً! المفترض أن"نوافذ"برنامج حواري، تُضاء أفكاره عبر لغة متباينة بين متحاورين، ويتناوب على تقديمه عدد من المذيعين والمذيعات. وعلى رغم أن هذا البرنامج يستضيف معلقين سياسيين، سوريين وعرباً، ويطرح في كل حلقة موضوعاً مختلفاً، فانه يكرر"تيمات"أساسية -لم تخل حلقة منها تقريباً- على لسان المقدمين المحاورين المفترضين، الساعين لخطاب مختلف مفترض! اللهم إلا إذا كان الاختلاف يعني اللعب على المفردات اللغوية، وتمرير الدقائق التسعين التي يتطلبها زمن الحلقة، وإظهار قدرة المقدم والضيف، على حفظ الدرس السابق جيداً. تبدأ الحلقة بسؤال من المقدم او المقدمة، وعندما يرد الضيف على السؤال، يكون الجواب دائماً تأكيداً لصيغة السؤال. يكرر المقدم ما ذكره الضيف، وبعد أن تمر دقائق في تكرار الكلام، يتصل مشارك من الجمهور الافتراضي، ويؤكد -يا للصدفة المتكررة- الكلام ذاته الذي يردده الضيف والمقدم، وهنا يعيد كل منهما ما قاله. الحديث ذاته أيضاً، يمكن ان نقوله عن الشكل الذي تقدم فيه الموضوعات، فمن يريد أن يقدم نفسه بطريقة تجعله مقنعاً للمشاهد، عليه أن يطور بعضاً من أدواته الفنية، التقنية والفكرية، عبر تقديم اطروحات معاصرة تنتمي الى الواقع المعاش من جهة، وتتيح المجال، لتسريب هامش من الاختلاف، من جهة أخرى، ليبدو للمشاهد تباين مستويات الكلام. وإذا كان أصحاب هذا البرنامج، يريدون إقناع المشاهد بأفكارهم، عليهم أن يعمدوا إلى إدخال بعض من روح الحياة الحقيقة، التي تجعل المشاهد يقتنع بأن هذه الشاشة لا تضحك على عقله، ولا تستهزئ بمشاعره، ولا تفعل ذلك من أجل الترويج لنفسها فقط، وإن فعلت، فأضعف الإيمان أن يكون ترويجاً ذكياً احترافياً. فبرنامج مثل"نوافذ"يأتي بنتيجة مغايرة، لما يريده الساسة، لأن التكرار اليومي، وحرية اختيار فضائيات أخرى، فرضتها تكنولوجيا البث التلفزيوني العالمي، تجعل المتفرج يقتنع بأن هذا البرنامج، هو أقرب إلى ان يكون من نوع العمل المسبق الصنع، منه إلى الحوار.