دفعت الأوضاع الأمنية الصعبة في بغداد، خصوصاً عمليات القتل والخطف والسرقة أبناء طائفة الصابئة المندائيين الذين يمتهنون الصياغة الى المغادرة باتجاه كردستان باعتبارها ملاذا آمنا. وتعرض الصابئة، وهم من اقدم طوائف العراق، الى تهديدات واعمال ابتزاز ففضل عدد منهم التخلي عن مصالحهم في بغداد بحثاً عن مكان آخر لممارسة مهنتهم والحفاظ على وجودهم. واستقرت 44 عائلة في"عاصمة"الاقليم اربيل و12 أخرى في السليمانية. ووصل سعدي ثجيل الرئيس السابق لمجلس شؤون الطائفة مع عائلته ومجموعة من الشبان العاملين معه الى اربيل حيث فتح مشغلا لصياغة الذهب بغية استمرار مهنته التي ورثها من ابائه وأجداده. ويقول ثجيل:"لم نتعرض لتهديدات مباشرة من أحد لأننا طائفة مسالمة لكن شظايا الإرهاب استهدفتنا وكذلك العصابات كوننا طائفة مسالمة وصغيرة وليس هناك من يساندنا". ويضيف ان"غالبية ابناء الطائفة هاجروا الى اوروبا او سورية او الاردن". ويتابع هناك"علاقات تاريخية بين الصابئة والاكراد وكنا دائما نؤيد حقهم في اقامة حكم ذاتي او الاستقلال للعيش بسلام". ويشير ثجيل الى"لقاءات"بين رئيس طائفتهم عبدالستار حلو ورئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في بغداد مهدت لانتقال هذه العائلات الى اربيل والسليمانية و"وعدتنا حكومة الاقليم بتقديم التسهيلات". ويرى ان الصابئي، ويطلق عليه في العراق"الصبي"بضم الصاد وتشديد الباء، لا يستطيع ترك مهنته، معرباً عن اعتقاده ان كردستان هي"المكان الأنسب لممارستها مع ابناء طائفته". ويتابع ان"كردستان تستهلك وتستورد الذهب فلو شجعت الحكومة الصاغة الصابئيين الذين لديهم تاريخ في هذا المجال فنستطيع ان نجلب الورشات والمعامل المتطورة من أجل زيادة الانتاج وجعل المنطقة مصنعة للذهب وليس مستهلكة". ويضيف ثجيل الذي يحتفظ بنسخة من كتابهم المقدس"كنزا ربا"او"الكنز الكبير"مدون بالعربية أنهم يريدون"الحفاظ على طقوسهم الدينية"وينتظرون وصول رجل دين لممارستها"كما نتوقع ان تخصص لنا حكومة الاقليم قطعة ارض نتخذها مقبرة. اننا نقيم طقوسنا داخل منازلنا حالياً بانتظار رجل الدين". ويتشابه رجل الدين مع الصورة النمطية ليوحنا المعمدان بلحيته البيضاء الغزيرة وردائه القطني الناصع البياض. ويشير ثجيل الى العلاقة الحميمة بين الطائفة والماء"وكما يقولون فإن الضرورات تبيح المحظورات فاربيل بعيدة عن الانهر والمياه الجارية فاين وجد الماء وجد الصابئة لكن الوضع الجديد يتضمن اجتهادات ولا يشترط ان نكون قرب المياه الجارية". ويضيف"نعتقد بأن منطقتي اسكي كلك شرق اربيل على نهر الزاب الكبير والتون كوبري جنوب اربيل على نهر الزاب الصغير افضل الاماكن لممارسة طقوسنا الدينية". وديانة الصابئة مزيج من المعتقدات البابلية والمسيحية والفارسية واحدى الفترات الاكثر قداسة في جدولها الزمني"الايام الخمسة البيضاء". ويكن الصابئة احتراماً كبيراً ليوحنا المعمدان الذي عمد السيد المسيح في مياه نهر الاردن وغادروا القدس في القرن الثاني ميلادي باتجاه بلاد ما بين النهرين هربا من اضطهاد اليهود المتشددين لهم. يشار الى ان عدد اتباع الطائفة في العراق بلغ اكثر من 65 الفا ابان السبعينات والثمانينات غالبيتهم في منطقة الاهوار في الجنوبوبغداد لكنه تراجع بسبب اعمال العنف والخطف ولم يبق منهم سوى 22 الفا حسب تقديرات منظمات غير حكومية. والوضع الجديد لشبان هذه الطائفة في كردستان يناقض ما حرموا منه في بغداد بسبب سوء الاوضاع الامنية وعدم التنقل بحرية خشية تعرضهم للخطف او السرقة. ويقول سام سعد 20 عاما ان"الامن والاستقرار في اربيل انقذني من مآسي بغداد ... حيث الاوضاع صعبة جدا فلم نكن نستطيع الخروج من المنزل خوفا من تعرضنا لعمليات السرقة التي كانت تستهدفنا كوننا نعمل في الصياغة". ويوضح"نستطيع التجول بكل حرية والسهر بعد العمل حتى منتصف الليل في اربيل". اما حليم كامل 27 عاما الذي كان معاوناً طبياً في احد مستشفيات بغداد فيقول"تخليت عن المستشفى وجئت الى كردستان حيث أمارس مهنة الصياغة واتمتع بالامن والاستقرار".