"أتمنى أن يكون فيلمي ملهماً للقادة السياسيين كي يوقفوا الصراع في الشرق الأوسط"، هذا كان تعليق المخرج الإسرائيلي جوزيف سيدار بعد تسلمه جائزة الدب الفضي كأفضل مخرج عن فيلمه"بوفور"، ضمن نشاطات مهرجان برلين السينمائي الدولي السابع والخمسين. وهو أول فيلم اسرائيلي يظهر خوف الجنود ورعبهم من الحرب، من خلال اختياره رواية الأيام الأخيرة قبل انسحاب اسرائيل من جنوبلبنان عام 2000، وتحديداً في موقع"بوفور"قلعة الشقيف الذي احتلته اسرائيل عام 1982. الفيلم لا يظهر أي شخصية عربية، ولا يشير الى مصدر القنابل، ولا يحاول أن يطرح وجهات نظر سياسية، بل قدم وجهة نظر تقول إنه لا جدوى من موت أي جندي اسرائيلي. في عبارة جاءت على لسان أحد أبطال الفيلم. كما أن الفيلم أيضاً يوضح التخبط والعشوائية في قرارات القيادة العسكرية، ويكسر في شكل كامل"اسرائيلياً"حقيقة قوة الجيش الاسرائيلي. أحد الجنود الذي يحرس الموقع الخارجي للثكنة، لا ينتبه الى قدوم صاروخ لأنه كان يغني ويلهو مع أصدقائه الجنود على اللاسلكي. المفارقة أن لجنة تحكيم مهرجان برلين هذه السنة، تضم بين أعضائها الفلسطينية هيام عباس، وهي كاتبة ومخرجة وممثلة ظهرت السنة الماضية في فيلمي"الجنة الآن"الفلسطيني، و"ميونيخ"الأميركي. ومعها في اللجنة المخرج والسيناريست الأميركي بول شرادر رئيساً، المعروف بفيلمه"الجيغولو الأميركي"1979، وكتابته أيضاً سيناريو أحد الأفلام البارزة في تاريخ السينما الأميركية"سائق التاكسي"لروبرت دي نيرو، الممثل الألماني المخضرم ماريو أدورف وهو أحد مشاهير السينما الألمانية، الممثل المكسيكي يائل غارسيا برنال الذي شارك في أفلام"مذكرات سائق الدراجة"عن تشي غيفارا، و"تعليم سيئ"للمخرج الأسباني بيدرو المودوفار، وشارك في مهرجان برلين العام الماضي بفيلم ضمن المسابقة هو"علم النوم"، كما شارك أخيراً في الفيلم الأميركي"بابل"، الممثل الأميركي ويليام دافو الذي اشتهر بدوره في فيلم"بلاتون"للمخرج أوليفر ستون، كما يشتهر تجارياً بشخصيته في الجزء الأول من"الرجل العنكبوت"، المنتجة نانسان شي من هونغ كونغ التي وضعتها مجلة"فارايتي"الأميركية العريقة ضمن قائمة أكثر 50 صانع سينما مؤثراً في العالم. وأخيراً العضو السابع المونتيرة الألمانية مولي مالين ستنسجارد التي قامت بمونتاج معظم أعمال المخرج الدنماركي لارس فون تريير. لم يكن هناك أي وجود سينمائي عربي هذا العام سواء كأفلام أم شركات، بعد أن شارك في العام الماضي فيلم"عمارة يعقوبيان"ضمن قسم بانوراما. هذا الاختفاء امتد الى وسائل الإعلام العربية ذاتها فلم يوجد سوى عدد محدود من الصحافيين العرب يعدون على أصابع اليدين. حتى القنوات التلفزيونية، لم يوجد منها سوى قناة"الجزيرة"ولمرة واحدة فقط وذلك عند عرض الفيلم الاسرائيلي"بوفور". علاقة ما... في المقابل كانت المشاركة الإسرائيلية فعالة هذا العام، من خلال خمسة أفلام في أقسام مختلفة، فإضافة الى فيلم المسابقة الرسمية"بوفور"، هناك"فقاعة"الذي عرض ضمن قسم بانوراما، ويعد أيضاً أول فيلم اسرائيلي يصور علاقة مثلية بين فلسطيني واسرائيلي، مع وجود خلفية سياسية طوال أحداث الفيلم تهاجم السياسة الاسرائيلية، وتحاول ايصال رغبة جيل الشباب في اسرائيل بفرض السلام. بطل الفيلم هو يوسف سويد، فلسطيني من عرب اسرائيل، وعلق على سؤال حول ردة فعل عائلته على دوره في الفيلم:"طالما أنني أعمل وأجمع المال، فإن عائلتي ليس لديها مشكلة حقيقية، بخاصة أنني لست مثلياً كما سيظن الكثيرون". وبدا واضحاً من موجة الأفلام الاسرائيلية في العامين الأخيرين، أنها تطرح وجهة نظر تريد حلاً للصراع الدموي الدائم. ففي الاسبوع الماضي عرض فيلمان قصيران ضمن مهرجان كليرمون - فيران الفرنسي للأفلام القصيرة، يهاجمان صراحة السياسة الاسرائيلية. وفي مهرجان برلين عرض الفيلم الثالث و"حل حلو"في قسم"جيل"، ويصور اسرائيل في السبعينات من القرن الماضي ضمن مستوطنة كيبوتز تضع قواعد صعبة للحفاظ على الاسرائيليين وأولادهم، بما يؤدي الى انتحار أحدهم وجنون زوجته. ويظهر الفيلم بعض الشخصيات الاسرائيلية في شكل منفر تماماً، رجلاً يستمني بواسطة معزة، وصولاً الى الأسلوب البارد في التعامل في ما بينهم. ضمن القسم نفسه عرض فيلمان آخران أحدهما طويل هو"حب ورقص"والثاني قصير هو"تخييم". فلسطيني - أميركي وعلى رغم أن الفيلم الفلسطيني"اتمني"عرض ضمن مهرجان كليرمون - فيران على أنه فلسطيني الجنسية - حصل هناك على تنويه خاص من لجنة التحكيم الدولية - إلا أن كتالوغ مهرجان برلين الذي عرضه أيضاً ضمن قسم"جيل"، يشير الى أنه انتاج أميركي، باعتبار أن جنسية الشركة المنتجة أميركية. مهرجان برلين هذا العام كان الأضخم في تاريخه، سواء لعدد الأفلام 375 فيلماً ضمن العروض الرسمية أم في حجم السوق 718 فيلماً عرضت ضمن السوق في حضور 850 مشترياً و259 شركة من 46 دولة في 115 جناحاً، وشهدت فترة انعقاد المهرجان صفقات كثيرة جداً جعلته يساوي مهرجان"كان"وفق ما كتب عدد من الخبراء. حتى الرعاة الرئيسيون للمهرجان وصل عددهم الى أربعة هذا العام، لأول مرة في تاريخ المهرجان، بعدما كانوا 3 رعاة فقط. ولوحظ هذا العام، أن تواجد المثليين جنسياً في الافلام، سواء كحبكة رئيسية أم كشخصيات، كان أكثر من الماضي. بخاصة أن هناك جوائز على هامش المهرجان توزع على افضل افلام تضمنت علاقات مثلية، وهي جائزة بلغت عامها الحادي والعشرين. وبلغ عدد الافلام هذه نحو 40 فيلماً من أفلام المهرجان، أي ما يشكل 10 في المئة من اجمالي الأفلام المعروضة. وعرض المهرجان فيلمين دعائيين مدة كل منهما دقيقة واحدة، هدفهما محاربة رهاب المثلية في المجتمع الغربي. إذاً انتهى مهرجان برلين في دورته الأضخم مع أكبر عدد من الأفلام في 8 اقسام مختلفة، وبتكلفة وصلت الى 17 مليون يورو، و1350 موظفاً عملوا طوال فترة المهرجان، مع 18 ألف سينمائي و4000 إعلامي مدة 10 أيام من 127 دولة، وعدد كبير من النجوم مثل شارون ستون، جينيفر لوبيز، انطونيو بانديراس، لورين باكال، خوليو جافيز، ايمانويل بيار، جودي دنش، روبرت دي نيرو، مات دامون، كلينت ايستوود وكيت بلانشيت. وحقق المهرجان رقماً قياسياً في عدد التذاكر المباعة وصل الى 200 ألف تذكرة. وشهد المهرجان العرض العالمي الأول للفيلم الأميركي"300"الذي يروي قصة الاسبارطيين الذين حاربوا حتى الموت، بواسطة مؤثرات بصرية مبهرة جعلت من الفيلم صفحات كوميكس ناطقة، لكن الفيلم لم يعجب الصحافيين فنياً، بسبب ضعف السيناريو وسطحيته. كما عرض في المسابقة الرسمية الفيلم الصيني"ضائع في بيجينغ"الذي عرض بنسخته الكاملة، بعد أن تعرض لكثير من الحذف على يد الرقابة الصينية لوجود مشاهد جنسية كثيرة اضافة الى إظهار صورة سلبية عن الصين. وعلى رغم ضخامة هذا المهرجان، لم يحقق فيلما الافتتاح والاختتام، رضا النقاد والصحافيين."الحياة باللون الوردي"الفرنسي الذي يروي قصة حياة المغنية الفرنسية إديث بياف حاز تقويمات ضعيفة جداً، بينما اعتبر فيلم الاختتام"انجل"البريطاني عادياً لا جديد فيه. أخيراً تميز المهرجان باقسام متميزة بخاصة قسم الافلام الصامتة، والتي كانت تعرض بمصاحبة عازفين وفي حضور جماهيري كامل العدد. كما تم عرض 9 أفلام من مجموعة أفلام المخرج الياباني المخضرم أوكاموتو كيهاتشي في قسم"المنتدى". 55 جائزة برلينية ... الى جانب الجوائز الرئيسية التي يقدمها مهرجان برلين، هناك عشرات الجوائز المستقلة التي تقدمها مؤسسات وهيئات مختلفة. جوائز المسابقة الرسمية هذه السنة لم تكن مفاجئة كثيراً، في ظل ضعف مستوى أفلام المسابقة عموماً كما علق معظم النقاد الذين حضروا المهرجان - فيلم"عندما يقع الانسان في الغابة"لشارون ستون حاز تقويماً رديئاً من كثير من النقاد. الفيلم الصيني"زواج تايا"للمخرج وانغ كواناآن، الذي حاز الدب الذهبي أفضل فيلم لم يكن خيبة أمل للنقاد، بقدر ما كان الفيلم الارجنتيني"الآخر"الذي حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة الدب الفضي وعلى أفضل ممثل لبطله خوان ديسوزا. بخاصة ان الفيلم موله جزئياً صندوق دعم السينما العالمي الذي أنشئ من خلال مهرجان برلين. يذكر ان الصين حصلت على الدب الذهبي 3 مرات في السنوات العشرين الاخيرة، الاولى كانت عن"سورجوم أحمر"عام 1988، والثانية كانت عن فيلم"نساء من بحيرة الأرواح المعطرة"عام 1993، والتي كانت مناصفة مع الفيلم الاميركي"مأدبة العرس"للمخرج التايواني أنغ لي. جائزة افضل ممثلة حصلت عليها الألمانية نينا هوس عن فيلم"ييلا"، وحصل الفيلم الاميركي"الراعي الطيب"من اخراج روبرت دي نيرو على جائزة أفضل مجموعة تمثيل. وأفضل استخدام للموسيقى ذهبت لمخرج الفيلم البريطاني"هالوم فو"ديفيد ماكينزي. وبذلك حصدت 7 أفلام من اصل 22 فيلماً جوائز المسابقة الرسمية. ديتير كوسليك في عامه السادس كمدير للمهرجان، علق في حفلة الختام، على استغراب الصحافة مشاركة فيلم رديء مثل"مدينة حدودية"لجنيفر لوبيز وأنطونيو بانديراس في المسابقة الرسمية، قائلاً:"هناك 400 امرأة اغتصبت وقتلت على حدود المكسيك ولم يهتم بذلك احد. لو ان لوبيز وبانديراس وقفا امام الكاميرا فقط ولم يفعلا شيئاً كنت سأعرض الفيلم ايضاً، كي تصل هذه القضية للعالم اجمع". اللافت ان مسابقة الافلام القصيرة لم تحو سوى 16 فيلماً ليست كلها في المستوى المطلوب، بخاصة مع نوعية متاحة بشكل اكبر من الافلام الطويلة. لجنة التحكيم تكونت من 3 اعضاء هم: بيس أنيام - فيبريسيما من نيجيريا محامية ومنتجة ومؤلفة، رينا سيلدوس من أستونيا منتجة، ونينغ يانغ من الصين مخرجة. حصل على الدب الذهبي الفيلم الهولندي"اتصال"، وذهب الدب الفضي"مناصفة"للفيلم الفرنسي"ارفع السماعة"والتايواني"مي". المسابقة الرسمية الثالثة هي مسابقة العمل الاول ومنحتها لجنة تحكيم مؤلفة من 3 اعضاء هم: نيكي كريمي من ايران ممثلة ومخرجة، جودي كونيهان من بريطانيا منتجة، غيرهارد ميكسنر من ألمانيا منتج. ذهبت للفيلم الهندي"فاناجا"للمخرج راجنيش دومالبالي. وكرم المهرجان هذه السنة المخرج الاميركي آرثر بن 95 سنة عن مجمل أعماله، وهو مخرج قدم أفلاماً تعد من اهم الافلام الاميركية اشهرها"بوني وكلايد"عام 1967 لوران بيتي وفاي داناواي. وعرض المهرجان عدداً من افلامه للجمهور. عالم المال ينتقل الى برلين للمرة الأولى في برلين، تتواجد اهم ثلاث مجلات اقتصادية سينمائية من خلال أعداد يومية خاصة بالمهرجان. المجلات هي"فارييتي"الاميركية التي أتمت سنتها المئة السنة الماضية،"سكرين انترناشيونال"البريطانية، وپ"هوليوود ريبورتر"الاميركية. تواجد المجلات الثلاث نابع من قوة حجم السوق والاعلانات في الافلام، اذ كانت تصل عدد صفحات الاعداد اليومية الى اكثر من 40 صفحة. وكل منها يطبع متوسط 5 آلاف نسخة يومياً توزع مجاناً على ضيوف المهرجان. "سكرين انترناشيونال"هي الاقدم تواجداً في المهرجان، فهذه هي سنتها السادسة. ويعمل على هذا الاصدار 20 شخصاً ضمن فترة عقد المهرجان صدر 8 أعداد. ويعد مهرجان برلين، خامس مهرجان سينمائي لهذه المجلة كأعداد يومية مع مهرجانات: كان، هونغ كونغ، تورنتو وسوق الافلام الاميركية. مايكل غوبنز مسؤول الاصدار اليومي لا يعتبر ان وجود مجلات اخرى اثر سلباً في حجم الاعلانات:"لقد تضاعف حجم الاعلانات مقارنة بالسنة الماضية". وعن تأخر"فارييتي"عن التواجد في مهرجان برلين، فهذه هي سنتها الثانية فقط، علقت اليزابيث غودير مسؤولة الاصدار اليومي:"هناك اصدار يومي اصلاً لمجلة"فارييتي"في أميركا، ولذلك كنا نعتمد عليه. لكن كبر حجم برلين مع الوقت ادى الى تواجد مستقل مع 20 شخصاً يعملون في هذا الاصدار اليومي لعشرة ايام"."فارييتي"تصدر اعداداً يومية ايضاً ضمن مهرجان كان وبوسن في كوريا الجنوبية. مجلة"هوليوود ريبورتر"تتواجد للمرة الاولى وبعدد موظفين اقل ثمانية، ويعتبر مسؤول التحرير فيها ديفيد مورغان ان"حجم برلين حالياً يجبرنا على التواجد الفاعل". المجلة تصدر اعداداً يومية لمهرجان كان السينمائي ايضاً. ومن الملاحظ ان مهرجان برلين لا يصدر أي نشرات او مجلات يومية، فقط كتالوغات الافلام، ودليلاً مكثفاً للافلام المعروضة. ويعتمد على موقع الانترنت الخاص به لايصال أي اخبار او عروش او صور.