في خضم الأزمة التركية الحالية مع حزب العمال الكردستاني واقليم كردستان العراق، كان "الهدوء" و"ضبط النفس" عنوان الأيام القليلة الماضية. جاء ذلك بعد تصعيد تركي كبير، على المستويين الحكومي والشعبي، اللذين تماهيا في مشهد واحد بشكل مدهش. فالحكومة تنبَّهت لردَّة فعل الشارع الذي استنهضته المعارضة داعيةً الشعب التركي للنفير العام، وإظهار دعمه لعملية عسكرية يقوم بها الجيش خارج الحدود. وجاءت هذه الدعوة متزامنة مع دعوة أخرى أطلقها الجنرال يشار بويوكانيت رئيس هيئة أركان الجيش، شملت محاربة"كل المتعاطفين مع الإرهاب والمدافعين عنه خفية". وهذه الإشارة، كانت كافية لأن ينطلق مئات الأتراك الغاضبين باتجاه فروع وممثليات حزب المجتمع الديموقراطي DTP، في المدن التركية، لتحطيمها واضرام النيران فيها. وكانت انقرة تشهد تصريحات شبه يومية يطلقها معارضو حكومة حزب العدالة والتنمية، تتهمها، ورئيسها رجب طيب اردوغان، ب"الضعف والتردد في محاربة الإرهاب الذي يقتل شباب الوطن كل يوم". ولم يجد أردوغان بدَّاً من الدخول في اللعبة، بل حتى المزايدة على الجميع في التشدد حيال العمال الكردستاني و"حاضنته"إقليم كردستان العراق!. فعمل على إصدار قرار من مجلس النواب، يُجيز فيه التوغُّل العسكري خارج الحدود، وصعّد من تصريحاته ضدَّ نوَّاب وقياديي حزب المجتمع الديموقراطي، كما منع محامي الزعيم الكردي عبد الله اوجلان من لقائه لأربعة أسابيع متواصلة. وبعد أن أطلق الكثير من التهديدات التي طالت القيادات الكردية في كردستان العراق، أوعز لوسائل الإعلام بمنع بث أي شيء يخصُّ الجنود الثمانية، الذين أسرهم الكردستاني، وبثت فضائية"ROJ TV"صورهم، واعترافاتهم و"تنديدهم"بالحرب. ثم شارك بفعالية في اجتماع مجلس الأمن القومي التركي، واتفق مع الجيش والرئاسة على التصعيد. بعد ذلك، طار أردوغان إلى الولاياتالمتحدة فيما صرَّح بويوكانيت بأنهم ينتظرون عودته للمباشرة في العملية العسكرية الكبيرة. وكانت الحكومة التركية قد حصلت على تعهُّد من العراقيين بتعقُّب أنشطة العمال الكردستاني على الأراضي العراقية. وجاءت تصريحات بوش، خلال لقائه بأردوغان، والتي اعتبر فيها الكردستاني"عدواً للولايات المتحدة، الى جانب تركياوالعراق"، لتعزز من الحسابات الأردوغانية، رغم أن الكثير من المعلقين الأتراك، اعتبروا كلام بوش، مجرَّد تطييب خواطر، كون واشنطن كانت قد قالت نفس الكلام بخصوص منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة. ولم تكد تمضي عشرة أيام على زيارته لواشنطن، صرَّح أردوغان بأنه"لاتوجد نيَّة للقيام بعملية عسكرية خارج الحدود". فرغم العملية الصغيرة، يبقى أن أردوغان يعي أن عملية كبيرة كتلك التي كان يجري التهديد بها تعني علوَّ صوت وشأن العسكر مجدداً، وإفراغ النصر الذي حققه في انتخابات تموز. فهل بدأ ذوبان الجليد الصلب في العلاقات التركية - الكردية العراقية مع بدء فصل الشتاء!؟. الأرجح، إن العدالة والتنمية سيتمسك برفضه الحوار مع العمال الكردستاني، أو حتى إقامة علاقات طبيعية مع حكومة كردستان العراق، في المدى القريب. وهذا نابع من نظرة الحزب وأجندته، قبل أن يكون خشية من ردود أفعال العسكر. ويبدو أن ما فعله العدالة والتنمية، كان بمثابة"ترحيل"للأزمة، والتفاف على المعارضة، لامتصاص مزايداتها القوموية. وسيعمل العدالة والتنمية للحد من قوَّة العمال الكردستاني ونفوذ الكرد العراقيين لدى واشنطن. لكن تركيا تخاف من تآكل دورها في المنطقة وفقدانها صفة"الحليف الإستراتيجي"لواشنطن. وفي ظل هذه الظروف، وتطورات الملفَّين العراقي والإيراني، وجود حزب الحياة الحرة الكردستاني PJAK، المقرَّب من العمال الكردستاني، على رأس المعارضة الإيرانية المسلحة، لا تملك انقرة سوى إعادة بناء علاقاتها مع واشنطن، مع الإذعان لبعض مطاليبها في المنطقة. * كاتب وصحافي كردي مقيم في ألمانيا.