"لا يمكن إخراج حزب، بطرق غير ديموقراطية من البرلمان، وصل إليه عبر انتخابات ديموقراطية. إن فعلنا ذلك، هذا يعني أننا ندفعهم نحو الجبال". هكذا ردَّ رجب طيب أردوغان على مطالبة حزب الحركة القومية التركية MHP، بطرد حزب المجتمع الديموقراطي DTP من البرلمان التركي، وحظر هذا الحزب. ولم تكد تمضي 12 ساعة على هذا التصريح، حتى ادعى المدَّعي العام التركي، عبدالرحمن ياجينكايا، لدى المحكمة الدستورية العليا في تركيا، على الحزب الكردي DTP، الذي يمثِّله في البرلمان التركي 21 نائباً، متهماً إياه ب"خرق قانون الأحزاب التركية، وتهديد أمن واستقلال البلاد، والدعاية لمنظمة إرهابية..."، في إشارة منه إلى حزب العمال الكردستاني، ذاكراً، إن، ومنذ فترة طويلة، وهم يراقبون عن كثب تحرُّكات وتصريحات قادة ونوَّاب ورؤساء البلديات، التابعين لهذا الحزب، طالباً حظره. واختتم يالجينكايا مذكَّرته بطلب مقاضاة 221 شخصاً منتسبين لهذا الحزب، بينهم، النوَّاب الأكراد ال 21 في البرلمان، ورؤساء 56 بلدية، يسيطر عليها الحزب في جنوب شرقي تركيا، فضلاً عن قياداته البارزة الأخرى، وإبعادهم عن مزاولة النشاط السياسي لخمس سنوات. وغالباً سينظر هاشم كليج، رئيس المحكمة الدستورية، التي تتألف من ثمانية قضاة، في مذكَّرة الإدِّعاء العام التي تعتبر أضخم مذكَّرة في تاريخ حظر الأحزاب السياسية في تركيا، ومن ثم إبلاغ حزب DTP، بضرورة تقديم مذكَّرة الدفاع، التي من المفترض أن تكون جاهزة خلال شهر، من تاريخ التبليغ. حتى قبل الانتخابات النيابية الأخيرة في 22 تموز الماضي، كان تعاطي العدالة والتنمية مع حزب المجتمع الديموقراطي، عدائياً حيناً، وموارباً ودبلوماسياً أحياناً. فالمواقف العدائية، مردُّها الى أن الحزب الكردي هو الخصم الوحيد للعدالة والتنمية في المناطق الكردية، جنوب شرقي البلاد، بالدرجة الأولى، وأنه لا مناص من إبداء الحزم والشدَّة معه، بغية إرضاء العسكر، وامتصاص حنقهم حيال العمال الكردستاني وكل الموالين له، بالدرجة الثانية. أمَّا سبب المواقف المواربة أو المناورة، فلأنَّ هناك قواعد شعبية كردية تساند العدالة والتنمية، بخاصة، بعد التصريحات المرنة لأردوغان في مدنية ديار بكر صيف 2005، حيال ضرورة حل الملف الكردي سلمياً، ومن جهة أخرى، وكنوع من استمالة كتلة الحزب الكردي في البرلمان لتصفية الحساب مع القوى العلمانية، ومحاولة استمالة هذه الكتلة، وإبعادها عن الكردستاني. فرئيس الوزراء التركي أردوغان، وبعد الانتخابات النيابية، زاد من نبرة تهديده للحزب الكردي، وإنْ لم يصفْ العمال الكردستاني ب"المنظمة الإرهابية"، خصوصاً، بعد عدم تصويت نوَّاب الحزب في البرلمان على المذكَّرة، التي تجيز للجيش اجتياح كردستان العراق. وقبيل الانتخابات، صرَّح أردوغان انه:"يمكن التواصل مع DTP، في حال وصل للبرلمان، وحتى يمكن تشكيل حكومة ائتلافية معه". وآخر ما قام به حزب أردوغان بحق DTP، هو استبعاد وزير الخارجية علي باباجان الحزب الكردي من اجتماعه برؤساء الكتل النيابية، بغية إطلاعهم على آخر المستجَّدات، وفحوى زيارة اردوغان الى واشنطن، ومسألة العملية العسكرية المزمع القيام بها في كردستان العراق، ما يعتبر خرقاً سياسياً وقانونياً واضحاً، على اعتبار أن للحزب كتلة نيابيَّة في البرلمان!. ملمح التصعيد التركي بحق DTP قبل، وأثناء، وبعد الانتخابات النيابية التي فاز فيها حزب المجتمع الديموقراطي ب22 مقعداً، 21 + مقعد لأحد الأحزاب التركية الصغيرة المتحالفة معه، كانت الحملة السياسية والإعلامية، والملاحقات القضائية والاعتقالات بحق قيادات وعناصر ومكاتب هذا الحزب قائمة على قدم وساق، وقد تزايدت في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد مؤتمره الطارئ الذي عقد في أنقرة في 8 و9/11/2007، والذي طالب فيه الحزب بحكم ذاتي موسَّع للأكراد في تركيا، فضلاً عن ضرورة اتباع الحل السلمي حيال القضية الكردية. وانهمك الإعلام التركي في شنِّ حملة واسعة النطاق ضدَّ النائبة الكردية عن محافظة"وان"فاطمة كورتلان، ونشر صورة لمقاتلة كردية، ترتدي زيّ مقاتلي العمال الكردستاني، والقول إنها هي كورتلان، وأنها عضو في"الكردستاني"، وإن زوجها قيادي بارز في الحزب المذكور. نفت كورتلان هذه الاتهامات بشدَّة، وفسَّرت وجود زوجها بين صفوف الكردستاني: ب"ببقاء القضية الكردية من دون حل". كما نفى حزب العمال الكردستاني، في بيان له، ما روَّجه الإعلام التركي بهذا الخصوص, ناهيك عن الدعاوى المرفوعة بحق قياديي الحزب، ومنهم عمدة دياربكر، المحامي عثمان بايدمر، المرفوعة بحقه أكثر من 25 دعوى، إضافة إلى حملات الاعتقال التي طالت قياديين آخرين. وبحسب وكالة دجلة للأنباء في تركيا، وهي مقرِّبة من DTP، دعت رئاسة الوزراء التركية، في طلب رسمي من البرلمان، الى رفع الحصانة الدبلوماسية عن كل من النوَّاب الأكراد: عن مدينة روها أورفا إبراهيم بينجي، وعن محافظة ديرسم تونجلي، شرف الدين خالص، وعن محافظة جولميرك هكاري حميد كيلاني. وأجَّلت محكمة الجزاء العليا في دياربكر النظر في الدعوى المرفوعة بحق النائبة الكردية آيسيل توغلوك إلى 25 كانون الثاني يناير المقبل. كما حكمت محكمة تركية بالسجن مدَّة سنتين على القيادي في حزب DTP بدري فرات، بسبب تلفظه بكلمة"السيد"حين ذكره اسم أوجلان. كما طالبت النيابة العامة التركية في دياربكر بسجن رئيس بلدية كايبنار ذوالكفل كاراتكين، وأربعة من العاملين في البلدية، بتهمة"بناء حوض للسباحة، يشبه خريطة كردستان الكبرى". كما طالبت النيابة العامة التركية في أرزنجان بالسجن مدَّة سنتين لرئيس فرع أرزنجان للحزب المذكور، حسين بكتاش اوغلو، لتلفُّظه كلمة"السيد"حين ذكر اسم أوجلان. ورفعت النيابة العامة في ملاطية دعوى جديدة بحق كل من رئيس فرع الحزب في ملاطية نوري كلنج، والمسؤول في الفرع، بهجت تونج بسبب تحدثهما باللغة الكردية في حفل فني أقيم في المدينة. المحكمة الدستورية والأحزاب الكردية تنبَّه أكراد تركيا لضرورة أن يكون الكفاح المسلَّح مصحوباً بحضور سياسي فاعل في الحياة السِّياسيَّة، ضمن المؤسَّسات التُّركيَّة، وبخاصَّة، التَّشريعيَّة. فبادروا الى تأسيس حزب العمل الشَّعبي HEP ، الذي أوصل 20 نائباً إلى البرلمان في انتخابات 1991، عبر التَّحالف مع حزب الشَّعب الدِّيموقراطي الاشتراكي SHP بزعامة رئيس الوزراء الأسبق أردال إينونو. انفضَّ التَّحالف المذكور بين الحزب الكردي وحزب إينونو، وبقي نائبان كرديان معه، واستمر النواب ال 18، في توجِّههم، ومن ضمنهم، ليلى زانا، التي أدَّت القَسَم في أول جلسة للبرلمان التُّركي باللغة الكردية، ما أحدث بلبلة وصدمة كبرى في الأوساط التُّركية، بخاصَّة القومية المتطرفة منها. فحظرت المحكمة الدَّستوريَّة التُّركيَّة الحزب الكردي، بحجَّة"ثبوت لقاء أعضائه بعبدالله أوجلان في دمشق، وأنه امتداد للعمال الكردستاني ويدعو إلى أفكار انفصاليَّة". فبادر النُّواب الأكراد، مع بعض النُّخب السِّياسيَّة والثَّقافيَّة الكرديَّة إلى تأسيس حزب كردي جديد سنة 1993، حمل اسم"حزب العمل الدِّيموقراطي" DEP. لم تتوقَّف الدَّعاوى والملاحقات بحق النوَّاب الأكراد، وزجّ 4 منهم في السِّجون عام 1994 مدة 10 سنوات، بينهم ليلى زانا، فيما فرَّ الباقون إلى خارج تركيا. كما حظرت المحكمة الدَّستوريَّة الحزب الكردي الجديد، بتهمة"أنه امتداد للحزب السَّابق". وفي عام 1995 قام مراد بوزلاك بتأسيس حزب ديموقراطية الشَّعب HADEP، وخاض انتخابات 1995 و1999. لكن السُّلطات والمحاكم اعتبرت هذا الحزب الجناح السِّياسي للعمال الكردستاني. وقبل أن تصدر المحكمة الدَّستوريَّة قرارها في الدَّعوى المرفوعة بحقِّه، اتَّجهت قيادة حزب ديموقراطيَّة الشَّعب إلى تفعيل حزب آخر، تمَّ تأسيسه عام 1997، هو حزب الشَّعب الدَّيموقراطي DEHAP. وشارك هذا الحزب في انتخابات 2002 البرلمانية. وبعد أن تزايدت الضُّغوط على هذا الحزب، أعلن حلَّ نفسه منتصف 2005، والاتجاه نحو تأسيس حزب جديد، حمل اسم"حزب المجتمع الدِّيموقراطي DTP، في 25/10/2005، برئاسة مشتركة بين آيسل طوغلوك، وهي محاميَّة، كانت في فريق الدَّفاع عن أوجلان، وأحمد ترك، وهو نائب كردي سابق. وفي المؤتمر الأخير لهذا الحزب 8-9/11/2007، انتخب هيئة رئاسة من نورالدين دمرتاش 35 سنة، قضى 9 سنوات في السجون التركية، من أصل 19 سنة، كانت مدَّة محكومته، والنائبة الكردية عن محافظة ماردين، أمينة آينا. نوَّاب هذا الحزب، دخلوا البرلمان التركي كمستقلِّين، لتفادي حاجز ال10 بالمئة الذي حال دون وصول الأحزاب الكردية السالفة الذكر إلى البرلمان التركي في انتخابات 1995 و1999 و2002. ولو حظرت المحكمة الدستورية هذا الحزب، وهذا ما هو متوقَّع، قد ينعكس في صورة سلبية، خطيرة على تركيا، خصوصاً، في المناخات الملتهبة التي تعصف بالبلد. ردود فعل كردية وتركية في أول ردٍّ على طلب المدَّعي العام التركي من المحكمة الدستورية العليا حظر حزب DTP، وصف رئيس الحزب نورالدين دمرتاش، في مؤتمر صحافي له، قرار المدَّعي العام بأنه:"فضيحة سياسية وقانونية وأخلاقية". وقال النائب الكردي السابق خطيب دجلة، اعتقل مع النائبة السابقة ليلى زانا، وبقي في السجن عشر سنوات،"منذ سنة 1990 والأكراد يسعون حثيثاً إلى الممارسة السياسية بصورة علنية وقانونية، وهذا الاستهداف للأحزاب الكردية، مؤشِّر واضح إلى أن السياسة الرسمية للدولة حيال الأكراد لم تتغيَّر. ولم ينل هذا من مواقف الأكراد. وبهذا، تظهر الدولة وكأنها لسان حال الأوليغارشية التي لا تطيق المناخات والأحزاب الديموقراطية، فتركيا هي المسؤولة عن أيَّ نزعة انفصالية موجودة لدى الأكراد". أمَّا رئيس تحرير يوميَّة"آزاديا ولات"الكردية الصَّادرة في دياربكر، طيب تامَل، فعلَّق قائلاً:"إنهم سيفعلون أيَّ شيء، وكلَّ شيء، لإركاع DTP، وإبعاده عن أيديولوجيته وقواعده الشعبية، عبر إجباره على الصِّدام مع حزب العمال الكردستاني. وهذا ما لن يفعله DTP، لذا، سيحظرونه، ويطردوا نوَّابه من البرلمان". وفيما بدا وكأن هناك تفهُّماً عاماً بين الساسة الأتراك لقرار حظر الحزب الكردي، انقسم الإعلام التركي بين مؤيّد ومعارض له. إذ حذَّر الكثير من كتَّاب الزوايا الثابتة في الصحافة التركية، من التبعات الوخيمة لهذا القرار، ك"جان دوندار"وپ"حسن جمال"في صحيفة"ملليت"، وپ"محمد علي بيراند"في ص0حيفة"بوستا"، إضافة إلى آخرين، ك"جنكيز تشاندار". ليس سرَّاً القول ان أكراد تركيا اعتادوا هذا النوع من العلاقة مع الدولة التركية. لكن، اتخاذ قرار كهذا وتنفيذه، من المحكمة الدستورية، سيعزز تشبُّث العمال الكردستاني بالسلاح. وتالياً، ستذهب كل المراهنات على"العدالة والتنمية"والديموقراطية التركية، والتي كانت تطالب الكردستاني بإلقاء السلاح، والاتجاه إلى العمل السياسي في تركيا، أدراج الرياح. فضلاً عن الارتدادات السلبية التي سيفرزها قرار كهذا على تركيا داخلياً وخارجياً.