تكاد البرامج المتعلقة بتسويق مستحضرات الأعشاب في وسائل الإعلام اللبنانية، التلفزيونية والإذاعية، أن تتغلب على البرامج والأخبار السياسية التي جرت العادة على أن لا صوت يعلو فوق صوتها في لبنان حيث تتوزع تراخيص المحطات وفقاً للتوزيع الطائفي والسياسي. فتلك البرامج غزت في شكل لافت أخيراً، كل المحطات والإذاعات، ولا تكاد تمر ساعة لا يُشاهد أو يُسمع فيها، بعض من وصفات الأعشاب ومفاعيلها"السحرية"في الأمراض كافة من"حب الشباب"الى"السرطان". واللافت أن المحطة التي نال مستحضر، والقائم عليه - هو عادة خبير سمّى منتجه باسمه او باسم مركزه الطبي- استحسانها، خصصت مساحة تكاد أن تكون يومية لاستضافة صاحب المستحضر ليتحدث فيها بإسهاب عن"النتائج المذهلة"لتركيباته واكتشافاته. وكذلك لا تتوانى المحطة نفسها عن تمرير نصائحه ومنتجاته في الفواصل الإعلانية ولو كانت تفصل بين فقرتي نشرة الأخبار. وبعيداً من البحث في جودة تلك الوصفات والمستحضرات التي أثارت قبل فترة نقابتي الأطباء والصيدلة وپ"جمعية المستهلك"، إذ نفذ القائمون عليها مؤتمراً صحافياً مشتركاً انتقدوا فيه تسويق الأدوية وعلاج طب الأعشاب بطريقة"غير أخلاقية"، ثمة أمر غريب عجيب وهو مواصلة تلك المستحضرات احتلال مساحات كبيرة من البث الإذاعي والتلفزيوني، مع الإشارة إلى أن كل مستحضر اختار محطة تلفزيونية وأخرى إذاعية، ولا يظهر في المحطات الأخرى. وهنا يمكن طرح كثير من الأسئلة: هل يحق لوسائل الإعلام، التي تخصص كل هذا الوقت لمنتج معين من دون أن تفصح للمتلقي عن هدفها الربحي، تلميع صورة تلك المنتجات والمستحضرات إلى درجة تجعلها في مقام"مسحة الرسول"؟ هل يحق لها من خلال الترويج إياه أن تبخس بطريقة غير مباشرة، مختبرات العالم والباحثين جهدهم وأشغالهم الشاقة سنوات وسنوات لإنتاج أدوية تكافح أمراض مستعصية وقد لا توفق، بينما تفتح هواءها أمام صاحب المنتج ليطل عبر الشاشة متحدثاً عن مرض"حتحت"عقول الباحثين، باستخفاف محاولاً إقناع المشاهدين - المرضى بأن مستحضره يقضي عليه؟ هل يحق لوسائل الإعلام أن تكون شاشاتها مطية ليسخر عبرها أولئك"الخبراء"من المرضى والاستخفاف بعقولهم بتقديم علاجات مجانية لأمراض عانوا منها الأمرين؟ وهل يحق لوسائل الإعلام أن تدمج دمجاً غريباً بين برامجها والإعلانات كأن تستخدم بعض مذيعيها في تقديم المنتج ومنتجه على أنه ضيف يستحق الظهور يومياً على الشاشة، واذا ما حصلت لحظة الفاصل الإعلاني يكون مستحضره في طليعة شريط الدعايات؟ لا شك في أن كثراً يودون تصديق عجائب المستحضرات اللبنانية، لكن ألا يعني اشتداد الدعاية والظهور نقصاً في نسبة الإقبال على تلك المنتجات؟ قد تجد بعض وسائل الإعلام أن لا ضير في الاستخفاف بعقول بعض المشاهدين الذين يعتبرون كل ما يقال في التلفزيون صادقاً، لكن هل يحق لها تجاوز ذلك الى الاستخفاف بصحتهم؟