انقضى شهر رمضان المبارك، شهر القرآن والعبادة، وفي أعين بعض الإعلاميين الموسم الأكبر والأشهر لسوق الإعلانات الفضائية، وأُتخم المشاهد في ذلك الشهر الفضيل بالعدد الهائل من الإعلانات، على شاشات التلفزة المتنوعة، وتمادت بعض الوسائل الإعلامية، في استخدام الفواصل الإعلانية، بطريقة وصلت إلى حد التطرف! فيما تستحق أن تكون دعوة مبطنة للهروب السريع! وأصبحت هذه الفواصل الإعلانية، وسط المادة التلفزيونية المقَدَّمة، الإعلان "الأصغر" لانتهاء البرنامج بالنسبة للمشاهد! والفرصة السانحة له ليتجاوز المحطة إلى غيرها، وفي الأغلب إلى غير رجعة! ومن ثم الخسارة التي تُمْنى بها تلك المحطة، من تسرّب مشاهديها. في تسريبات خاصة تشير بعض دراسات المشاهدة الرمضانية لهذه السنة في إحدى الأقطار العربية –وحتماً ستظل هذه الدراسات حبيسة الأدراج وبعيدة المنال عن المعلنين- أن الإعلانات بصورتها الحالية، أصبحت أحد أهم أسباب هروب المشاهد، وأن نسب المشاهدة خارج الإعلانات باتت أعلى بكثير. ومن أغرب ما شاهدت وصول مدة الفاصل الإعلاني الواحد، في البرنامج التلفزيوني الواحد، على إحدى المحطات الفضائية، إلى أكثر من ربع ساعة (خمسة عشر دقيقة)! وهذا برنامج مستقلَّ! ومما يزيد في الإشكال أن البرنامج المشار إليه، يحوي أربع فواصل إعلانية! بمعنى ساعة برنامج، وساعة إعلانات! وصرنا نشاهد من هنا وهناك، دعوات لمشاهدة المادة التلفزيونية بدون انقطاع، وبدون فواصل، وذلك في سبيل ترغيب المشاهد! لقد أصبحنا في حرب إعلانية ممجوجة ومزعجة ومنفّرة، تدفع بالمشاهد إلى التعاطي مع مثل هذه الإعلانات بالطريقة السلبية، يضاف إلى ذلك ضعف الفكرة، والشكل الفني المهترئ للإعلان، الذي يَصُبّ في غير صالح المنْتَج، بالإضافة إلى عدم انتقاء الأوقات والبرامج المناسبة للإعلان، فقد تجد برنامجاً شرعياً وعظياً، يحلّق بالمشاهد عالياً، ثم يقطع ذلك التحليق بإعلان منظّف! أو إعلان منتزه أو ملاهي للأطفال! أو غير ذلك، مما يسلب روحانية البرنامج. وقد تجد برنامجاً ترفيهياً فكاهياً، يقطعه إعلان حزين مؤثر، كإعلان لمرض السرطان، أو ضحايا التدخين أو غير ذلك! هنا ثلاثة أطراف في هذه المعادلة، (المعلن) الذي يجب أن يعرف منهم جمهوره المستهدف بدقة في القناة، وما هي البرامج التي يشاهدها جمهوره، وما هي أوقاتهم المناسبة، والطرف الثاني (القناة) التي يجب أن تهتم بتوافق محتواها مع الإعلانات قدر المستطاع. والطرف الثالث هو (الوكيل الإعلاني للقناة) الذي يهمه بالدرجة الأولى – بحكم اختصاصه- تسويق أكبر عدد من النشرات الإعلانية، حسب رغبة العميل، دونما اعتبار للشاشة، وأهمية محتواها. أعلم أن هناك ظروف توقع القنوات في الحرج، خصوصاً من قبل الوكيل الإعلاني، وضغطه المستمر، وعدم إحساس بعض الوكلاء بالشراكة مع الشاشة، واستعجال الثمرة، وعدم النظر إلى المستقبل. لكن تفاهم يسير ومنظّم، بين الوكيل، والعميل، والقناة، سيأتي بأفضل النتائج لصالح الجميع، بما فيهم المشاهد. ظهرت بعض الإبداعات في طريقة تقديم المنتَج والإعلان عنه، دونما كبير إزعاج للمشاهد، ولا قطع لمتعة المشاهدة، بل في بعض الأحيان يأتي في السياق العام للبرنامج وجزء من المخرج النهائي للمادة التلفزيونية، كمثل إظهار المنتج داخل البرنامج، وهذا من أمضاها وأفضلها، أو ظهور شريط إعلاني مؤقت، أو شعار متحرك، ولن نعجز عن إيجاد وسائل وطرق إبداعية جديدة، لا تكون سبباً في دعوة لهرب المشاهد من محطته وبرنامجه المفضّل. عبد العزيز بن سعد السويلم * [email protected]