افتتح الأسبوع الماضي المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو، الذي يعقد كل سنتين بمقر المنظمة بباريس. ولذا غابت مقالتي الأربعاء الماضي لانشغالي بذلك، الغياب الذي لم يشعر به أحد من قرّاء الصحيفة سواي!!. منظمة اليونسكو هي الهيئة الدولية الثانية من حيث الأهمية بعد الهيئة المركزية للأمم المتحدة. وأهمية اليونسكو لا تكمن في حجم اهتمام دول العالم بها أو بميزانيتها، لأن كثيراً من دول العالم تهتم ب"الفيفا"أكثر مما سواها! تكمن أهمية اليونسكو في المجالات التي تهتم وتعنى بها في هذا الكون، فهي هيئة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم والاتصال، ويعبّر عن هذه الأهمية مدير عام اليونسكو كوتشيرو ماتسورا بالقول:"بتنا نعلم أنه لا يمكن تصور أي جهد في مجال التنمية المستدامة بمعزل عن ميادين التربية والثقافة والعلم والتكنولوجيا التي تندرج جميعها ضمن مجالات اختصاص منظمتنا". أي أنها المنظمة التي تمسك بتلابيب التطور أو التخلف الاجتماعي والحضاري للشعوب، إذا استطاعت بالطبع الفكاك والنجاة من ألاعيب الساسة والعسكر. حسناً، ما الذي سيقدمه مؤتمر اليونسكو للبشرية، في دورته الرابعة والثلاثين هذه، التي يحضرها أكثر من عشرة رؤساء دول ومئتي وزير وثلاثة آلاف مشارك من 193 دولة عضو من مختلف جهات وتوجهات العالم؟! يمكن للمتفائل أن يقول بأنها ستقدم الكثير من الحوارات والاتفاقات والقرارات، التي تؤطر عمل المجتمعات البشرية في مجالات التربية والثقافة والعلوم. ويمكن للمتشائم أن يقول بأن اليونسكو لن تقدم شيئاً، سوى المزيد من الحوارات الموجهة والاتفاقات المتحيّزة والقرارات المقيّدة ضد"معلوم"! بعيداً عن وجدانية التفاؤل والتشاؤم، سنقرأ الحروف ونعدّ الأرقام... حروف توجهات وخطط المنظمة، وأرقام ميزانية تمويل هذه التوجهات. حدّدت المنظمة لنفسها لفترة العامين المقبلين ضمن الاستراتيجية المتوسطة الأجل أولويتين أساسيتين متعلقتين بجميع قطاعاتها، هما: أفريقيا والمساواة بين الجنسين. يكرس مساعد مدير عام المنظمة لقطاع التربية الاهتمام بأهداف التعليم للجميع ضمن فئتين: الأهداف التي يوليها الناس اهتمامهم، كالتعليم الابتدائي والمساواة بين الجنسين والجودة في التعليم، والأهداف التي لا يكرّس لها الناس اهتماماً كافياً كمحو الأمية ومرحلة الطفولة المبكرة واحتياجات الشباب الذين لا يذهبون إلى المدرسة أو الذين لا يتعلمون الكثير وهم في المدرسة نشرة اليونسكو - العدد الثامن 2007. في مجال الثقافة، باتت المنظمة تتمتع بثلاث اتفاقيات لحماية التراث الثقافي للبشرية، الإعلان العالمي بشان التنوع الثقافي 2001 واتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي 2003، واتفاقية حماية وتعزيز أشكال التعبير الثقافي 2005،"بهذه النصوص أتممنا بناء القاعدة القانونية لحماية الممتلكات الثقافية"، تقول مساعدة مدير عام المنظمة لقطاع الثقافة، لكنها تستدرك قبل أن تغرق الآخرين في أحبار الطوباوية، بأن"التحدي يكمن اليوم في تنفيذ هذه الاتفاقيات. إذ يعتقد معظم الناس أن دخول اتفاقية حيز النفاذ يعني أن الجهود تكللت بالنجاح، في حين أن مسيرة الحماية إنما تبدأ مع وضع الأسس المعيارية لها"المصدر السابق. في مجال العلوم في المنظمة، يلزم الحديث عن الأولوية الأولى منذ ست سنوات لهذا القطاع وهي المياه"إذ يُقدّر عدد المحرومين من إمكانية الوصول إلى مياه الشرب في العالم بحوالي شخص بين كل خمسة أشخاص، فلا عجب أن تمثل المياه أولوية رئيسية لليونسكو. وسعياً لمواجهة هذا التحدي، تلقي المنظمة الضوء على التعليم وتحسين المعارف المرتبطة بهذا المورد الأساسي. كما أن ملف الوقاية من أمواج تسونامي والتخفيف من آثارها يندرج ضمن أولويات اليونسكو المتصلة بالمياه"النشرة. وأخيراً في قطاع الإعلام والاتصال وتقنية المعلومات"التزمت اليونسكو بمواصلة العمل خلال العامين المقبلين على تعزيز حرية التعبير وحرية الصحافة، ومتابعة ترويج استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصال تشجيعاً لنمو مجتمعات المعرفة الجامعة التي تبني قدرات الأفراد والمجتمعات على السواء"المصدر نفسه. اضطررت للاستطراد في اقتباس مقطع لكل قطاع من قطاعات المنظمة من نشرة اليونسكو التي تنبئكم بطموحات المنظمة خلال دورتها للعامين القادمين 2008 - 2009. بقي أن أفجعكم بأن كل تلك الأهداف الآنف ذكرها والآمال والطموحات والبرامج سيتم تنفيذها بميزانية تأمل - ولاحظوا تأمل! - اليونسكو من الدول الأعضاء أن تقرّها أثناء المؤتمر العام المنعقد الآن، هذه الميزانية المأمولة قدرها 631 مليون دولار للعامين المقبلين، بمعنى أن المنظمة بكل هذه الهيبة والدافعية والاختصاصات البالغة الأهمية والخطورة ستعمل بميزانية سنوية قدرها 315.5 مليون دولار فقط!! أي أن البشرية - أو اللابشرية - تستطيع ان تصرف مثل هذا المبلغ على شراء أربع طائرات حربية فقط، تقصف بها الأهداف الأربعة لمنظمة اليونسكو، وتُرفع الجلسة! فإذا كان البناء يحتاج إلى عامين... فالهدم يحتاج إلى دقيقتين فقط. ... ولا عزاء للبشرية * المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى اليونسكو